إسرائيل تريد الأرض فقط، الاجراءات الأمنية تستهدف توسيع الأراضي الفلسطينية المهضومة

الاثنين 1 شعبان 1423 هـ الموافق 7 أكتوبر 2002 الشعور بالاندحار والمهانة الذي رافق في اسرائيل رفع الحصار عن المقاطعة كان مبالغا به، مثل الاحساس بالنصر الفلسطيني. قبل كل شيء هذه نظرة رمزية للنزاع تنسي الحقيقة بأنه في المعركة الاساسية تحقق اسرائيل النصر تلو الاخر. الصراع بين الشعبين هو صراع على الارض ـ وليس على شخصية ياسر عرفات او ارييل شارون. وفي المعركة على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة الغلبة لاسرائيل. هذه المعركة تجري اليوم في ثلاث جبهات اساسية. في اطار اقامة جدار الفصل الامني (ورسم مساره حسب طلبات المستوطنات، ستخسر الضفة الغربية، اقتصادها وسكانها الفلسطينيون عشرات آلاف الدونمات من الاراضي الزراعية الخصبة واحتياطي الارض للتطوير. والارض التي يحتلها المسار نفسه والتي ستمس مباشرة، هي مئات الدونمات «فقط». ولكن ثمة آلاف الدونمات الغالية على اصحابها والاقتصاد الفلسطيني ستقع في منطقة الفصل، التي يحظر او يقيد الدخول اليها. ثمة على الاقل 11 قرية بسكانها وبيوتها وأراضيها ستقع بين الخط الاخضر وجدار الفصل، بسبب وجودهم في منطقة الفصل الامني فانهم سيحيون تحت نظام عسكري خاص وقيود حركة، تمس بقدرتهم على استغلال الارض التي تبقى بيدهم. ثمة حوالي 20 قرية اخرى على الاقل ستجد ان الجزء الاكبر من اراضيها يقع غربي الجدار وفقط المنطقة المبنية تقع في الشرق. ليس من الصعب تخمين ماذا سيحدث، استنادا الى تجربة جدران الفصل التي اقيمت حول المستوطنات وسيبحث بذلك مناطق زراعية «لم تضم» رسميا: اصحاب الارض لا يستطيعون الوصول اليها للعمل، مرة مفتاح الباب الحديدي غير موجود لدى وحدة الجيش المسئول عن المكان، ومرة الكلاب اخافت الداخلين، ومرة ضابط الامن للمستوطنين هدد، ومرة اعلن منع التجول. اضافة الى فقدان القدرة على الزراعة فان الفلسطينيين الذين يعيشون في ظل جدار الفصل سيعانون من شدة القيود على الحركة وتسويق المنتجات المفروضة منذ عامين على الضفة والقطاع. وهذه هي الجبهة الثانية في المعركة على السيطرة على الارض وهي تمس برزق ومستقبل نحو 60 في المائة من الفلسطينيين الذين يعيشون في القرى. بسبب الاغلاق الداخلي والخطير فان ايجاد بقدونس وجوافه من اسرائيل اسهل من تلك التي تزرع في القرى المجاورة. حيث ان السيارة من تنوفا، ذات لوحة الترخيص الاسرائيلية وسائق عربي اسرائيلي تستطيع ان تتحرك في شوارع الضفة الغربية المريحة والمغلقة امام الفلسطينيين. ان صعوبات التسويق حولت العمل الزراعي في العامين الاخيرين الى غير مجد، تقريبا الى «دون كيشوطي». المكسب للاقتصاد الاسرائيلي هو قليل ولكن الخسارة للاقتصاد الفلسطيني والزراعي خصوصا ـ كبير. وهكذا فان السيطرة الفلسطينية العملية على الارض تضعف جدا. هل الفقر الشخصي والجماعي يجدد ويزيد من ظاهرة بيع الاراضي الخاصة لليهود. الجبهة الثالثة هي البيروقراطية: ما بقي من اتفاقيات اوسلو هو موافقة الفلسطينيين لاسرائيل بتقييد البناء الفلسطيني في 60 في المائة من مناطق الضفة الغربية ـ مناطق ج (الخاضعة لسيطرة الادارة الاسرائيلية). كل بناء وتطوير فيه يحتاج الى تصريح اسرائيلي، حتى حين يدور الحديث عن ارض خاصة (الارض غير الخاصة، المسماة اراضي دولة، خصصت بطبيعة الحال لرفاهية اليهود المستوطنين وليس لرفاهية الاغلبية الفلسطينية). مثلا، قبل نحو اسبوعين هدم الجيش والادارة المدنية 34 وحدة سكنية في حي سكني اقامه اتحاد العمال الفلسطينيين في قرية مجاورة لرام الله: جزء من ارض الحي، هكذا اتضح، يقع في منطقة ب (مسئولية ادارية فلسطينية) والجزء الاخر في منطقة ج. قبل سنة صدر أمر بوقف العمل ولكن الهدم، حسب الفلسطينيين، جرى بدون تحذير مسبق وبدون ان يتمكنوا من اتخاذ الاجراءات القانونية. ان صرامة السلطات الاسرائيلية بمنع «مخالفات» فلسطينية جديرة بالاشارة خاصة على ضوء عجزها في مواجهة ظاهرة النقاط الاستيطانية وخاصة على ضوء البناء «القانوني» المستمر في المستوطنات وبينها. اكثر من أي وقت مضى، المبررات الامنية تبدو مقنعة في اسرائيل. ولكن الوسائل الامنية لا يتم اختيارها وفقا للمفهوم المؤيد لاقامة دولة فلسطينية في حدود 4 يونيو 1967، او وفقا للقواعد التي ارساها المجتمع الدولي (مثل منع توطين سكان دولة محتلة في الارض المحتلة او القلق على رفاهية السكان الواقعين تحت الاحتلال). الوسائل الامنية ـ حتى تلك التي اختيرت في سنوات اوسلو ـ تضيف حقائق ثابتة للمفاوضات السياسية وتخدم الصراع المتواصل على توسيع المنطقة الفلسطينية التي ستحتفظ بها اسرائيل. عن «هآرتس»