المستوطنات أوجدت واقعاً مختلفاً، حلم الأسوار والأسيجة الجميل لم يعد قابلاً للتحقق

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 23 شعبان 1423 هـ الموافق 29 أكتوبر 2002 قبل اخلاء المستوطنين ومؤيديهم من محطة القطار القديمة في سبسطيا عام 1975 وافق رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك اسحق رابين ووزير الدفاع في حينه شمعون بيريز على ان ينتقل المستوطنون وأفراد عائلاتهم الى معسكر للجيش الاسرائيلي مجاور في كدوم، المستوطنون ومؤيدوهم استجابوا لهذا الطلب بارادتهم، حتى انهم بدأوا بالرقص والغناء، وهكذا أقيمت المستوطنة الاولى في الضفة الغربية بالموافقة الكاملة من حكومة اسرائيل، وبعد «الانقلاب» عام 1977 وصعود الليكود الى السلطة انضم اليها عشرات المستوطنات في الضفة الغربية، وكان الاخلاء في سبسطيا يشير الى انتصار واضح لغوش ايمونيم. ان اخلاء المستوطنين وأنصارهم من مزرعة جلعاد مؤخرا يشير ظاهريا لاصرار الحكومة الاسرائيلية، ولكن النتيجة ستكون مماثلة لأحداث سبسطيا - كدوم قبل 27 سنة، ومع اخلاء عدة مواقع «غير قانونية»، ستحول الحكومة عدة عشرات من المواقع القانونية الى مستوطنات مدنية في كل شيء، منذ اخلاء سبسطيا عام 1975 وحتى اليوم تغير وجه الضفة الغربية بصورة جذرية، في عام 1977 في نهاية ايام حكومة رابين الاولى كان عدد سكان المستوطنات عدة آلاف، واليوم يربو عددهم على الربع مليون، ومثلما قال وزير الزراعة شالوم سمحون للتو، فان وزراء «العمل» كشفوا انه في موجة التقليصات الاخيرة لم تمس الحكومة ولو بشيكل واحد ميزانية المستوطنات، وهي تواصل الارتفاع والتطور كما لو لم يكن هناك أزمة اقتصادية خطيرة في اسرائيل، هي الأخطر منذ اقامة الدولة. ورئيس الحكومة الاسرائيلية لا يسمح بالمس بابنه الغالي، بالمستوطنات التي أقيمت معظمها بايحائه وتشجيعه وفي الوقت الذي يمكن فيه وزير الدفاع بن اليعازر من عرض العضلات في مزرعة جلعاد، يواصل دفع ميزانيات طائلة لباقي المستوطنات والمواقع، وعلى الرغم انه يكثر من الحديث في مختلف المناسبات عن «تنازلات مؤلمة» مستعد لتقديمها من اجل التوصل الى تسوية سياسية، فان التنازل الوحيد الذي قدمه حتى الآن هو السماح لبن اليعازر هو اخلاء مزرعة جلعاد. في الواقع الحالي فان اخلاء المستوطنات بهدف التوصل الى تسوية سياسية مع الفلسطينيين هو أضغاث أحلام ومن الجدير بنا ان نعترف الآن ان ميرون بنفنستي صدق عام 1987 في أطروحته المسماة «غير القابلة للتغيير»، حيث قال «ان احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيطرة اسرائيل على كل ارض اسرائيل الانتدابية أوجدت واقعا تاريخيا وجيو- سياسيا جديدا ذي ديناميكية كبيرة الى درجة انه لا يوجد سبيل للعودة الى الوضع الذي ساد في «ارض اسرائيل» قبل عام 1967». وقد كتب بنفنستي آنذاك ان دولة اسرائيل تحولت من دولة قومية يهودية الى دولة ثنائية العرق ولم يعد النزاع اليهودي العربي صراعا بين دول بل تحول الى نزاع بين مجتمعات، وقد مرت 15 سنة منذ ان كتبت هذه الاقوال ولا يزال الكثيرون من بيننا لا يؤمنون بأن الواقع هو حقا هكذا، انهم يريدون العودة الى حلم التقسيم المستحيل واقامة أسوار واقية سميكة وعالية بينهم وبين الضفة الغربية بدل ان يفهموا بأن الصراع من اجل المساواة والتعايش يجب ان يجري من خلال الأخذ بعين الاعتبار الظروف الجديدة الناجمة، ان حلم اعادة الفصل، والأسوار والأسيجة كان جميلا في سنوات الستينيات والسبعينيات، ولكن في بداية القرن الحادي والعشرين من الأفضل التفكير بطرق جديدة لضمان حياة كريمة للشعب اليهودي في اسرائيل مقابل الحفاظ على هذا الحق للشعب الجار مع أقل قدر من المساس به. بقلم: يهودا ليطاني عن «معاريف»

Email