تجمع بين الترفيه والفن والتاريخ

مقاهي الإسكندرية..ثقافة اليونان ومـصر في عناق عذب عريق

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبقى للجالية اليونانية في الإسكندرية في مصر، تأثير ثقافي واجتماعي، لا يفتر أو يتوارى حضوره ورونقه من المشهد. وذلك على الرغم من توافد العديد غيرها: الإيطالية والأرمينية والإنجليزية والسويسرية.

ولا نحتاج كبير جهد، أو إلى أن نفتش ونمحص بدقة، كي نكتشف طابع ذلك الوجود الطاغي والملموس، إذ نجده يتناثر محفوراً في جميع ميادينها الرئيسية، وفي أزقتها ومقاهيها ومطاعمها.. ويلفتنا في هذا السياق، بروز أسماء مقاهٍ، باتت شهيرة خالدة في أعماق الذاكرة المجتمعية، وحتى عالمياً، نتبين أنها لا تزال فاعلة، إلى وقتنا الحالي، مثل: أثينيوس، ديليس، تريانون، إيليت، بودرو، سانتا لوتشيا، بسترودس.

 تعد مقاهي الإسكندرية التي أنشأتها الجالية اليونانية في المدينة، المفضلة بالدرجة الأولى، منذ القديم، بالنسبة للسائحين الأجانب ولأبناء تلك الجالية نفسها، وكذا لرجال الفن والسياسة والأدب.

 تاريخ وحكايات

بدأت حكاية الجاليات اليونانية في الإسكندرية، منذ أواخر القرن الـ18، وازداد وجود أفرادها، في ظل حكم محمد علي باشا والخديوي إسماعيل، وظهرت أنشطتهم التجارية إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر، إلى أن تقلصت أعدادهم في ظل سياسة التأميم التي قام بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.

 صور وثائقية نادرة

يمثل مطعم ومقهى "أتينيوس"، الكائن في منطقة محطة الرمل في الإسكندرية، أعرق المقاهي اليونانية في ثاني كبرى مدن مصر، ويتميز بموقعه المطل مباشرة على كورنيش البحر، حيث الاستمتاع بهواء المدينة العليل ومتابعة حركة المارة، إضافة فرادة رونق ديكوراته وتماثيله البديعة التي تزين جميع أركانه، ليشعر الزائر معها بالعبق التاريخي اليوناني، يملأ المكان في كل أرجاء المقهى.

ويروي يعقوب أحمد نصار، مالك أثينيوس، تاريخ المكان وأهم الأحداث التاريخية التي شهدها، مؤكداً انه لا يزال يفخر بها كجزء من تراث المدينة. ويختار نصار، في حديثه عن المقهى، شرحاً مختلف التفاصيل. ويوضح، بداية، أن كلمة أثينيوس، تعني باللغة اللاتينية الأثيني- إذ كان صاحبه (يوناني الجنسية، واسمه كوستانتينوس أثينيوس)، يعمل في مجال الحلويات والآيس كريم.

ويضيف: "اشترى أثينيوس الأرض المقام عليها المقهى حالياً، من رجل إيطالي- يهودي، ذلك بعد أن اتفق معه، على أن يبني له عمارة كاملة، مقابل أن يأخذ الدور الأول ملكاً له.. وهكذا، باشر أثينيوس بناء العمارة تلك، في عام 1897، وانتهى من إنجازها، كاملة، في سنة 1900، والتي شهدت يوم 11 أبريل، افتتاح محل حلواني "أثينيوس"، حيث غدا، لاحقاً، أشهر حلواني في الإسكندرية، متخصص بصناعة الآيس كريم.

وعقب ذلك، وإثر وفاة أثينيوس، تولت زوجته إيليتا أثينيوس إدارة المكان حتى عام 1968. وأدخلت عليه بعض التطويرات والتحديثات، منها: وجود الموسيقى الكلاسيكية (تعزفها أوركسترا خاصة)، الرقص على أنغام الفالس والتانغو. وبناءً عليه، أصبح المقهى، بفعل دوره الترفيهي، وتميز خدماته، المكان المفضل لمشاهير المجتمع ورجال السياسة والفن والأدب".

