صلاح فضل : «المسابقات الشعرية الخليجية» برهان عدم نضوب كنز الأدب العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدهشك طريقته في النقد الأدبي بفضل منهجه الأكاديمي القائم على رؤى التعمق في أي منتج فكري.. هكذا تتبدى حقيقة ممارسات الناقد، الدكتور صلاح فضل وأعماله. فعندما يأخذ كتابا لينقده؛ تراه يتعمق فيه ـ ليس لقراءته فقط، بل ليستنبط الحالة التي كتب بها مبدع ما، كتابه. ووقتها يستطيع أن يقدم نقدا حقيقيا لا زيف فيه، لذلك نجده ، أكثر حزناً عندما يصف البعضُ النقادَ العرب بـ"اللغويين السطحيين"، واصفاً من يطلقون مثل هذا الحكم بأنهم "الجهال" الذين لا يقرأون إلا عناوين الكتاب فقط.

 

 

يؤكد فضل، في حواره مع " مسارات"، أن المسابقات الشعرية الخليجية أثبتت أن كنز الشعر العربي لم ينضب، كاشفا عن حقيقة أنه ورّط محمد سلماوي في نشر رواية "أجنحة الفراشة". كما يشدد على أنه لا خوف على اللغة العربية، رغم هول ما تلاقيه.

هناك حديث، بدأ يزداد الآن، مفاده أن معظم النقاد العرب، لغويون سطحيون...

هذا كلام جاهل.. بل إنه يتجنى على أعلام الفكر العربي والنقد، منذ طه حسين وحتى الآن، فالحكم على الشيء فرع من تصوّره.. وعندما نتصور كبار قادة الحركة النقدية في الوطن العربي، عبر ثلاثة أجيال على الأقل، سنجد مئات الأسماء، من الذين أسسوا للوعي النقدي واحتضنوا مناهجه العالمية وعربوها، ودرسوا وأعادوا النظر في تاريخ الشعر والنقد العربي وأسسوا للوعي الجمالي للأجيال الجديدة، مثل: المسرح الشعري والمسرح النثري والرواية والأدب المقارن.

كما عمّقوا أساليب الشعر ودرسوا أساليبه واتجاهاته، وهذه الأجيال الثلاثة من كبار المفكرين، لا يمكن إلا لجاهل أن يلغي نتاجها بجرة قلم أو بعبارة يطلقها. وأقول لهذا الجاهل: "اقرأ العناوين فقط.. وأدرك هول ما تقول يا من تزعم أنه لا يوجد نقاد حقيقيون. ما دلالاتك، ولمن قرأت لتقول هذا الكلام، ومن أنت ليسمع لك الناس..؟ وأخيرًا أقول اقرأوا لهم.. حتى لا تكونوا جهالاً".

 

مقياس «التمثيل الجمالي»

في ضوء ذلك.. ما المشكلات التي تؤثر في وضع الكتابة، في الوقت الراهن؟

هناك العديد من المشكلات التي تؤرق الكتابة، منها، التذوق عند القارئ، والذي أصبح مختلفا نتيجة لتأثره بعدة ثقافات دخيلة على مجتمعاتنا العربية، وكذا مشكلة كبرى تتمثل في "التمثيل الجمالي للحياة". وهو مقياس نقدي من صناعتي، ابتكرته لأستطيع أن أتعامل من خلاله، مع الأعمال الإبداعية التي أعالجها، ولأن الإبداع الشعري يرتبط بأشياء كثيرة، منها: رمزية اللغة وخلفية الخيال ودواخل المبدع؛ لما كان لي أن أخترع ما أستطيع الوصول به كقارب نجاة.

وأذكر على سبيل المثال، أن قانون الحياة العامة حاليا هو "التظاهر بالدين"، على عكس هو موجود في دواخل دعاة الدين، ونحن نعلم أن التيار الديني في مصر يعلو. وهنا المفارقة، حيث سنجد تناقضا بين المظهر والحقيقة، أنا أحمل في مظهري التدين ولكني أبعد ما أكون عنه.

ولو تأملنا الخطاب الأدبي هنا، لرأينا أننا نسبح عكس التيار، إذ هناك رأي مباشر وكذلك رؤية داخلية فنية، وما فعلته، أنني في جميع الأعمال، أنظر إلى رؤيتها الداخلية وليس إلى رأيها المباشر، إذ أقدّم التمثيل الجوهري للتيارات الحقيقة الفاعلة في الحياة.

