الرأي العام فقد حماسه، الحرب الشيشانية تستنزف موارد روسيا ومصداقيتها السياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 29 رجب 1423 هـ الموافق 6 أكتوبر 2002 في أغسطس من عام 1996، اظهرت هجمات المتمردين على غروزني والمدن الأخرى حماقة المزاعم الروسية بالسيطرة على الشيشان، مما قاد الى التوقيع على اتفاقيات «خسفيورت» ووضع حد لحرب الشيشان الاولى، وبعد ثلاثة أعوام، تسببت عمليات التوغل داخل جمهورية داغستان والتفجيرات التي وقعت في موسكو باندلاع حرب جديدة. وبعد مرور ثلاثة اعوام اخرى ووقوع آلاف الضحايا، يزعم الروس بأنهم انتصروا، ولكن لاسلام هناك ولا أمل بالسلام في هذه الجمهورية. وفي الواقع ان المحاولات اليائسة للقوات الروسية في السيطرة على الوضع تهدد بتوسيع نطاق الصراع بصورة كبيرة في منطقة القوقاز. وبعد العار الذي لحق به من جراء الهزائم التي مني بها في الحرب الأولى، نجح جيش روسيا الاتحادية بنشر وحدات أفضل تسليحاً وتدريباً استطاعت مدعومة بقوة جوية وبرية كاسحة من أن تحقق التفوّق على القوات الشيشانية الميدانية. الا انه وعلى نحو متوقع، فان «الانتصارات» على شاكله اعادة احتلال غروزني لم تمنع القوات المتمردة من الانتقال الى حرب العصيان التي تركت القوات التابعة لوزارة الدفاع الروسية ووزارة الشئون الداخلية وجهاز الامن الفيدرالي في حالة من التخبّط. وحسب الاعتراف الرسمي، فان اجمالي الخسائر البشرية الروسية من اغسطس 1999 الى اغسطس 2002 قد بلغ 4.302 قتيل و12.417 جريح من بينهم 2486 قتيل و6.192 جريح ينتمون الى وحدات وزارة الدفاع. وهذا الرقم ارتفع بحدود 150 قتيل في أواخر اغسطس وبداية سبتمبر. ويمكن مقارنة هذه الارقام مع الرقم الرسمي للخسائر البشرية السوفييتية من جميع الوزارات في الحرب الافغانية من عام 1979 الى عام 1989 والبالغ 14.453 رجلاً، وحيث أن القوات السوفييتية في افغانستان كانت أكبر بعض الشيء من القوات الروسية في الشيشان، فانه يبدو أن معدل الخسائر يعتبر أعلى من حيث النسبة والتناسب في الحرب الراهنة. وبالاضافة الى ذلك، فان الارقام الروسية تشير الى مقتل قرابة 2000 جندي من القوات الفيدرالية منذ ديسمبر 2001 عندما كان عدد القتلى مقدراً بـ 2.355. وإذا كانت هذه الأرقام صحيحة، فانه يبدو ان معدل الخسائر البشرية في هذه المرحلة من الحرب المضادة للعصيان اعلى من معدلها خلال العمليات العسكرية واسعة النطاق في بداية الحرب. ويبدو أن الميليشيات المحلية ووحدات الشرطة قد تكبدت الجزء الأكبر من الخسائر الحالية، فالخسائر البشرية في اوساط قوات وزارة الدفاع ظلت ثابتة نسبياً بمعدل 30 قتيلاً في الشهر. غير أنه من المستحيل ان يكون بالامكان تفسير الزيادة في ارقام الخسائر ولو جزئياً باعتبارها ناجمة عن تعديل في أرقام اصلية مضللة. وفي السادس والعشرين من اغسطس 2002، زعم مقر التجمع المشترك للقوات الروسية انه قد تم قتل 13.833 متمرداً منذ اغسطس عام 1999. والحقيقة انه لا يمكن التحقق من هذا الرقم الدقيق بشكل يثير الشكك، ولكن اذا اخذنا بعين الاعتبار