هناك شيء اسمه «تحطيم السعادة»، الاستياء الالماني من المواقف الأميركية يصل قمته

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 22 شعبان 1423 هـ الموافق 28 أكتوبر 2002 هل تتذكرون المانيا منذ اربعة أعوام؟ وقتها كان الديمقراطيون الاشتراكيون قد عادوا الى مسرح الاحداث. وكان جيرهارد شرويدر قد تم انتخابه لتوه ليكون مستشاراً للبلاد. حينذاك كان النقاد يبتسمون لأن شرويدر بدا كنوع من الشخصيات التشكيلية التي تعمل على تقليد السابقين وكقائد لروح العصر الليبرالية التي تتماشى مع الجميع. لم يتحدث شرويدر عن تلك الاشياء التي كان يفترض ان يتحدث عنها اي مستشار الماني، لم تكن الروح الالمانية واردة في برنامج أعماله. ومن واقع الامر لم يكن واضحاً ما إذا كان لديه اصلاً برنامج عمل وذلك في ضوء الاسلوب الالتفافي الذي كان يتبعه عندما كان يتحدث عن جميع القضايا والاسئلة الصعبة اثناء حملته الانتخابية. كانت الصحافة تطلق عليه اسم «كلنتونبلير»، على الاقل حتى بدأ في الظهور كشخصية مستقلة عنهما وتصبح له شخصيته المستقلة أو بالأحرى قبل ان يصبح الشخصية التي يجب ان يكون عليها القائد الالماني. وبصرف النظر عن فشله في معالجة، او حتى اقدامه على محاولة علاج، اقتصاد المانيا المتأزم، وهي التركة التي ورثها عن هلموت كول، استطاع شرويدر أن يكون ادارة جديرة بالاهتمام بالفعل.فقد عين يوشكا فيشر وزيراً للخارجية وتحول فيشر ليكون ولي عهد التحالف الأحمر ـ الأخضر، وهو التحالف الذي يعد وجه وصوت حضور الماني جديد من العالم الحقيقي، وهو الحضور الذي وصفه فيشر بنفسه بأنه حضور «طبيعي».وبناء على اصرار فيشر اشترك جنود المان في قوات حفظ السلام بالبوسنة في اول انتشار عسكري لجنود المان منذ الحرب العالمية الثانية. وقام شرويدر باسناد منصب وزير الداخلية لادتو شيلي الذي كان لايزال مشهوراً بأنه المحامي الرئيسي في أولى محاكمات جماعة بادر ـ ماينهوف، ونجح شيلي في ايجاد وزارة تتسم بالانضباط وقوة تنفيذ القانون في اعقاب الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة. وكان الوزراء الوحيدون الذين تسببوا في احراج وحزن شرويدر هم هؤلاء الذين لم يكن هو يريدهم وكانوا ينتمون الى الاحزاب التي كانت وراء الاغلبية القليلة التي كان يتمتع بها. وعمل شرويدر في البداية على التماشي معهم ثم عندما سمحت الظروف تخلص منهم أو اجبرهم على مغادرة كرسي الوزارة. آخر هؤلاء الذين سيرحلون هي هيرتا دولبر ـ جميلين، وزيرة العدل التي المحت في حديث لها بكل الانتخابات الاخيرة الى تشابه بين الرئيس الاميركي جورج بوش والزعيم الالماني ادولف هتلر في سياق عبارات مقتضبة.ليس هناك من شك في ان الانتخابات الالمانية كانت تنافساً بين ثلاثة اطراف: قائدين سياسيين المانيين والرئيس الاميركي. ولكن هؤلاء الذين رأوا ان شرويدر قد تغير بشكل ما في ضوء ما ابداه من معارضة لما وصفه هو بـ «مغامرة» بوش من العراق، لم يكونوا قادرين على متابعته خلال الاعوام الاربعة الماضية. لقد اكتشف شرويدر روح المانيا مبكراً ولعب عليها. لقد كان يعرف مشاعر الاستياء. ان حقيقة ان الالمان ابدوا تعاطفاً شديداً مع ضحايا احداث سبتمبر، حيث خرج نحو ربع مليون من سكان برلين في مسيرة تعاطف مع ضحايا المأساة، لا تغير من حقيقة ان من المانيا، كما هو الحال كثير من دول اوروبا، هناك شعور بالاستياء من اميركا ومن الاسلوب المتعالي والمتغطرس الذي تتعامل به الولايات المتحدة. ان الكلمة الالمانية «شادن فرويدا» والتي تعني ترجمتها «تحطيم السعادة» كلمة المانية بالفعل ولكن الشعور بها لا يقتصر على الالمان وحسب. بعض الالمان يفسرون تلك الحالة من الاستياء بالقول ان التاريخ بالنسبة لهم قد «انتهى». وبقولهم هذا فهم يعنون انهم الان اصبحوا مثل الاوروبيين الاخرين ولهم الحق في ان ينتقدوا رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون من دون ان يتم اتهامهم بكره اليهود، وان ينتقدوا جورج