 

دور مهم

شاركت في بعض المسابقات الشعرية العربية، ماذا عنها؟ وهل تجد أنها تقوم بدورها المنوط بها؟

نعم كنت أحد المشاركين في مسابقة "أمير الشعراء" في دوراتها الخمس السابقة، وأنا أعتز بهذا وأحب أن أقول إن المسابقات الأدبية والشعرية التي تتبناها بعض الدول العربية، وتحديدا دولة الإمارات العربية الشقيقة، بمثابة دور جبار حقيقي لا يستطيع أن ينكره إلا جاحد، فقد أثرت هذه المسابقات الثقافة العربية المعاصرة، ويكفي لأن أبرهن على هذا أن أقول، إن مسابقة "أمير الشعراء" كانت بنكا شعريا أثبت أن المواهب الشعرية، من اليمن إلى المغرب، بالآلاف، من أصحاب المواهب الحقيقة.

ولو وجدوا فرصة لأصبحوا من أهم الشعراء العرب. وأذكر أن مسابقة "أمير الشعراء" أثبتت لنا أن كنز الشعر العربي لم ينضب. كما أن حركة المجلات العربية التي تصدر في دول الخليج العربي، والمؤتمرات التي تعقد، وكذا تمويل المشروعات الثقافية، مثل مشروع مؤسسة الفكر العربي، كلها أمور نجحت في ضخ دماء جديدة للثقافة والفكر.

. وكانت بمثابة قوة هائلة، أسهمت في إنعاش الثقافة العربية، وهناك أيضا، الكتب التي تنشرها المؤسسات الثقافية الخليجية وتسهم في نشرها، إذ أنعشت الحياة الإبداعية. ومن يزعمون أن المال الخليجي أساء الى الثقافة العربية، يتجاهلون تماما هذه الجوانب الإيجابية.

 

مسؤولية

طالما كان الإعلام مرتبطا بالثقافة.. كيف تقيّم دوره تجاه الحركة الثقافية ؟

لا أستطيع أن أقول إن الإعلام العربي يقوم بدوره على أكمل وجه في سياق العمل الثقافي. إلا أنني أستطيع أن أقول، إن هناك بعض القنوات التي بدأت في طريق صحيح، ولو بأولى خطواتها، ولكن في المقابل هناك العديد من القنوات الفضائية التي ظهرت تحمل اتجاها معينا، وهي ملك لدولة بعينها، تحاول أن تهدم كل شيء من أجل أن تظهر قضايا محددة.

ولو كان هذا عبر هدم ثقافات دول أخرى.. ولذلك أقول لكل الإعلاميين الشرفاء، القائمين على البرامج الثقافية: "اظهروا مشكلات الثقافة، وأحضروا متخصصين لحلها، وأعيدوا لنا مجدنا الثقافي من خلال شاشاتكم التي يشاهدها الجميع.

 

موقف وأسباب

أكدت سابقاً، على أنه من البلاهة والغفلة والجهل بالتاريخ العربي والإسلامي، تصوّر كون الدولة الأولى في عهد الراشدين هي التي ستحل مشكلاتنا الآن، أو تجعلنا دولة عظمى.. ما صحة هذا الكلام؟

نعم، قلت هذا الكلام في أحد اللقاءات.. وقصدت منه أن هناك من المثقفين من كانوا يعيشون على بعض الأشياء من الماضي، مثل: المشروع القومي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، متخيلين أن الفترة الناصرية هي الحلم الوطني الذي سيرفع عنا المهانة، ويعيد إلينا كرامتنا، وهو تصور خاطئ وباطل، ليس فيه أي شيء من الحاضر، كما أنه غير مستقبلي.

كما ان البعض الآخر من المثقفين، اعتبر أن الدولة الدينية هي بارقة الأمل والخلاص الوحيد، متخيلين في ذوي اللِحى، أحد الخلفاء الراشدين، الذي سيأتي معه العدل في الأرض، بينما قلة قليلة من المثقفين، أدركت أن مستقبل شعوب الأرض كلها مرهون بالديمقراطية، لكن البقية مثلما قلت، كانت غافلة، فلو أننا أسسنا للديمقراطية بشكل سليم، لضمنا حياة نقية بلا مشكلات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية؛ لأنه بالديمقراطية الكل سيعرف دوره ويقوم به على أكمل وجه، من دون التدخل في دور غيره والاحتكاك به.

