كتاب ـ واشنطن والعالم معضلات قوة عظمى ـ الحلقة الخامسة ـ القائلون بالوضوح الأخلاقي يبررون القتل الإجرامي، أبرز مثقفي أميركا يعترفون بغطرستها وجهلها في مواجهة العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 12 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 13 مايو 2003 طرحت المسألة الأخلاقية باستمرار على السياسة الخارجية الأميركية على نحو يتجاوز ما عرفته سياسة أي بلد آخر، ذلك ان هذه المسألة مطروحة في صميم فكرة الاستثناء القائلة بأنه ينبغي على الولايات المتحدة إما أن تكون بمثابة نموذج يحتذى به من العالم، وإما أن تنقذ هذا العالم عبر تقديم الديمقراطية له، أو بالأمرين معاً. ومن خلال التعارض بين المثالية والواقعية وبين العزلة والكونية تنطرح العلاقة بين المصالح الخاصة للولايات المتحدة الأميركية ومصالح العالم وأيضاً العلاقة بين شرعية الوسائل المستخدمة وفعاليتها. وكانت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد خففت من حدة المعضلة، إذ تقاربت الواقعية والمثالية في اطار سياسة لم تكن سلمية ولا قتالية، وكذلك لم تكن امبريالية أو داعية للعزلة، انها سياسة الصد والردع في مواجهة الاتحاد السوفييتي، الذي كان يمثل خطراً مزدوجاً من حيث انه كان قوة كبرى منافسة ونظاماً شمولياً توتاليتارياً، بالاضافة الى وجود السلاح النووي. وساد نوع من التوجه التضامني في ظل حالة من القبول العام حيال حلفاء الولايات المتحدة وخاصة بالنسبة لأوروبا، لم تشذ عن هذه القاعدة سوى مجموعات صغيرة من اليسار من دعاة السلم ومناهضي الاسلحة النووية، ومجموعات صغيرة من اليمين دعت باستمرار للعزلة. قطيعة مع الاجماع كانت الحرب الفيتنامية بالدرجة الأولى وشخصية ريتشارد نيكسون بالدرجة الثانية سبباً في قطيعة كبيرة مع ذلك الاجماع. وقد رأت شرائح كبيرة من الاميركيين وخاصة النخب السياسية والثقافية ان الحرب الفيتنامية لم تكن فقط مصدراً للكوارث وإنما كانت ايضاً حرباً ظالمة بل واجرامية. ومن جهة أخرى كانت سياسة نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر على الصعيد الخارجي أقرب ما يمكن إلى «الحس الواقعي» على الطريقة الاوروبية، وينقصها المكوّن المثالي أو «الطوباوي» الذي لابد منه بالنسبة للولايات المتحدة. ثم جاءت فضيحة «ووتر غيت» واستقالة نيكسون، مما هز أكثر فأكثر ثقة الأميركيين بمؤسستهم الحكومية. وتلت ذلك سلسلة من الرئاسات التي كانت سمتها الرئيسية هي التضاد الذي مثلته كل منها مع سابقتها من وجهة نظر الاهتمام بالأخلاق والقوة. لقد وصل جيمي كارتر الى السلطة وكأنه نقيض نيكسون، أي كمسيحي يمثل الفضائل الأخلاقية التقليدية لأميركا. وصرّح بقوله انه يريد «سياسة خارجية أميركية جيدة مثل الأميركيين»، كما رفض في الوقت نفسه خط التقاليد الولسونية الصافية، ما اعتبره مكيافيللية نيكسون وكيسنجر وميلهما نحو السرية. هكذا احتل موضوع حقوق الانسان واشاعة الديمقراطية مكانة مركزية في التوجه الأميركي الخارجي، بل أتمّ تطبيقه أحياناً على حساب بعض حلفاء الولايات المتحدة. وهذا ما رأى