 مقر صيفي للحكومة

ينتقل نصار إلى الحديث عن المراحل اللاحقة في مسيرة "أثينيوس": "آلت ملكية المطعم، في مرحلة تالية، إلى مصري، يدعى محمد أحمد نصار، ذلك بعد قرار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، القاضي بتأميم الشركات والمصانع والمطاعم، ونقلها إلى ملكية الدولة؛ ومن ثم بات المقهى، في ظل طبيعة ومجريات الأحداث، آنئذ، ملتقى لرجال السياسة والمثقفين وصفوة المجتمع، وشاهداً على تاريخ الإسكندرية العريق".

ويذكر نصار أن الأديب العالمي نجيب محفوظ، كان من أهم رواد مقهى "أثينيوس"، حيث كتب روايات عديدة خلدت تاريخ الإسكندرية، ومن أهمها: "ميرامار" التي تحولت، في ما بعد، إلى عمل سينمائي من بطولة: شادية وشكري سرحان. ويوضح أنه تتحدث "ميرامار"، في رصدها لتاريخ مجتمع الإسكندرية وماهيته، عن وضع الجاليات الأجنبية في المدينة، واستوحيت من السيرة الذاتية لامرأة يونانية، هي صاحبة الفندق المجاور للمقهى.

ويواصل مالك المقهى سرد تفاصيل قصة المكان وتاريخه: "كانت أسرة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تأتي إلى هذا المقهى لتحتفل بالمناسبات الاجتماعية الخاصة بها، وفي أربعينات القرن الماضي، عندما كانت تنتقل الوزارات في فصل الصيف إلى الإسكندرية، اعتاد رجال السياسة والوزراء والباشوات، مثل فؤاد سراج الدين - رئيس حكومة الوفد، على الاجتماع في المقهى، ودار في داخله العديد من السجالات والمناقشات السياسية، فضلاً عن أنه بقي المكان المفضل للمثقفين والكتاب الأجانب، مثل الشاعر اليوناني السكندري الشهير، كفافيس، والذي كتب خلال جلساته فيه، الكثير من الأشعار عن تاريخ المدينة".

 أحمد زويل في "أثينيوس"

يتابع نصار إلقاء الضوء على الأهمية التاريخية والعصرية لمقهى "أثينيوس" في الإسكندرية، مبيناً أنه زار الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء، (أثينيوس)، في عام 2005، والتقاه بينما كان يتناول الإفطار مع أسرته، مشيراً إلى أن زويل أوصاه بالحفاظ على المقهى، كونه جزءاً من تراث الإسكندرية، وكذلك كشف له، أنه.

ومع تلك الزيارة، حقق أمنيته بزيارة المقهى، فعندما كان طالباً في كلية العلوم، كان يجلس على كورنيش البحر أمام المقهى، وبقي يحلم دائماً، في أن يأتي اليوم الذي يستطيع معه أن يجلس في داخله، مثلما تفعل صفوة المجتمع.

 روح مقدونية

لا تعرف حكايات مقهى أثينيوس، سبيلاً إلى الاعتراف بالثبات عند مرحلة ونجاح محددين. فطالما استمر يواكب العصر، مع الحفاظ على روحية جماله العتيق وتاريخه العريق. ولا بد للزائر أن يلحظ سمات تميزه، متجسدة في ألوان وطقوس متنوعة بداخله، في الوقت الحالي. إذ يسيطر عليه الهدوء الشديد المتناغم مع إيقاع الموسيقى الكلاسيكية اليونانية.

والتي تعبّر عن روح المدينة المقدونية. كما تزين جدران المقهى النقوش الذهبية المفعمة بالعراقة، ورسومات لإله المرح اليوناني وخادميه، معكوسة في 18 شكلاً متكرراً، إضافة إلى التماثيل اليونانية التي تملأ أركانه، من الداخل والخارج.

