الجسور العشرة والمدرج الروماني شواهد على جمال عمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قالت الضيفة للمضيف ان اجمل ما في عمان مشهد البيوت ليلاً، انظر إليها، وأشارت بيدها نحو السماء، ابتسم وقال: لقد بنيت عمان على سبعة جبال وان أهل عمان لا يعرفون السهل إلا لمسافة قليلة جداً، وأضافت: إذا أردت رؤية السهول اذهبي إلى مأدبا. اعترضت السائحة الضيفة على كلامه وقالت: لا لا في بلادنا تكثر السهول انظر إلى البيوت المضيئة ليلاً وهي تتربع على قمم الجبال وكأنها نجوم. في الحقيقة لم يكن المضيف يعتبر هذا المشهد استثنائياً، انه يطل أمام نافذته كل ليلة انه مكرور وليس استثنائياً.. بل انه تمنى لو كان يعيش في مدينة سهلية، قال: الحياة ستكون أسهل في مدينة بنيت فوق ملعب كرة قدم. ولكن هذا لا يعني ان كل ما في عمان تحول إلى أمر عادي فالشامخات لا يوافقن على تحولهن إلى أمور عادية ودوماً يفجرن فيك الدهشة مكان هنا وآخر هناك، المدرج الروماني، الجسور العشرة، قلب عمان، انشغال الناس في وسط البلد، الكرسي العنيد الذي يضع صاحبه أمام محله كل هذه شواهد لحبك الأول. أما قصة المدرج ففيه الحجر تنطق فرحاً حيناً وحزناً حينا تتشكل بحسب روحك لأنها دائمة التعاطف معك، يحس معك، يشعر معك، تخشى ان تراه طفلاً، أو كهلاً ولكنه بالتأكيد ليس شاباً أيضاً، هو ليس عمرا ما، انه ببساطة المدرج الروماني، بكل ما فيه من بساطة مكتسبة من البسطاء الذين يحيطون فيه سواء كانوا سكاناً أو سياحاً داخليين أو عشاقاً. لا ينكر أهل عمان ان مدرجهم أصابه التجاعيد، سلم هنا ودرج هناك، إلا ان هذا بالضبط ما يحبونه في مدرجهم. ويعرف سكان الجوفة والقلعة والتاج الكثير عن المدرج الذي تحول بعد عناية أمانة عمان به إلى محج وادع، أو بيت للعائلة الكبيرة أيام الصيف، حيث يتجمع الكبار والصغار فيه وحوله حتى يشعروه بأنه ليس وحيداً كما أشعرهم هو في وقت من الاوقات بأنهم ليسوا وحيدين. المدرج عصراً حتى ساعة متأخرة من الليل كائن حي يشهد بذلك جميع رواده، فتلك السائحة الجميلة، منشغلة بتصوير كل حجر فيه وهذا الذي يجلس قريباً من طفله يتابعه كي لا يبتعد كثيراً، وعاشقان يبدو انهما مخطوبان أو هكذا حسن النية تخطر إليك لأنهما يجلسان براحة هناك في الزاوية البعيدة من المكان، وعائلة كبيرة جداً تلتف في حلقة دائرية تتسامر، ورهط من الرجال يلملمون تعب النهار ليخفوه تحت حجر ما.. وعجوز ترقب كل ذلك بصمت. ويطوف بين الجمهور مصور يعرض عليك خدماته.. الصورة بدينار، هل تريد ان تسجل هذه اللحظة بدينار؟ أحياناً تدفع الدينار فتضيء غمزة الكاميرا لحظة ثم تختفي، ولكنك ستتعب حتى تحصل على المشهد في الصورة، يقول لك المصور ان محله هناك، وعليك انتظار تحميض الصورة، تبتسم له تسائله متى أجيء حتى أحصل عليها يقول لك بعد ساعة، انت وحظك، من المحتمل ألا تحصل على شيء. في المدرج قصص عديدة تحب ان تسمعها للمرة الألف هناك، انك تقتل الوقت هناك أيضاً أو يقتلك، لا فرق المهم انك هناك. أيام المهرجانات يرتفع صوت الجماهير الراقصة ترقص معها الدرجات أيضاً، لا ينسى الصدى ان يحضر تهز الحجارة رأسها طرباً، تتمايل الاعمدة على وقع خصر سائحة لا تجيد الرقص العربي، خصر غريب وجميل، سيكون للسراديب رأي آخر، وزخرفة التيجان، والبوابات.. ولكن احذر فالسائحة ما زالت بعفويتها ترمي المكان بالصور. المدرج الروماني مسرحاً وأعمدة وتيجاناً كورنثية، وعتبات غنية بالنقوش والزخارف بينما الأعمدة على مد البصر قطعاناً من الدلالات