الضحايا المدنيين كذلك، فإن من المحتمل أن يكون ما يزيد على 20 الف مدني شيشاني قد فقدوا حياتهم في الحرب الجارية. حرب العصابات ومنذ أكثر من عام من الآن، قالت مصادر عسكرية روسية انها تواجه حوالي 1500 عنصر فاعل من مقاتلي حرب العصابات، وبالتالي فانه ومع ان الروس يزعمون بانهم يقتلون ما يقارب 300 عنصر في الشهر ويعتقلون ربما ضعف ذلك، إلا أنه لا يبدو انهم يوقعون خسائر لا تحتمل في جانب المتمردين. وبالتالي، فإنه من غير المفاجيء ان يقوم الروس، مؤخرا، بمراجعة خططهم الرامية الى تخفيض قواتهم مع نهاية هذا العام. ويوجد حاليا حوالي 80 ألف جندي روسي في الشيشان ونصفهم تقريبا من الوحدات التابعة لوزارة الدفاع. وهناك حوالي 10 آلاف رجل يعملون في فرق عسكرية داخل القرى في جميع انحاء البلاد. وهناك 14 ألف رجل على الارجح في فرقة الرماة الآلية الثانية والاربعين التي ترمي الى توفير حامية دائمة في الشيشان. اما القوات المحمولة جوا، فلديها ما يصل الى 3 آلاف رجل في مسرح العمليات. وتتألف التشكيلات المحمولة جوا من فوجين من قوات المهمات وكتيبة من هذه القوات ووحدة استطلاع آلية وتنتشر هذه الوحدات في الشيشان في مهمات تستمر ستة أشهر وتتمركز في الاجزاء الجبلية الجنوبية والجنوبية الشرقية من الشيشان على طول الحدود الدولية مع جورجيا والحدود الداخلية مع داغستان. يبدو ان تعاقب وحدات القوات البرية الى الشيشان قد انتهى في وقت سابق من هذا العام عندما عاد اللواءان الأخيران الى منطقة موسكو العسكرية. غير انه اعلن، مؤخرا، ان لواء الرماة الآلي رقم 503 التابع لفرقة الرماة الآلية التاسعة عشر (وهي جزد من الفيلق الثامن والخمسين لمنطقة شمال القوقاز العسكرية) ـ اعلن انه سيتم نقله من موقعه الحالي خارج مدينة فلاديكافكاز الى «اوردزونيكيفسكايا» في انغوشيا. وينحصر دورها في الحيلولة دون استخدام المقاتلون الشيشان لقواعد في انفوشيا وفي مساندة قوات حرس الحدود على الجبهة الجورجية. وتأمل وزارة الدفاع بأن يكون بالامكان تخفيض القوات في الشيشان الى 22 ألف جندي، ولكن التخفيض في القوات الداخلية وأفراد جهاز الأمن الفيدرالي لن يكون بهذه الحدة على الأرجح.ومن المحتمل ان تكون المحاولات الرامية الى تخفيض حجم القوات المنتشرة في الشيشان لا تقوم على تقييم ايجابي للوضع التكتيكي وانما على الصعوبات المتنامية في تزويد الوحدات الموجودة هناك بالرجال. فعندما تمت اعادة تفعيل الفرقة الآلية الثانية والأربعين ونشرت في الشيشان، كانت النية هي ان يتم تزويدها بشكل تام «بجنود متعاقد معهم» وأن تصبح نموذجا لجيش محترف جديد لروسيا الاتحادية. وعلى الفور، كان واضحا ان العديد من مجندي تلك الفرقة ينجذبون اليها بشكل أساسي بفعل «العلاوات الحربية» الكبيرة التي تدفع للخدمة في الشيشان. ومع ذلك فإن عددا كبيرا من الجنود لم يستطيعوا ان يتعاملوا مع ضراوة الحملة وقاموا اما بفسخ عقودهم او جرى فصلهم. توفير الرجال وفي العام الماضي، تم تقييد العلاوة الحربية، وضياع هذا الاغراء المالي زاد من مشكلة توفير الرجال. وبات من الضروري تعويض الأرقام المتناقصة بالمجندين الزاميا الذين تطوعوا لجولة من الخدمة في الشيشان. ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة الجنود العاملين بموجب تعاقد من 45% الى 20% خلال عام 2001. وكانت مشكلات اخرى مماثلة تبرز لدى تجنيد رجال لفرق الحاميات القروية ووحدات القوات الداخلية. وكانت هناك سلسلة من التقارير المتواصلة حول عدم الكفاية والفساد والابتزاز في دفع رواتب الجنود العاملين في الشيشان. فغالبا ما يتم تأخير الرواتب او لا يتم دفع العلاوات المختلفة بشكل كامل. ويبدو ان من الشائع بالنسبة لضباط الرتب المتوسطة ان ينتزعوا الرشاوى من اجل ترتيب دفع الرواتب بالاضافة الى وجود تقارير تتحدث عن انتشار العصابات التي غالبا ما تكون مؤلفة من شيشانيين يعيشون في روسيا يسلبون رواتب الجنود العائدين الى الوطن. والقصص من هذا القبيل لا تشجع أفضل الجنود على التطوع للخدمة في الشيشان. ان تجنيد الضباط والابقاء عليهم في الخدمة يعتبر على درجة مماثلة من الصعوبة. ويبدو ان الفرقة الآلية الثانية والأربعين لا تقدر إلا على استبدال ما يتراوح بين ربع وثلث الضباط الصغار الذين يتركون الجيش مع انتهاء خدمتهم في الشيشان. اما أولئك الضباط، الذين يبقون فغالبا ما تتم ترقيتهم الى رتبة تفوق المستوى الذي تبرره خبرتهم وكفاءتهم. ويعتبر المجندون ذوو الكفاءة المتدنية والنقص الحاد في الجنود الاكفاء وقادة الوحدات وصفة لحدوث كارثة في أي عملية عسكرية وبخاصة في حملة مضادة للتمرد. وقد اعترف الجنرال اناتولي كفاشنين، رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي، بهذه الحقيقة في يناير عام 2002 عندما قال ان 80% من الخسائر الروسية كانت «خسائر غيرقتالية نجمت اما عن اهمال او غباء» وألقى باللائمة في ذلك على انعدام الاحتراف لدى الضباط. وتفسر الكفاءة المتدنية للضباط والجنود الدفق المتواصل من الشكاوى حول سلوك القوات الروسية في الشيشان. ولقد لفتت منظمات دولية مثل «منظمة مراقبة حقوق الانسان» واتحاد هيلسنكي ونظيرتيهما الروسيتين، ومن ضمنها ممثل الرئيس بوتين حول حقوق الانسان في الشيشان عبدالحكيم سوليتغوف ـ لفتوا الانتباه الى الانتهاكات التي تحدث في خضم «العمليات الكاسحة» الروسية في الشيشان. وهذه الانتهاكات تشمل عمليات فرض الحصار والتفتيش في القرى او احياء من المدن. وبالاضافة الى الاضرار بالممتلكات وعمليات النهب التي تحدث عادة، فإن «المتهمين» اي كل شاب تقريبا، يتم اعتقالهم وأخذهم الى «مراكز التصفية» وهناك يتعرضون للضرب عادة ويتم اخضاعهم لاستجواب قاس يرقى الى مستوى التعذيب. ويتم العثور على جثث العديدين منهم في وقت لاحق او لا يشاهدون بعد ذلك ابدا. لقد كان الدليل على الانتهاكات صارخا بدرجة كبيرة لدرجة ان الجنرال فلاديمير مولتنسكوي، قائد القوات الاتحادية، اصدر امرا يحمل الرقم 80 في مارس من عام 2002. وكانت هذه الخطوة تهدف الى ضبط الطريقة التي يتم بها تنفيذ «العمليات الكاسحة». ومن جانبهم، أدان العديد من الضباط بشدة هذه القيود ويبدو انه قد جرى