 تأريخ وقصص

يضم أثينيوس، صوراً وثائقية نادرة لتاريخ الإسكندرية، ومنها: صور الميادين الرئيسية للمحافظة قديماً (صورة ميدان محمد علي باشا: "ميدان المنشية حالياً- صور تؤرخ لدخول الاحتلال الإنجليزي إلى مصر، وآثار قصف قوات الاحتلال المدينة وهدم المنازل والشوارع، فضلاً عن لوحة كبيرة لأسرة محمد علي باشا). كما يشتمل المقهى على صور لزعماء الأمة ومناضليها ومحافظيها، بدءاً من خورشيد باشا (1840-1863)، ومروراً بحسين باشا (1863-1870)، ثم وصولاً إلى مجدد الإسكندرية، اللواء عبدالسلام المحجوب.

أطباق شهيرة

يشتهر مقهى أثينيوس، حتى اليوم، بتقديم أطباقه اليونانية والإيطالية الخاصة، مثل: "الباستا" بفواكه البحر. ويعرف أيضاً ببصمته المميزة، على صعيد المأكولات البحرية.

ومن أهم أطباقه: الدجاج المحشو بالسبانخ والريكوتا، السوفلاكي والموساكا، حساء الفطر على الطريقة الإيطالية، المعكرونة بصلصة الألفريدو، الرافيولي واللازانيا، كرات الأرز بالجبنة. وذلك طبعاً، إلى جانب الأطباق المصرية التقليدية والحلويات الشرقية والغربية. وكذلك يزوره حتى الآن، السياح الأجانب، من شتى الدول، وكذا أبناء الجاليات اليونانية المقيمة في الإسكندرية.

 ديليس.. نجيب محفوظ يكتب أهم رواياته

ينظر إلى مطعم ومقهى ديليس في الإسكندرية، كأحد أهم المطاعم اليونانية، التي ارتبط اسمها بتاريخ المدينة ذات الطابع المقدوني، فهو من أكبر مقاهي الإسكندرية اليونانية ذات الشهرة العالمية، إذ إنه يطل على ثلاثة شوارع رئيسية واقعة في منطقة محطة الرمل، وتزين وجهته الخارجية،" التورتات" متعددة الأدوار، ونماذج أشكال الحلويات اليونانية ذات المذاق الخاص.

وتعني كلمة ديليس بالفرنسية، البهجة أو السعادة، وكان قد أسسه، الخواجة كلوفلوكس موستاكاس، في بداية العشرينات من القرن الماضي، وافتتح رسمياً، في عام 1922. وتديره حالياً، سيدة يونانية اسمها ألكي أنطونيو، ذلك بعد أن ورثته من جد زوجها، موستاكاس.

ويؤكد المسؤول في مقهى "ديليس"، مصطفى تهامي، أحد أقدم "الجرسونات"، أن جميع العاملين ضمنه، كانوا، سابقاً، من اليونانيين والإيطاليين والأرمن. واتسم جميعهم، بالأمانة والنظافة الشديدة في صنع الحلوى، وكان يتضمن المطعم، بين كوادر العمل فيه، وظيفة الذواق، إذ يتولى شخص محدد، مهمة تذوق الحلويات الطازجة، قبل أن تقدم إلى الزبائن.

يتطرق تهامي إلى طبيعة عمل المقهى، منذ القدم: "كان ديليس يفتح أبوابه أمام جميع الزائرين، يومياً، من الأجانب ومن الشخصيات العامة والسياسية.

وجسد في البداية، نموذج "بوفيه" مفتوح للزبائن، يلتقطون منه ما يشتهون من الحلوى، ثم يدفعون ثمنها، قبل المغادرة، ومن ثم تطور ديليس، بعد ذلك، ليضم مطعماً يقدم المأكولات اليونانية والإيطالية الخاصة، مع إطلالة من الخارج للاستمتاع بهواء البحر، ومتابعة حركة المارة وزحمة المدينة.. وكان من أهم الزائرين لديليس، الأديب العالمي نجيب محفوظ، حيث درج على القدوم إليه، يومياً، من الساعة السابعة صباحاً وإلى الثامنة مساءً.

واعتاد أن يتناول خلالها، أربعة فناجين قهوة (سادة). كما شهد المطعم، كتابة محفوظ، العديد من رواياته الشهيرة في المقهى.. وأعطاني مبلغ 100 جنيه، عندما فاز بجائزة نوبل، كما كان قد وعدني".