به ناقدوه توجهاً مضاداً للمصالح الأميركية. ضمن هذا السياق جاء الاجتياح السوفييتي لأفغانستان وسقوط شاه ايران ليدفعا ادارة الرئيس كارتر الى مواقف أكثر كلاسيكية، ولكن من دون تحريرها من صورة الضعف والتردد التي كانت قد علقت بها. كانت مهمة رونالد ريغان الأولى هي أن يعطي لأميركا من جديد الثقة بنفسها، ولكن بعيداً عن مفهوم الخضوع المسيحي. وتم التأكيد في الوقت نفسه على ان أميركا، وكما يردد المحافظون الجدد، تمثل الخير في مواجهة الخصوم الذين يمثلون البشر، ومن هنا جاء تعبير «امبراطورية الشر» بالنسبة للاتحاد السوفييتي، وإنما الأمر الذي لم يمنع بعد فترة توقيع اتفاق مع ميخائيل غورباتشوف حول الأسلحة النووية، والتأكيد ايضاً بأن أميركا تملك في الوقت نفسه الحق والقوة والتاريخ. وكان الرئيس جورج بوش الأب، خليفة رونالد ريغان، يمثل سياسة خارجية أميركية أكثر تقليدية متعقلة ولكنها تتوجت بعدة انتصارات، مثل اعادة التوحيد الألماني أو أثناء حرب الخليج 1991. لكن يمكن من جهة أن يعاب على هذه السياسة بعض الافراط في التعقل من وجهة نظر أخلاقية مثل التغيّب عن النزاع اليوغسلافي. ومن جهة أخرى بدت تلك السياسة مثلما كان الأمر في ظل رئاسة نيكسون ـ كيسنجر ذات بعد واقعي براغماتي مفرط. مع وصول بيل كلينتون إلى السلطة، تمّت العودة بطريقة أكثر براغماتية، ودون المكوّن الديني، الى الاهتمامات الأخلاقية لادارة كارتر. كانت أخلاقية كلينتون هي «الاستقامة السياسية» بحيث تحمل السياسة الخارجية أفكار حقوق الانسان، وخاصة حقوق الأقليات، والتعددية الثقافية والتعاطف، لكن مثل هذا التوجه تعدّل كثيراً لمستلزمات انتخابية. من هنا جاء التردد المستمر أمام القيام بأي عملية تدخل خارجي واستخدام القوة مما قد يترتب عليه خسائر أميركية، وفي الوقت نفسه ظل هناك نوع من الاهتمام بالمشكلات ذات الطابع الانساني والعامة وبالتعاون الدولي، الأمر الذي أدى الى اتهام الرئيس كلينتون من بعض ناقديه بأنه يمارس سياسة «العمل الخيري» أو «سياسة الأم تيريزا» ـ اشارة الى الراهبة المسيحية العجوز المعروفة بقيامها بعدد من الأعمال الخيرية للفقراء في باكستان وغيرها ـ أي بشكل عام السياسة التي تعتمد على المعايير الكونية (يونيفرسال) وليس على خدمة المصالح الأميركية. من هنا جاء نقد المحافظين الجدد الذين دعوا الى «ريغانية جديدة» شجعت عليها أحداث 11 سبتمبر 2001 على عكس ما كان يمكن استشفافه من الحملة الانتخابية لجورج دبليو بوش. وفي الواقع وضع بوش بسرعة النضال ضد الارهاب ضمن الاطار الأخلاقي نفسه للحملة ضد النازية والشيوعية، وتمّ تشبيه خطابه الشخصي بخطاب الرئيس الأسبق ريغان مفضلاً اللجوء الى «الوضوح الأخلاقي» بدلاً من اللغة الدبلوماسية، مما كان يحمل مخاطرة أن ترتفع أصوات الأوروبيين ضده عندما استخدم تعبير «محور الشر» مثلما كانت قد ارتفعت ضد رونالد ريغان عند حديثه عن «امبراطورية الشر». الوضوح الأخلاقي وقد جاء في خطاب ألقاه جورج دبليو بوش في الأول من شهر يونيو 2002 ما يلي: «لقد واجهت أميركا الامبريالية الشيوعية على عدة