تجاهلها على الفور. ومما لا شك فيه ان العمليات الكاسحة التي تمت في قرية خان قلعة بالقرب من غروزني، والتي وقعت بعد بضعة اسابيع، توحي بأن الجنود كان كل ما لديهم هو الحفاظ على مظهر اطاعة القواعد الجديدة. عملية حصار وبعد يوم واحد على مقتل ثلاثة من رجال الشرطة في العاشر من ابريل الماضي، جرت عملية حصار وتفتيش. وأسفرت العملية عن احتجاز خمسة عشر رجلا واخضاعهم للضرب قبل ان يتم اطلاق سراحهم لاحقا. وبعد ان زار الجنرال مولتنسكوي القرية، مارس القادة المحليون ضغوطا على رئيس الادارة المحلية لكي يوقع على وثيقة يقر فيها بأن عملية التمشيط قد تمت بشكل يتوافق مع الأمر العسكري رقم 80. وفي اليوم التالي عاد الجنود الى القرية وقتلوا اثنين من المحتجزين الذين اطلق صراحهم بينما قام الاقارب باخفاء الباقين. وفي يوليو الماضي، اتهم اتحاد هيلسنكي الدولي الجيش الروسي بتنفيذ «عملية متعمدة لخفض عدد السكان الذكور في الشيشان»، وقال الاتحاد ان ما بين 50 و80 جثة، وفي غالبيتهم من الشبان الذكور، يتم اكتشافها كل شهر بعد تنفيذ «العمليات الخاصة» الروسية وتقدر مصادر اخرى عدد الاشخاص الذين اختفوا دون ان يخلفوا أثرا وراءهم بأكثر من 2000. وفي ذلك الشهر نفسه، اعلنت منظمات حقوق الانسان الروسية عن انسحابها من سلسلة من اللقاءات مع هيئات اتحادية بسبب احباطها من انعدام التحرك الحقيقي بشأن الادلة الخاصة بارتكاب انتهاكات لحقوق الانسان في الشيشان والتي تقدمها في تلك الاجتماعات. فالجنود يتم اعتقالهم احياناً ولكن يتم اطلاق سراحهم بعد ذلك دائماً بذريعة «عدم توفر الأدلة». وخلال ثلاثة أعوام من الحرب تقريباً لم تتم ادانة أحد سوى 34 جندياً أدينوا بارتكاب جرائم، 12 جندياً أدينوا بجرائم قتل و16 جندياً بجرائم سلب وثمانية جنود بارتكاب مخالفات سير، ولاتزال هناك 18 حالة قيد التحقيق. وطالما ان الدعم الروسي مطلوب «الحرب ضد الارهاب» فإن الحكومات الغربية لن تتطرق الى هذه القضايا وينبغي ان تعد القوات المسلحة الروسية نفسها محظوظة لأن «عملياتها» لم تحظ بالقدر نفسه من اهتمام وسائل الإعلام كما حظيت عمليات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة. وإذا ما نحينا القضايا الأخلاقية جانباً، فإن الانتهاكات الخاصة بالحملة الروسية في الشيشان تخبرنا الكثير عن حالة الجيش الروسي اليوم. فمن حيث الجوهر، لايزال الجيش الروسي كالجيش السوفييتي ولا يدرك العلاقة الطبيعية بين الجيش والمجتمع الديمقراطي. والمحاولات الرامية الى ضبط السلوك العسكري مثل الأمر العسكري رقم 80، يتم رفضها بناء على أسس تكتيكية لأنه يقال ان الجنود باتباعهم للضوابط قد يعرضون أنفسهم لخطر كبير. وإذا كان لدى الجيش الروسي «قواعد للاشتباك» بالنسبة للحرب الشيشانية، فإنها لم تنشر، ناهيك عن انها لم تدمج في التدريب اليومي للجنود. كما ان الجيش الروسي لا يملك أية مباديء تحكم عمليات مواجهة التمرد، ولهذا فإن الاسئلة المتعلقة بالكيفية والسبب الذي يدعو الى اخضاع القوات المسلحة لمجموعة من القوانين المدنية والقيود في مثل هذه