 تاريخ ملكي

يتطرق تهامي إلى تفاصيل تاريخية عن المقهى: "من أهم الزائرين للمطعم، الملك أحمد فؤاد وأخته الأميرة فوزية، إذ كانا يتناولان دائماً، القهوة "الفرنساوي" مع الكرواسون، ويستمتعان بالهدوء في داخل المقهى، على أنغام الموسيقى اليونانية.

ومن أهم المناسبات التاريخية التي ارتبط بها اسم حلواني ديليس، انفراده بصنع تورته حفل زفاف الملك فاروق على الملكة فريدة وحفلة تتويجه ملكاً، إذ صنعت تورتة تتويجه ملكاً، مؤلفة من دور واحد ومزينة بتاج من الشكولاتة. وأما نظيرتها الخاصة بحفلة الزفاف، فتكونت من خمسة أدوار، ووضع فوقها أيضاً، تاج من الشكولاتة.

وصنعها شيف يوناني، اسمه أسبيرو ومساعده فرنجلي. وأخرجت التورتة في عربة كبيرة، متجهة إلى قصر المنتزه. واكتسب حلواني "ديليس" على إثرها، شهرة عالمية وواسعة النطاق".

ويلفت التهامي إلى أن ديليس كان، على الدوام، محطة مهمة للزائرين، من الفنانين والشعراء الأجانب والمصريين، مثل: الشاعر طاهر أبو فاشة وبيرم التونسي ونهيد أبو زهرة والشاعر اليوناني الشهير كفافيس، والفنان أحمد مظهر وحمدي غيث ومحرم فؤاد والفنانة شادية ونادية الجندي. وكذا، الروائي توفيق الحكيم، وفاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، واللواء عبدالسلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق، فضلاً عن العديد من الزعماء السياسيين، مثل: سعد زغلول وفؤاد سراج الدين وعائلة الزعيم الراحل محمد أنور السادات.

تزين جدران المقهى، من الداخل، النقوش الخشبية، العربية واليونانية، وكذلك يتضمن صوراً معلقة تمثل طقماً من "الشيفات" اليوناني يعود إلى العام 1922، وهناك، أيضاً، صورة تورتة الملك فاروق في حفل تتويجه ملكاً وزفافه. كما يحتفظ المقهى، بأول آلة "كشير" دخلت إليه، وذلك منذ أكثر من مائة عام.

وأيضاً، يشتهر ديليس بأنه من أكبر محلات الحلويات في الإسكندرية، ذات السمعة العالمية. ومعروف بتصميمه تورتات لكبرى العائلات داخل المدينة، وتقديمه الأطباق اليونانية والإيطالية ذات المذاق المميز. ويمتلك ميزات وقدرات خاصة، على صعيد تصميم الحلوى في المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل أعياد: الفطر، الميلاد، شم النسيم.

 رونق وقيمة

يجذب الجائلين في الإسكندرية، مطعم "تريانون" اليوناني، ببهائه الساحر، إذ يطل على ثلاث نواصٍ رئيسية، داخل ميدان سعد زغلول العريق.

وتجتمع في تريانون، العراقة والأصالة معاً، ليعكس ما قدمته الجاليات اليونانية من طراز معماري يفخر به المجتمع السكندري، إلى الوقت الحالي.

وكان قد اشترى تريانون، اليوناني يورغوس بيرليس، مؤسس حلواني "بيتيت تريانون"، ثم ملكه غراند تريانو، مع عائلة قسطنطينيدس وأندريا دريكوس، وبدأوا في التوسع به وبأعماله. وفي السبعينات من القرن الـ20، انفصل بيتيت وغراند تريانون، ومصر في عام 1970، وآلت ملكيته بعد ذلك، إلى مجموعة شركاء: عائلة الحضري وجورج لوكا وسمير بولس.

شهد تريانون، مطلع السبعينات من القرن الفائت، أعمال توسعة وتحديث، فبات يضم العديد من الفروع في القاهرة والإسكندرية. وتبقى سمات تميز تريانون، من خلال تصميماته وديكوراته الخلابة، التي تجمع بين اللون العربي واليوناني، والتي لا يزال محتفظاً بها.. وصنعت كل قطعة أثاث في المطعم، من "الأنتيكة" الثمينة التي لا تقدر بثمن. ويعلوه فندق "متروبول" العريق، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من مائة عام.. وكان قبل ذلك، مبنى وزارة الري، وعمل فيه الشاعر اليوناني "كفافيس"، كموظف عادي.