 

حقائق واعتراف

كثيرا ما ركزت على أنه لا خوف على اللغة العربية رغم هول ما تلاقيه.. من أين أتيت بهذا التفاؤل في ظل ابتعاد اللغة العربية الفصحى وظهور لغات "عربية استعمالية..." ؟

- نعم قلت هذا، وقلته بدلائل وليس عبثا، وسأسرد لك أسباب اطمئناني. وهي قدرة اللغة العربية على جذب الإنجازات العلمية الغربية وتداولها باللغة العربية والإبداع فيها، إنها لغة الوحي التي حملت كنوز المعرفة (القرآن الكريم)، إنها لغة تحدت الغزو.

لا يزال البعض يتحدث عن توريطك الكاتب محمد سلماوي لنشر روايته "أجنحة الفراشة".. فما ردك؟

(يضحك الدكتور صلاح فضل.. ويتذكر قائلاً): قبل شهرين من الثورة، أعطاني محمد سلماوي "مخطوط" روايته الجديدة "أجنحة الفراشة"، في الفترة السابقة لنشرها، ذلك لأنظر فيها كناقد. وكانت هذه الرواية تنطوي على نبوءة الثورة، والرواية تتحدث عن تظاهرة في ميدان التحرير، وعن أن زوجة أحد رجال الأعمال الكبار كانت في طريقها إلى المطار والتظاهرة أعاقتها، فاتصلت بزوجها الذي استخدم نفوذه بإعطاء أمر يقضي بإفساح الطريق لزوجته، لتصل السيدة إلى المطار وتسافر إلى إيطاليا لحضور حفل عرض للأزياء.

وفي أثناء ذلك تحتدم التظاهرة متحولة الى ثورة، ويستدعي بعدها النظام، الجيش، بغرض قمع المتظاهرين.. ولكن الجيش ينضم الى الثورة وينتهي إلى ما انتهى إليه الجيش المصري من الاعتراف بحق الشعب ومطالبه المشروعة، وهنا لابد أن أقول إن محمد سلماوي عرض هذه الرواية على ثلاثة نقاد، الأول نصحه ان لا ينشرها؛ لأنها ستسبب له المتاعب. والثاني حذّر الناشر من نشرها. أما أنا فشجعته على النشر، بل وكتبت عنها في مقالي بجريدة الأهرام، حتى أورطه وينشرها رغما عنه.

كان لك رأي في الشاعر فاروق شوشة.. فهل أنك ثابت عليه إلى الوقت الحالي ؟

فاروق شوشة شاعر لا مثيل له.. متفرد عن غيره من الشعراء، وذلك من حيث ارتباطه بأدوات التواصل الجمالي، بالصوت والصورة في وسائل الإعلام، فهو استطاع أن يشكل الوعي المحدث للصورة، وتمكن من ابتكار تقنيات في الشعر، حديثة. كما أنه حريص على رسم الملامح الحسية في شعره، بدقة متناهية.

 

 

 

بطاقة

 

محمد صلاح الدين فضل، المعروف باسم "صلاح فضل". ناقد وأديب وباحث مصري. من مواليد قرية في الدلتا تسمى "شباس"، عام 1938. أساس تعليمه أزهري، ومن ثم حصل على ليسانس في الآداب في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة عام 1962. وعمل معيدا في الكلية، قبل أن يذهب الى بعثة في اسبانيا ويحصل على الدكتوراه في الآداب من جامعة مدريد عام 1972.

عمل في المجلس الأعلى للبحث العلمي في أسبانيا متخصصا في تراث ابن رشد، وأستاذا للنقد الأدبي والأدب المقارن في كلية الآداب جامعة عين شمس منذ عام 1979 حتى وقتنا هذا. وهو مستشار في مكتبة الإسكندرية، وعضو في مجمع اللغة العربية.

 

 

«شفرات النص»

 

رفد صلاح فضل، المكتبة العربية، بمؤلفات ومراجع، كثيرة نوعية، أهمها: تأثير الثقافة الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانتي. شفرات النص، بحوث سيميولوجية، أساليب السرد في الرواية العربية، أساليب الشعرية المعاصرة، بلاغة الخطاب وعلم النص. مناهج النقد المعاصر، نبرات الخطاب الشعري، حواريات في الفكر الأدبي، الإبداع شراكة حضارية، عين النقد على الرواية المعاصرة، أشكال التخيل، من فتات الحياة والأدب.

Email