على معالم مدينة «فيلادلفيا» بكل تجلياتها وتداخلات البشر فيها. الجسور العشرة العثمانيون مثلاً، الذين تركوا الكثير من آثارهم وغادروا البلاد شمالا، وهناك غير شاهد واحد عليهم القناطر العشرة أو ما يطلق عليها المواطنون العمانيون الجسور العشرة التي تم استغلالها بصورة أكثر حضارية لتناسب عمان الآن فاخترقها شارعان من تحتها. تقع الجسور العشرة في وادي لا تقل دلالته التاريخية عن كل شواهد عمان انه وادي الرمم في العاصمة عمان الشرقية، حيث لا يبعد كثيراً عن وسط البلد، للوادي قصص كثيرة يعيش فيه الآن شريحتان من المواطنين، الأولى تعبر عن مواطنين استطاعوا النجاة من الفقر فأقاموا لهم بيوتاً تعبر عن يسرهم ولكن في الضفة الأخرى من الوادي «أم نوارة أو المنارة أو القويسمة» أما الفقراء والفقراء جداً فإنهم يعيشون في الضفة المقابلة حي التاجي المحاذي للوادي وأطراف مخيم الوحدات، وكما جرت عليه العادة فإن من يمتلك بعضاً من المال أو من يضيق عليه بيته الصغير فإن خياره التالي سيكون فوراً في توفير كمية من المال ـ إن وجد ـ ليعيش في أم نوارة أو المنارة. الجسور العشرة مرة أخرى والتي أنشأها العثمانيون منذ عشرات السنين من الصخر متحدية الطبيعة بصبر يدل على روح التحدي، فقد جسدت ارادة الاولين، هذا المنظر الاخاذ الفائق الروعة الذي يعكس اصراراً على اجتياز العقبات وتجييرها لصالح خدمة الانسان ليتجلى الخط الحديدي الحجازي بأجمل صورة في تلك المنطقة التي لم يعص المكان فيها على مهندسي البناء وعمال السواعد القوية فكان صلة الوصل التي أدت عملين في آن معاً وظيفي مهم وجمالي عالي المستوى نتج عن الحرفية المتقنة والتي جعلته تحفة هندسية أضافت لعمان معلماً سياحياً من معالمها اللافتة. كانت الجسور العشرة محطة من محطات الخط الحديدي الذي بوشر انجازه في العام 1901 واستمر العمل في المشروع لغاية عام 1908 وكان الهدف من انشائه خدمة الحجاج المسلمين إلى الديار المقدسة. ويبلغ طول سكة الخط الحديدي الحجازي من دمشق إلى المدينة المنورة 1303 كيلومترات والمسافة التي تمر في الاردن منه 452 كيلومترا أي ما يعادل 33 بالمئة من طول الخط الكلي حيث تم بناء ثلاثة وثلاثين محطة تنشر فوق أرض الأردن وهي تختلف في تصميمها ونوع الخدمات التي تقدمها. وتم انشاء أكثر من 300 جسر أهمها الجسور العشرة «القناطر العشرة» الماثلة في وادي الرمم في عمان، تلك القناطر التي تعتبر بحق تحفة معمارية غاية في الدقة والانتظام، حيث تتجلى الهندسة الرائعة في بناء الاقواس «القناطر» من طابقين اثنين. ويشمل الطابق الأول ممرا للمشاة وأماكن لتصريف قنوات المياه وانسيابها أما الطابق الثاني فهو مخصص لسير القطار. يقول مسئول العلاقات العامة في مؤسسة الخط الحديدي الحجازي الاردني محمد الفاعور حول استثمار الجسور العشرة بما يتلاءم مع تنظيم الطرق في عمان انه تم تعبيد الشوارع في أسفل القناطر العشرة فكانت عمان المحطة المتكاملة وهي تستريح في اسفل هضبة ماركا من جهة الغرب والشمال. مهندسون معماريون قالوا لم يكن المقصود من بناء القناطر العشرة بأن تعكس منظراً جمالياً، وجل غايتها كانت وظيفية بالدرجة الأولى ولكن عظم الهدف جعل بساطة الجمال تعكس تعقيداً غير مقصود نابعاً أصلاً من عدم الافتعال فالقناطر العشرة نتيجة وليست هدفاً بحد ذاته، أما لماذا هي جسور أو قناطر فالسبب يكمن في ان الخرسانة المسلحة لم تكن موجودة أصلاً، فكان الاعتماد على الاقواس التي تحمل المنشآت كبيرا وحاجة يرافقها الابتكار.

Email