أرادوا إجهاضها قبل أن تقلع، هكذا يقرأ الاسرائيليون دفاتر حكومة ابو مازن

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 5 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 6 مايو 2003 قبل أن يتوصل الى اتفاق مع محمود عباس (ابو مازن) على تشكيل الحكومة الفلسطينية وتوزيع المناصب داخلها، عمل ياسر عرفات على استقطاب اصوات عدد من اعضاء المجلس التشريعي (البرلمان الفلسطيني) كي يصوتوا ضد الحكومة التي اعتزم ابو مازن عرضها لنيل الثقة، وهذه، على اي حال، هي الرواية السائدة في القيادة السياسية في اسرائيل وفقط عندما تبين ان الرجلين تمكنا من تسوية خلافاتهما، بفضل الضغط الدولي الذي مورس على عرفات واستعداد ابو مازن للاستجابة لجزء من مطالبه، تراجع الرئيس عن هذه المبادرة، كما تعلم القيادة السياسية في اسرائيل ان الاموال التي كانت لعرفات صلة بها كان لها دور في تمويل عملية في كفار سابا مؤخرا، بل كان هناك سياسي كبير ادعى ان العملية في «مايكس بليس» في متنزه تل ابيب مولت باموال لعرفات صلة بها، ان توقعات قادة السلطة في اسرائيل من التغييرات في القيادة الفلسطينية محدودة جدا وتقديرهم هو ان الاضرار التي يلحقها عرفات لا تزال قائمة. في اقل من اسبوع طرأ تغيير على النبرة التي عقبت بها القيادة الفلسطينية على التطورات في رام الله: فقبالة التقديرات، التي يعود مصدرها الى الجيش الاسرائيلي، في ان انتخاب ابو مازن وفرض محمد دحلان على عرفات تبشر بتغير صاخب في ميزان القوى في السلطة الفلسطينية، افاد مؤخرا رئيس الاركان لجنة الخارجية والامن عما يجري بتعابير مضبوطة، بحيث أن حادي الاذان كان بوسعهم، ربما، ان يميزوا فيها رنة خيبة أمل فجنرال موشيه يعلون شدد على ان عرفات ابقى في يديه السيطرة على ثلثي اجهزة الامن في السلطة، اذ ناور في اللحظة الاخيرة على ابو مازن من خلال تشكيل مجلس امن قومي دحلان ليس عضوا فيه، وفرض على ابو مازن منح حقائب مركزية للموالين له وقرر يعلون بأن الاصلاح المنشود في السلطة الفلسطينية لم يكتمل اذ لم يلب المطلب الاميركي والاوروبي لجمع اجهزة الامن في السلطة في ثلاث اجهزة تكون خاضعة لرئيس الوزراء (بواسطة وزير دولة لشئون الامن، دحلان)، وان عرفات بقي في مكانة سيطرة تتيح له مواصلة التآكل في مكانة وصلاحيات ابو مازن. ويعتبر يعلون رئيس أركان موضوعي، ليس لديه اعتبارت سياسية، كما أن قادة حزب العمل يتعاملون باحترام مع مواقفه وتقديراته، وهكذا هي ايضا المكانة المهنية لافي ديختر، رئيس الشباك - المخابرات، هو الاخر اطلق في الاونة الاخيرة رأيا متشائما عما يجري في السلطة الفلسطينية، فقد اشار ديختر الى الاشكاليات الكامنة في تشكيلة الحكومة الفلسطينية، حيث يوجد تمثيل كبير لرجال غزة ممن هم غير مقبولين من وجهاء الضفة الغربية، وكرر توقعه السابق (الذي لم يشاركه فيه الجيش الاسرائيلي تماما) في أن انتخاب ابو مازن لن يشل نفوذ عرفات وقرر بأن اختبار ابو مازن سيكون في استعداده للصدام مع حماس والجهاد الاسلامي وكليهما، ديختر ويعلون، كانا موحدين في أن نهجا حازما من جانب ابو مازن تجاه العنف لن يؤدي، بالضرورة، الى حرب أهلية، وبالعكس، فان تجربة العام 1996 تفيد بانه عندما هدد عرفات حماس والجهاد الاسلامي بالقوة، فقد لبوا طلبه واوقفوا العمليات. التغيير في تقديرات الجيش الاسرائيلي يعود الى العملية الجارية في السلطة الفلسطينية: فقد تبين انه رغم تضرر صلاحيات عرفات الرسمية، الا انه نجح في الاحتفاظ ببؤر قوة لا بأس بها ومع ان انتخاب ابو مازن لرئاسة الوزراء ادى الى التقديم الى مقدمة المنصة بممثلي المدرسة التي تقول في القيادة الفلسطينية في الغرف المغلقة في العام الاخير ان استخدام الارهاب كان خطأ جسيما، الا انه لم يشل فعالية عرفات وقدرته على الاضرار صحيح ان ابو مازن احتل لنفسه مكانا الى جانب عرفات في اعقاب عملية داخلية في القيادة الفلسطينية، الا ان اساس قوته يستمدها من التحالف الدولي الذي عمل في صالح تعيينه، وفي هذا الوضع من علاقات القوى، اوصت محافل التقدير بضرورة المتابعة الحريصة لسلوك عرفات وابو مازن في الفترة القريبة المقبلة والاستنتاج منه لموقف اسرائيل تجاه السلطة وكان لهذا الاستنتاج طعم المياه الباردة التي سكبت على التقديرات السابقة. المظلة الدولية التي تظلل ابو مازن هي الجهة الاساسية التي سيتعين على اسرائيل ان تراعيها