شارك مقهى تريانون في الإسكندرية، في العديد من المناسبات المهمة، مثل إعداد المأكولات والحلويات في حفل افتتاح مكتبة الإسكندرية لملوك ورؤساء دول العالم، وصنع الحلويات في جميع المناسبات الثقافية داخل المدينة، إضافة إلى تنظيم لقاءات: نادي روتاري كوزموبوليتان، متروبوليتان، صن رايز، سيدات الروتاري. وإعداد المأكولات والحلويات لكبرى العائلات داخل الإسكندرية وخارجها.

كما انه أسهم في شهرة تريانون، زبائنه من الشخصيات الأجنبية والعالمية. وكان قد ذكره الأديب توفيق الحكيم، في إحدى كتاباته الذاتية: "سجن العمر"، كما زارته الملكة صوفيا، ملكة إسبانيا، ذات الأصل اليوناني. وأيضاً: الأمير تركي بن عبدالعزيز، الأديب اليوناني موسكوف، جيهان السادات، فؤاد سراج الدين، السير مجدي يعقوب.

الدكتور أحمد زويل، صفوت الشريف، المشير الجمصي وزير الدفاع إبان حرب 1973م، الأميرة فوزية، الملكة ناريمان، أدهم النقيب زوج الملكة ناريمان، الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، أمل دنقل. واحتفظ تريانون بجميع توقيعات رواده في عدد من المجلدات الأنيقة الخاصة بالزيارات؛ ذلك كي يكون المكان شاهداً على تراث الإسكندرية وعبقها اليوناني العريق.

ويتميز مطعم تريانون، باحتفاظه بطابعه الكلاسيكي وتقديمه منتجات جيدة وخدمة عالية المستوى، وتوفيره الأطباق اليونانية والإيطالية والصينية الخاصة، ولا يزال يفتح أبوابه للشخصيات العامة والسياسية والفنية، وأمام أبناء الجاليات الأجنبية واليونانية.

متحف ثقافي وفني

يشبه مقهى "إيليت"، اليوناني المطل على شارع صفية زغلول- أحد الشوارع الرئيسية في مدينة الإسكندرية، كوخاً خشبياً، بلونيه الأزرق في الأبيض، ذلك منذ تاريخ إنشائه في عام 1953، على أيدي مدام كريستينا كوستانتينو، وهي من أشهر اليونانيات في مدينة الإسكندرية، في تلك المرحلة. وكانت إحدى محبوبات الشاعر اليوناني السكندري كفافيس.

وتروي كريستينا، في أحد تصريحاتها، قبل أن توافيها المنية، منذ سنوات قليلة، أنها كانت تريد بناء مقهى على غرار المقاهي العالمية في العاصمة الفرنسية باريس، وأن يكون مزاراً للمثقفين الأجانب والمصريين، على حد سواء.

وكانت رغبة اليونانية كريستينا قد تحققت بالفعل، حيث يعد مقهى إيليت متحفاً ثقافياً وفنياً، وتزين جدرانه لوحات للفنان العالمي بيكاسو وماتيس وسيف وانليولوحة للفنان اليوناني فافياديس والفرنسي براك وبورتريهات للشاعر اليوناني كفافيس، وجميعها لوحات نادرة لا تقدر بثمن، وكان قد زاره العديد من الكتاب والفنانين، واكتسب من خلال ذلك، سمعة عطرة بين أبناء الإسكندرية.

وكان من أهم الزائرين لمقهى "إيليت" السيدة أم كلثوم، إذ حضرت من القاهرة إلى المقهى خصيصاً في أواخر الخمسينات من القرن الـ20، حيث كانت تشتري الملابس من محل قريب، وأشاروا عليها بأن تأتي إلى إيليت، حيث إنه يقدم نوعاً مميزاً من الآيس كريم، وكانت ترتدي غطاء رأس ونظارة سوداء، حينها.