جبهات، دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، مع ذلك كان الوضوح الأخلاقي هو العامل الأساسي في انتصارنا في الحرب الباردة. وعندما قرر زعماء من أمثال جون كيندي ورونالد ريغان السكوت عن الفظاظات التي يقوم بها المستبدون، فإنهم أعطوا بذلك الأمل للسجناء والمعارضين والمنفيين وربطوا الأمم الحرة بقضية كبرى. وقد أعلن البعض خشيتهم من أن الحديث على أساس مرجعيات الخير والشر قد يكون على حساب القواعد الدبلوماسية أو الأدب، انني لا أتفق معهم حول ذلك. فالظروف المختلفة تتطلب طرقاً مختلفة ولكن ليس أخلاقاً مختلفة. ان الحقيقة الأخلاقية واحدة في جميع الثقافات وفي كل الأزمنة وفي كل الأمكنة. وقتل المدنيين الأبرياء هو عمل شرير أينما كان، وليس هناك موقف حيادي بين العدالة والقسوة وبين البريء والمذنب، نحن نعيش صراعاً بين الخير والشر، وأميركا سوف تسمي الشر باسمه، وعندما نناضل ضد الشر وضد الأنظمة التي لا ضمير لها ولا ذمة ـ لا إيمان ولا قانون ـ فإننا لا نختلق مشكلة جديدة وإنما نكشف عن مشكلة قائمة، واننا سوف نقود الأمم من أجل حلها». ومن خلال قوله بسياسة «الوضوح الأخلاقي» واجه جورج دبليو بوش خطرين، أولهما هو تجاوزه على يمينه من قبل المتطرفين حتى النهاية، أي أولئك الذين قالوا بضرورة الذهاب في هذا المنطق إلى نهاياته، وبما ان الارهاب شر فإنه ينبغي مثلاً اطلاق حرية ارييل شارون كي يقضي على ياسر عرفات. وهذا النقد يتضمن في داخله ضرورة القيام بتعريف الارهاب ذاته. أما الخطر الثاني لـ «الوضوح الأخلاقي» فيتمثل في كون ان تبني موقف سياسي واضح والتمسك به يمكن أن يؤدي في النهاية الى نوع من الخلط الأخلاقي. وكان «فريد زكريا» قد كتب تحت عنوان «هل هذا هو الوضوح الأخلاقي؟» في صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 5 نوفمبر 2002 ما يلي: «فيما يخص الوضوح الأخلاقي في الجمهورية الشيشانية قبل وبعد 11 سبتمبر 2001، إذا تم تبني قتل المدنيين كمعيار للارهاب فماذا يقول البيت الأبيض عن عمليات جيش الاحتلال الروسي في الجمهورية الشيشانية؟ فخلال العقد الماضي قام هذا الجيش بقتل حوالي مئة ألف شيشاني، كما تدل التقديرات، أي عُشر السكان تقريباً، وهجّر مئتي ألف وحوّل أكثر من ربع مساحة هذه الجمهورية الصغيرة الى صحراء». ويضيف فريد زكريا: «إن الشيشانيين ليسوا ملائكة، وهم مقاتلون أشداء من أجل قضيتهم، وهم من جهة أخرى ليسوا قادرين على اقامة حكومة مستقرة، وقد لجأوا بالفعل إلى الارهاب. لكن روسيا ساهمت في أن تجعل منهم ارهابيين. وقد دمّرت شيشينيا كبلاد وكجسد سياسي وكمجتمع، وهي الآن صحراء تجوبها العصابات الهائمة. وليس هناك أي زعيم يمكنه أن يسيطر على شبابها الذين أصبحوا أكثر راديكالية ولا يخضعون لأي قانون، كما أظهر الاعتداء على مسرح موسكو. إن بوتين يزعم بأن القاعدة موجودة في الشيشان، لكن الأمر لم يكن ذلك حتى فترة وجيزة. لكن الشيشانيين وأمام الخراب الذي لقوه على يد الروس طلبوا العون من حيث وجدوه، والأمور تسير من سييء إلى أسوأ، ويأس الشيشانيين يتزايد ونضالهم يأخذ أكثر فأكثر بعداً