اذ تتصدى لخريطة الطرق التي وضعها السفير كان كيرتس على طاولة رئيس الوزراء، وقالت مصادر في وزارة الخارجية هذا الاسبوع ان ابو مازن يتمتع في اوروبا بمكانة المسيح: يرون فيه كمن سيؤدي الى الخلاص في النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني وفي الادارة الاميركية أيضا يعلقون عليه آمال كبيرة، ولهذا السبب فقد عملت (بواسطة مصر) على فرض تعيينه على عرفات ويقف امام حكومة اسرائيل تحد سياسي غير بسيط في الفترة القريبة. ان انتخاب ابو مازن أوجد صورة انعطافة حادة، ذات معنى شبه تاريخي، في تشكيلة القيادة الفلسطينية وفي نهجها، وهو ايضا طبق ظاهرا الشرط الاول الذي طرحه الرئيس بوش على الفلسطينيين - لتنفيذ اصلاح سلطوي وفي اسرائيل هذا الاسبوع تعاظمت الشكوك في ان هذا التطور ليس سوى قشرة مضللة تتضمن مخاطر كثيرة: استئناف الشرعية الدولية لعرفات، اكتفاء الولايات المتحدة بالتغيير في القيادة الفلسطينية بدل اقامة قيادة جديدة، تعاظم العمليات التي تنفذ بإلهام من مصادر خارجية (سوريا، ايران، حزب الله) ممن تسعى الى منع انطفاء لهيب النزاع واذا ما استمرت اعمال العنف، بل وتعاظمت، فان الحكومة سترد عليها بحزم وبالتالي ستعلق في مواجهة مع الاسرة الدولية (اوروبا اساسا) التي تعلق على انتخاب ابو مازن امالا عظام لانهاء النزاع. قال رئيس الاركان ان تحقيق وقف اطلاق النار سيكون تطورا ايجابيا في المرحلة الاولى، ولكنه يجب ان يكون له تواصل: على ابو مازن ان يبرهن استعدادا للتصدي لمنظمات العنف واسرائيل اعدت رزمة من البوادر الطيبة للرد على جهوده بالمثل: زيادة عدد العمال الذين سيسمح لهم بالعبور الى اسرائيل، تسهيلات في مجال الصيد، الافراج عن سجناء اياديهم ليست ملطخة بالدماء، حل المواقع الاستيطانية غير القانونية، واقامة مناطق صناعية مشتركة. واذا ما حقق ابو مازن بالفعل نتائج في فرض إمرته على حماس والجهاد، فان الجيش الاسرائيلي سيغير انتشاره في الضفة والاحتمال في ان يكون هذا هو التطور لا يبدو هذا الاسبوع لامعا: تقدير محافل الاستخبارات هو ان رئيس الوزراء الفلسطيني لا يعتزم الصدام مع المنظمات الفلسطينية، بل الحوار معها وتحقيق موافقتها على وقف اطلاق نار محدود زمنيا وسترى اسرائيل في ذلك مناورة تضليل ترمي الى السماح لهذه المنظمات باعادة التسلح وسيتعين عليها اقناع العالم (بما فيه الولايات المتحدة) بانها تقرأ الخارطة على نحو سليم وان تفسيرها مسنود بالواقع وليس مجرد ذريعة لطمعها في هذه المناطق.ليس فقط خطوات ابو مازن القريبة المقبلة ستثقل على حكومة شارون، بل واهدافه النهائية، كما عرضها دون رتوش في خطاب تتويجه فقد استجاب ابو مازن للاملاء الذي طرح عليه بالدعوة في خطابه الى وقف العنف، وفي نفس الوقت عرض صيغته لصورة التسوية الدائمة فجسد بأن موقفه في هذه المسألة لا يختلف عن موقف عرفات، ولا يوجد في الحكومة الحالية في اسرائيل من يبدي الاستعداد للتفكير بمفاهيم الانسحاب التام وتقسيم القدس وحل كل المستوطنات وتحقيق حق العودة، وبالمقابل، في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، فان هذه المطالب مقبولة تماما الثقة الكبرى التي منحت لابو مازن في العالم، والتزامه المعلن بالعمل ضد العنف، ستكسب مطالبه ميزة في مساومته قبالة اسرائيل. ومع قدوم كولن باول يتقرر الاجراء الاساسي لمعالجة خريطة الطرق فاسرائيل ستحاول ان تدخل الى الوثيقة التعديلات كي تربط اقامة الدولة الفلسطينية بالاعلان عن الغاء مطلب تحقيق حق العودة (بروح اقتراح الوزيرة تسيبي ليفني ووزير الخارجي سيلفان شالوم قدر هذا الاسبوع بأن الادارة الامريكية ستكون مصممة على تطبيق الوثيقة وستظهر ميلا لارضاء العالم العربي على خلفية حربها في العراق وبالتالي فان شارون سيقف امام مشكلة غير بسيطة حين سيضع خريطة الطرق على طاولة الحكومة. لقد بين عرض خريطة الطريق انه في مكتب رئيس الوزراء لم يقرأوا جيدا الموقف الاميركي وكل رحلات دوف فايسغلاس الى واشنطن تبدو في نظرة الى الوراء كعناء عابث او كخلل خطير في قدرة الحكم: فقد عرضت الوثيقة كما صيغت قبل نصف عام والملاحظات الاسرائيلية لم تؤثر على مضمونها ولم يقبل الموقف الاسرائيلي من شكل تطبيقها (مرحلة تلو مرحلة)، وهذه شروط بدء يوجد فيها احتمال مواجهة مع الولايات المتحدة العنف الفلسطيني قادر على منعها. بقلم: عوزي بنزيمان _ عن «هآرتس»

Email