واعتادت الملكة فريدة والملكة نريمان، الحضور إلى إيليت، كل يوم أربعاء، إذ كانت تعرض في سينما مترو المجاور للمقهى، أفلام ثقافية ذات مستوى راقٍ، وكانت الملكة فريدة تأتي لتناول الكابتشينو، ذات المذاق الخاص.

كما زارت السيدة الأولى جيهان السادات، المقهى، وكثيراً ما كانت معجبة بديكوراته اليونانية. ودرجت على تناول الآيس كريم فيه. واستقبل المقهى العديد من الفنانين الأجانب، مثل: داليدا، التي كانت تأتي إلى إيليت في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، في أثناء إحياء حفلاتها في الإسكندرية.

وهناك صوفيا فامبو، مطربة الأوبرا، والمطرب اليوناني ديميس روسوس، فضلاً عن العديد من الكتاب والصحافيين الأجانب، وأبناء الجاليات اليونانية.

وينظم مقهى إيليت، إلى الوقت الحالي، في كل يوم ثلاثاء، حفلة البوزكيا اليونانية، حيث يقوم الزائرون بالرقص بالأطباق، على أنغام الموسيقى اليونانية، ثم يكسرون الأطباق، إضافة إلى استمتاعهم بعزف الأنغام اليونانية الكلاسيكية.

ويقدم إيليت، العديد من المأكولات اليونانية والإيطالية والشرقية، ذات المذاق الخاص.

 "تورتة " ملوكية

 زارت مقهى ديليس، شخصيات مهمة، أبرزها: الملك أحمد فؤاد وأخته الأميرة فوزية، إذ كانا يتناولان دائماً، القهوة "الفرنساوي" مع الكرواسون، ويستمتعان بالهدوء في داخل المقهى، على أنغام الموسيقى اليونانية.. ومن أهم المناسبات التاريخية التي ارتبط بها اسم حلواني ديليس، انفراده بصنع تورته حفل زفاف الملك فاروق على الملكة فريدة وحفلة تتويجه ملكاً.

حيث صنعت تورتة تتويجه ملكاً، مؤلفة من دور واحد ومزينة بتاج من الشكولاتة. وأما نظيرتها الخاصة بحفلة الزفاف، فتكونت من خمسة أدوار، ووضع فوقها أيضاً، تاج من الشكولاتة.

 مناسبات واسم واحد

شارك مقهى تريانون في الإسكندرية، في العديد من المناسبات المهمة، مثل إعداد المأكولات والحلويات في حفل افتتاح مكتبة الإسكندرية لملوك ورؤساء دول العالم، وصنع الحلويات في جميع المناسبات الثقافية داخل المدينة، إضافة إلى تنظيم لقاءات: نادي روتاري كوزموبوليتان، متروبوليتان، صن رايز، سيدات الروتاري. وإعداد المأكولات والحلويات لكبرى العائلات داخل الإسكندرية وخارجها.

كما انه أسهم في شهرة تريانون، زبائنه من الشخصيات الأجنبية والعالمية.

 عبق ورونق

 يمثل مطعم ومقهى "أثينيوس"، الكائن في منطقة محطة الرمل في الإسكندرية، أعرق المقاهي اليونانية في ثاني كبرى مدن مصر، ويتميز بموقعه المطل مباشرة على كورنيش البحر، حيث الاستمتاع بهواء المدينة العليل ومتابعة حركة المارة، إضافة إلى فرادة رونق ديكوراته وتماثيله البديعة التي تزين جميع أركانه، ليشعر الزائر معها بالعبق التاريخي اليوناني، يملأ المكان في كل أرجاء المقهى.

 صور نادرة

يعكس مقهى "أثينيوس"، صورة حية، جاذبة وفريدة، مفعمة بملامح تاريخ الإسكندرية العريق. إذ يشتمل على صور وثائقية نادرة لتاريخ الإسكندرية، ومنها: صور الميادين الرئيسية للمحافظة قديماً (صورة ميدان محمد علي باشا: "ميدان المنشية حالياً- صور تؤرخ لدخول الاحتلال الإنجليزي إلى مصر، وآثار قصف قوات الاحتلال المدينة وهدم المنازل والشوارع، فضلاً عن لوحة كبيرة لأسرة محمد علي باشا). كما يضم صوراً لزعماء كثيرين.

Email