دينياً، ومن المعروف ان عنف القمع يؤدي الى زيادة راديكالية المعارضة». «الدرس الذي يمكن استخلاصه هو انه ليس هناك وضوح أخلاقي في هذه القضية. إن الارهاب أمر سييء بالتأكيد، لكن أولئك الذين يحاربونه يمكن أن يكونوا سيئين جداً أيضاً. والطريقة التي يحاربونه بها يمكن أن تجعل الأمور أكثر سوءاً. هذا درس ينبغي أن نفهمه بسرعة لأنه ومن شمال أفريقيا حتى باكستان ومروراً بأندونيسيا تزيد الحكومات من قمعها وتبيع ذلك لواشنطن على اعتبار انه مساهمة في النضال ضد الارهاب. وكان القادة الروس قد أطلقوا على الشيشانيين انهم «متمردون» أو «عصابات» حتى وقت قريب. أما اليوم فقد أصبحوا «ارهابيين اسلاميين دوليين». ويختم فريد زكريا ما كتبه بما يلي: «أثناء الحملة الرئاسية طرح لاري كينغ على المرشح جورج دبليو بوش سؤالاً حول ما يفكر به حيال عمل روسيا في الجمهورية الشيشانية فقال: (هذا غير مقبول، لذلك علينا أن نوقف المساعدات لروسيا) فأردف الصحافي: (في الحال؟).. (نعم، بالقطع) أجاب بوش وأضاف: (على أمم العالم الحر أن تدين أخيراً قتل النساء والأطفال الأبرياء)». «هذا هو بالفعل الوضوح الأخلاقي». الغطرسة والجهل لقد أثارت الحرب ضد الارهاب كمّاً من النقاشات لدى المثقفين الأميركيين، وذلك حول مفهوم الحرب العادلة في أفغانستان وحول الارهاب والوسائل المسموح استخدامها من أجل محاربته أو حول معاملة سجناء حرب أفغانستان الذين جرى نقلهم الى غوانتانامو والذين لا يتمتعون بالاجراءات القانونية التقليدية ولا بأشكال الحماية التي تنص عليها عامة اتفاقيات جنيف. إن حدود هذا النقاش تجاوزت كثيراً أميركا وذلك يعود أولاً لأشكال النقد الموجهة لواشنطن من شركائها الأوروبيين، وثانياً لكون ان المثقفين الأميركيين أرادوا أن يدخلوا مع زملائهم في الخارج بحوار حول المعضلات الأخلاقية المطروحة بسبب الحرب على الارهاب. هكذا مثلاً نشرت صحيفة «لوموند» الباريسية مقالاً وقعه عدد من كبار المفكرين الذين شاركوا في النقاش من أمثال فرنسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون وروبرت بونتام وغيرهم. وقد جاء في هذا المقال: «نعترف بأن أمتنا قد برهنت أحياناً على غطرستها وجهلها بالأمم الأخرى، ومارست أحياناً سياسات سيئة التوجه أو ظالمة. وقد انحرفنا، كأمة، عن شعاراتنا غالباً، ولا يمكننا أن نفرض مباديء أخلاقية على مجتمعات أخرى إذا كنا لا نعترف في الوقت نفسه بأننا لم نفِ نحن بالمباديء المعنية ذاتها، ونحن على اقتناع تام بأن ذكر هذا الخطأ أو ذاك في ميدان السياسة الخارجية لا يمكنه أن يبرر أي شكل من الأشكال، ولا أن يخدم كحجة مسبقة للقيام بعمليات قتل جماعية للأبرياء، ونحن على ثقة بأن أصحاب الارادة الطيبة في جميع أنحاء العالم يؤيدوننا في ذلك (...). «مع ذلك، فإن العقل والتأمل الأخلاقي المتمعن يعلمنا بأن أفضل اجابة يمكن تقديمها في مواجهة الشر انما هي ازالته ووضع حد نهائي له. هكذا يمكن للحرب ألا تكون مشروعة أخلاقياً فحسب، وإنما ضرورية أخلاقياً أيضاً من أجل الاجابة عن العنف والكره والظلم. وفكرة (الحرب العادلة) تندرج