العمليات لم تناقش أبداً. وبالتالي فإن أولئك الاشخاص الذين يستطيعون ان يروا ان السلوك غير المنضبط للجنود الروس هو أمر مدمّر ذاتياً هم قلائل من حيث العدد وعادة ما يتم تجاهلهم. غير ان المقاتلين الشيشان يواصلون تجنيد الشبان الذين لا يشعرون بالأمان من العمليات العسكرية الروسية في قراهم، ويفضّل اللاجئون الذين يتراوح عددهم ما بين 140 الى 170 ألفاً البقاء في خيم في أنغوشيا على المخاطرة بتعريض أنفسهم لعمليات التمشيط التي تقوم بها القوات الروسية في بلداتهم. وعلى الرغم من ان الادارة الموالية لموسكو في الشيشان قد انتقدت الجيش الروسي، إلا ان سلوك هذا الجيش يدمر شرعيتها في أعين الشيشان العاديين. لقد حاول الجنرال مولتنسكوي، وإن كان بلا طائل، ان يضبط سلوك الجيش وحتى انه قام بفصل القادة الذين يقوم جنودهم بابتزاز الرشاوى من السكان المحليين قبل ان يسمحوا لهم بالمرور عبر نقاط التفتيش. وهذا التصرف لم يجعله صاحب شعبية لدى من هم تحت إمرته، ويقال انه قد أثار حفيظة الجنرال غينادي تروشيف قائد منطقة شمال القوقاز العسكرية والقائد البارز في عمليات سابقة، وبدا ذلك واضحاً في عبارة قالها تروشيف معلقاً: «لقد خلّف الأبطال وساخة هنا وعلينا ان ننظفها». وبينما كان الجنرال مولتنسكي في اجازة هذا الصيف، تولى الليفتنانت جنرال فلاديمير مكاروف بالانابة منصب القائد وتبنى نبرة أقسى متحدثاً عن الحاجة الى مواءمة الأمر العسكري رقم 80 مع الظروف الراهنة. وبناء عليه، قام بارسال تعزيزات عسكرية الى منطقة ايتوم كالي الحدودية للقضاء على المتمردين الذين قيل انهم يحاولون عبور الحدود من جورجيا، وأفادت تقارير بأنه يؤيد تحركاً روسياً في جورجيا ضد المقاتلين الشيشان الذين يدّعي الروس انهم يقيمون في قواعد بمنطقة بانكيسي الجورجية. وفي غضون ذلك، تواصل الحرب نمطها من المراوحة في المكان، فحرب الألغام تستمر بلا هوادة مع عثور الجنود الروس على ما بين سبعة الى عشرة ألغام أو عبوات متفجرة على طول الطرق الشيشانية كل يوم. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها الروس، إلا انه يحدث كل يومين أو ثلاثة أيام انفجار يودي بالمزيد من الضحايا العسكريين والمدنيين. وبين الفينة والأخرى تكون الخسائر في الأرواح أعلى بكثير، كما حدث في كاسبيسك في مايو من هذا العام عندما قتل 20 شخصاً وجرح 49 لدى انفجار قنبلة خلال استعراض عسكري بمناسبة يوم النصر على النازية. ويبدو ان عمليات المحاصرة والبحث التي يتم اطلاقها رداً على مثل هذه الأحداث لا تأتي بطائل يذكر من حيث المعلومات الاستخبارية الحقيقية. وغالباً ما تزعم القوات الخاصة الروسية بأنها نجحت في تصفية قادة المتمردين ولكن هيكلية القيادة الخاصة بالمتمردين تبقى سليمة. فقد كانت التقارير التي تحدثت عن مقتل القائد شامل باسييف في ابريل الماضي والتي رددها الجنرال كفاشنين محرجة عندما ظهر باسييف على شاشات التلفزيون بعد ذلك بثلاثة أشهر. قوة فاعلة كما ان المحاولات الروسية لتحويل الشرطة والميليشيات المحلية الى قوة فاعلة لم تكلل بالنجاح، هذا