بوش من دون ان يتهموا بكره أميركا. ولكن الامر سيكون من الغباء الافتراضي بأن حالة الاستياء قد سيطرت على كل اساطير الاستثناءات الالمانية. فحتى شرويدر نفسه لا يقدر على افتراض هذا الامر. فالامر ليس بحاجة الى ذهن عبقري لكي يرى ان في هذه الاساطير يمكن ان يجد المذهب اليميني القومي ارضا مشتركة بينه وبين المذهب اليساري القومي. ومن الجدير بالتذكر في هذا الصدد ما حدث أول الشتاء الماضي عندما طرح شرويدر امام البرلمان الالماني فكرة ارسال قوات الى افغانستان، حيث عارض اكثر من نصف اتباع تحالف الخضر، وهم من يطلق عليهم «الخضر المتشددون» الامر بشدة في البوندستاغ. لقد كان موقفهم ذاك بمثابة دعوة غريبة للرجوع للذكريات، فالالمان مختلفون، فهم يتسمون بالنقاء وهم أفضل من الآخرين، وجدير بالتذكر ايضا ان شرويدر على الرغم من المعارضة الشديدة، تمسك بموقفه، وقام بالمخاطرة وحول فكرة ارسال الجنود الى افغانستان الى ما يشبه اقتراع ثقة واستطاع ان يفوز بالجولة. ولكن انظر ما حدث: لم تدخل أية قوة ألمانية أفغانستان ريثما أقيمت حكومة جديدة في كابول، غير انه في هذا العام حدث وان تزامن الشعور العسكري المشترك لدى الألمان مع الزام القانون الدولي. فبوش لم يكلف نفسه عناء استشارة حلفائه بشأن خطط مهاجمة العراق ـ فهو ببساطة أعلن تلك الخطط ـ وعندما اعترض حلفاؤه، أوضح انه لا يعنيه البتة ما يدور بخلد حلفائه، فالحلفاء مخطئون. وبالطبع يقول بوش الآن الشيء عينه بشأن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الاميركي. وقد أدلى شرويدر بالفعل بتصريحات غبية مثل تلك التي قال فيها انه لم ينضم لأي مهمة تحت قيادة الأمم المتحدة ضد الرئيس العراقي بصرف النظر عما تقرره بقية دول اوروبا. ولكن إذا كان بعض ما قاله كان يدخل في نطاق سياسة خاصة بحملته الانتخابية، فإن الكثير من تصريحاته كان يدخل في نطاق السياسة الواقعية. فمعظم الألمان تفزعهم امكانية اندلاع حرب اثبات وجود يمكن ان تؤدي الى اندلاع ثورات اسلامية من باكستان إلى أندونيسيا. فالأمر لم يستغرق أكثر من مجرد التفكير في اندلاع مثل تلك الحرب كما يتم اقناع هؤلاء الألمان ليختاروا مستشاراً معتدلاً ناجحاً يألفونه، ناهيك عن اختيار وزير خارجية يعد الآن أشهر ساسة البلاد، فلا عليك إذن إذا كانت نسبة البطالة تصل الى 15% والنقابات تسيطر عليها روح التمرد والبلاد ذاهبة في حالة من الافلاس بسبب ذلك النظام الخاص بفوائد الرفاهية الاجتماعية الذي يمكن ان يتسبب في هجرة العمال الأميركيين.الساسة لا يدخلون السياسة لكي يدمروا أنفسهم، وإذا كان شرويدر اتبع أسلوباً يفتقر الى الدبلوماسية فيما يتعلق بقرار بوش، فإن بوش نفسه لم يخف آماله في ان يتم تعيين حكومة محافظة تحظى بالموافقة في ألمانيا. وعندما تمت اعادة انتخاب شرويدر، أعلن بوش انه لن يقدم على تقديم التهنئة المعتادة على هذا الفوز.وسمح لكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي باتهام الألمان بتسميم التحالف ضد الارهاب، وسمح لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد بأن يقرع نظيره الألماني في اجتماع عقد مؤخراً لوزراء دفاع الناتو. ومن المفيد في هذا الصدد تذكر انه في خضم لعبة العصي والاحجار، فإن بوش هو الذي يلوح بالعصا وشرويدر هو الذي يقذف الكلمات، وإذا كان شرويدر قد أخطأ في حساباته، فإن الأمر لن يقتصر على أي كلمات يستخدمها أو أي عدد من تلك الكلمات سيزيد من أغلبيته في البرلمان، لكن الأمر سيتعلق بكيف سيكون رد الرئيس الاميركي ومدى تأثير هذا الرد على ألمانيا. إن قدر السخرية في هذه الحرب الكلامية التي سيتم نسيانها قريباً، ربما سيتمثل في ان اكبر الاخطاء التي ارتكبها شرويدر ستكون مرتبطة بشعبه، فالقائد الذي يعرض ويمهد الطريق لفكرة ان الألمان «مختلفون» يمكن ان ينتهي به الأمر وهو مضطر لأن يتعامل مع عدد كبير من الألمان الذين يصدقون هذه المقولة. ترجمة: حاتم حسين عن «نيويوركر»

Email