وتجذر في العديد من التقاليد الأخلاقية والدينية في العالم. ويوجد في مختلف الديانات السماوية تأملات حول الحرب العادلة. بالتأكيد يرى البعض، باسم الواقعية، إن الحروب هي بالدرجة الأولى تعبير عن نزاعات مصالح وبالتالي يرفضون أهلية أي تحليل أخلاقي. لكننا لا نشاطر مثل هذا الرأي، إذ يمكن للدراسات الانسانية والأخلاقية حول الحرب كظاهرة انسانية أن تتوزع بين أربع مدارس فكرية.. المدرسة الأولى يمكن أن تطلق عليها تسمية المدرسة الواقعية وتقوم على الاعتقاد بأن الحرب هي جوهرياً مسألة سلطة ومصلحة وضرورة وبقاء، وبالتالي يتم استبعاد أي تحليل أخلاقي مجرد. وتتجسد المدرسة الثانية في مفهوم الحرب المقدسة، حيث يجيز الايمان قتل (الكفرة) ولكن يمكن أن يتم الشيء نفسه باسم ايديولوجية علمانية خاصة في سياق معين. أما المدرسة الثالثة فيمكن وصفها بالسلمية وتقوم على الاعتقاد بأن أي حرب إنما هي لا أخلاقية. والمدرسة الرابعة والأخيرة فاسمها الحرب العادلة والتي تقول بضرورة تطبيق مفاهيم الأخلاق الكونية على الحرب. إن موقعي هذه الرسالة ـ المقال ـ يعارضون بشدة المدرسة الفكرية الأولى ويرفضون الثانية من دون أي لبس، ومهما كان الشكل الذي تأخذه وإن صدرت عن مجتمعنا ـ معسكرنا ـ أو من المعسكر الذي يريد خسارتنا. وقد استهوت المدرسة الثالثة بعض الموقعين على هذه الوثيقة.. أما مجموعتنا فهي تميل بالأحرى الى الوقوف بجانب المدرسة الفكرية الرابعة (...). «لكن إذا كان التهديد ضد الأبرياء حقيقياً ومؤكداً، وإذا كان المعتدي مصرّاً على العدوان بهدف تدميرك وليس مجرّد استقدامك الى طاولة المفاوضات أو حتى اخضاعك، فإن الاستخدام المناسب للقوة يصبح مبرراً». الأهداف والوسائل تبقى المشكلة المركزية للسياسة الخارجية الأميركية، وخاصة فيما يتعلق باللجوء الى القوة، تتمثل في الفارق بين طموح أهدافها وبين عدم ملاءمة الوسائل المستخدمة لهذه الأهداف، وهذا ما تمّت الاشارة اليه من قبل والتر ليبرمان منذ الحرب العالمية الأولى. وهناك عدة مستويات لطرح المشكلة، ويتعلق الأول بمستوى الأهداف ومعرفة ما إذا كان من المطلوب لهذه الأهداف أن تخدم أولاً المصالح القومية الأميركية أم المصالح الانسانية؟ وعلى مستوى الوسائل ينبغي معرفة الأولويات، وأي منها يتم اختياره على أساس الموارد وبالعلاقة مع حياة المجتمع الأميركي، وخاصة بالعلاقة مع مستوى ازدهاره؟ وفيما يتعلق بمستوى القوة بأي مقياس يمكن لأهمية الأهداف أن تدفع أو تبرر التخلي عن بعض الواجبات الخاصة بحماية الحياة الفردية وسيادة الدول؟ لقد كانت الاجابة الأميركية واضحة نسبياً في فترة التوسع الاميركي في القارة، حيث لم تظهر آنذاك أي مؤشرات على التردد. كذلك كانت الاجابة الاميركية واضحة أثناء الحربين الكونيتين الأولى والثانية، إذ وبعد أن كان التدخل الأميركي متردداً ومتأخراً أصبح كبيراً وحاسماً ليجد ذروته مع استخدام القنبلة الذرية في أغسطس من العام 1945 ضد مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. تأليف: بيير هاسنر وجوستان فايس ـ عرض ومناقشة: د. محمد مخلوف

Email