إذا ما حكمنا عليها من خلال تعليقات الجيش الروسي نفسه. ويزعم الروس ان المقاتلين الشيشان يستخدمون في الغالب وثائق هوية خاصة بالشرطة في التنقل في أرجاء البلاد، وان الاسلحة والذخائر تختفي من مستودعات القوات المحلية لتظهر بأيدي المتمردين. وفي الوقت نفسه، لم يعد بمقدور المتمردين ان يشنوا عمليات كبيرة. وقد كان هناك عدد من التقارير في الأشهر الثلاثة الماضية تفيد بأنهم يخططون لتكرار الضربات الكبيرة لأغسطس من قبل عام 1996، ولكن ما حدث في تلك الفترة كان لا يعدو كونه حوادث بسيطة. ومع ذلك، فإن نيقولاي باتروشيف رئيس جهاز الأمن الفيدرالي قد أظهر اقتناعاً طفيفاً عندما زعم في مارس الماضي ان «العملية المضادة للارهاب» يجري تنفيذها بنجاح كبير وستنتهي في غضون عام واحد. وإذا لم يحدث ذلك فإن الضغط على القوات الروسية سيصبح أكثر وضوحاً. وبالاضافة الى المشكلات الانسانية والخسائر التي تم توضيحها بشكل مختصر، فإن الموارد المالية الروسية يجري استنفادها، ولأن شراء الذخيرة قد جرى تقييده بشدة بفعل المشكلات المالية للقوات المسلحة، فإن بعض أنظمة المدفعية الحديثة لم يعد بالامكان استخدامها، كما ان الاسلحة القديمة التي لها مخزونات من الذخيرة تعود الى الحقبة السوفييتية يتم دفعها الى الخدمة حالياً. وتعتبر الطائرات المروحية حاسمة بالنسبة للعمليات الروسية، وتفيد التقارير بأن ما يزيد على نصف المروحيات الصالحة للعمل في المخزون الروسي تشارك في العمليات في الشيشان. ومع ذلك، فإنه وبعد سلسلة الحوادث التي وقعت في الشتاء الماضي، قام المفتشون على ما يبدو بتصنيفها الى فئتين هما: «معدات ليست في حالة تسمح لها بالعمل» و«معدات ينبغي عدم استخدامها في أي ظرف». وفي ظل هذه الظروف المزرية، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة في روسيا الى ان الروس العاديين لم يعد لديهم تأييد للحرب بالصورة الحماسية التي كان عليها عندما اندلعت في البداية. وقبل ثلاثة أعوام، كان هناك تأكيد شامل للعمل العسكري في الشيشان. وفي نهاية يوليو من هذا العام، وجد استطلاع للرأي ان 61% يفضلون البدء بمفاوضات سلام، في مقابل 29% فقط يريدون ان تستمر العمليات العسكرية. ولاشك ان الحرب الشيشانية الأولى كانت عاملاً رئيسياً في الانتخابات الرئاسية لعام 1996، ومن المقرر اجراء انتخابات برلمانية في ديسمبر 2003، على ان تليها انتخابات رئاسية جديدة في مارس 2004. وإذا استمر المأزق الراهن في الشيشان لعام آخر، فإن من شبه المؤكد ان الحرب ستكون القضية السياسية المهيمنة الى جانب المسألة المتعلقة بالاصلاح العسكري بوجه عام. إن الشعور الشعبي حيال المسألتين يتعارض بشكل مباشر مع رغبات الأجهزة الأمنية التي لعبت دوراً حاسماً في صعود بوتين الى السلطة. فهل يستطيع الرجل الذي وعد في عام 1999 بتعقب المقاتلين الشيشان والقضاء عليهم ان يحتفظ بمصداقيته سواء مع القادة الأمنيين أو الناخبين الروس إذا استمر النصر العسكري في الانزلاق من بين أصابع قواته في الشيشان؟ ترجمة: ضرار عمير عن «جينز دفنس ويكلي»

Email