عالجت إبداعاته موضوعات إنسانيّة وطبيعيّة وفكريّة متنوعة

التشكيل المغربي المعاصر..عين على العــصر وأخرى على التراث

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن دخل الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب في غيبوبة منذ عقود، من غير المتوقع، خصوصا في الظروف الحالية، عودته إلى الحياة في المدى المنظور، إذ غابت فرص تواصل المبدعين العرب في هذا الحقل، مع بعضهم.

أو في أحسن الأحوال، صارت نادرة وعلى نطاق فردي ضيق، باستثناء الأسابيع الثقافيّة العربيّة، التي تقام بين الحين والآخر، في هذه العاصمة العربية أو تلك. واللافت أن الفن التشكيلي له حضور دائم في هذه الأسابيع، ما يوفر فرصة هامة لفناني البلد المضيف، للتعرف على الحراك التشكيلي المعاصر في الدول العربيّة الأخرى، ومنها التجربة المغاربية.

 

تشهد الأسابيع الثقافية العربية، فعاليات فنية تشكيلية بانورامية الطابع، إذ إن غالبية المعارض ضمنها، جماعيّة، تعكس الطيف الواسع لهذا الحراك. وشهدت العاصمة السورية دمشق، مرات عديدة، تنظيم أسابيع ثقافيّة عربيّة، حضر التشكيل فيها بقوة وفاعليّة قادرة على وضع المتلقي، في الصورة الصحيحة لواقع هذا التشكيل وما يموج فيه من أطياف واتجاهات وأساليب وتقانات، تقليديّة، وحديثة.

وهذه الحالة، تنطبق على الحركات التشكيليّة العربيّة عموماً، حيث غالبية التجارب فيها، تجاري التوجهات الغربيّة، ما يجعل لكل فنان تشكيلي عربي معاصر قريناً في الغرب، يتمثل تجربته إلى حد التماهي المطلق، وعادة ما يمضي، العمر دون أن يتمكن من الخروج من تحت عباءته!!

 

تصوير مغربي

ومن المعارض اللافتة التي زارت دمشق، معرض لفن التصوير المغربي المعاصر، شاركت فيه مجموعة متميزة من الأسماء البارزة على هذا الصعيد، والذي يُعد ضرباً من ضروب الفن التشكيلي، الذي يشمل إلى جانب الرسم والتصوير، النحت والحفر المطبوع (الغرافيك) والخزف وفنون الإعلان، وبعض فنون الزخرفة أو ما يُعرف باصطلاح (الديكور).

 

تعدد التقانات

واقتصار المعرض المغربي على جنس (التصوير المتعدد التقانات اللونيّة)، يؤكد المقولة الشائعة بتمايز التشكيل المغربي في مجال التصوير، عن بقية أجناس الفن التشكيلي الأخرى، وهي سمة عامة تنسحب على التشكيل العربي عموماً، لأسباب موضوعيّة تتعلق بالمفهوم الخاطئ والسائد، حول فن النحت الذي لا يزال الكثيرون ينظرون إليه على أنه شكل من أشكال (الأصنام) التي حرمها الإسلام، عقب ولادته، لأسباب موجبة يومها. كما أن اقتصار فن الحفر في بداياته، على اللونين الأبيض والأسود وتدرجاتهما من الرماديات، أبعده عن الذائقة البصريّة العربيّة، المأخوذة بسحر الألوان الزاهيّة، متباينة الدرجات والإيقاع.

لهذا غابت أعمال الحفر المطبوع، والنحت، والخزف عن المعرض، وحضرت بقوة أعمال الرسم والتصوير متعددة التقانات اللونيّة، والعائدة إلى أجيال مختلفة من الرسامين الذين درسوا الفن في أكاديميات أوروبيّة عديدة منها: الفرنسيّة، والإيطاليّة، والأسبانيّة.

إضافة إلى المدارس والأكاديميات الفنيّة المحليّة الموزعة على الدار البيضاء، وتطوان، ومراكش، والرباط. والأعمال عموماً، تعكس المستوى الفني المتطور للرسم المغربي المعاصر الذي يمد العديد من الجسور نحو الاتجاهات الفنيّة الأوروبيّة، ويحاول في الوقت نفسه، الاستفادة من الموروث الفني الشعبي والإسلامي في البلاد.

 

موضوعات إنسانية

عالجت أعمال الرسامين المغاربة، موضوعات إنسانيّة وطبيعيّة وفكريّة كثيرة، بصياغات وأساليب عديدة، جلها ينتمي إلى الاتجاهات الحديثة التجريبيّة والتجريديّة، والقليل منها، التزم الصياغة الواقعيّة والزخرفيّة الشعبيّة. ما يؤكد السطوة الكبيرة لفنون الحداثة الأوروبيّة على الفن التشكيلي المغربي المعاصر، وهي سطوة عامة ترخي بظلالها على الحيوات التشكيليّة العربيّة، المعاصرة بقوة كبيرة.

وبالعودة إلى أعمال المعرض، نجد أن عبد الله الحريري، واحد من الفنانين الذين حاولوا توظيف معطيان من الفن العربي الإسلامي في لوحاته التي جمع فيها بين الزخرفة والخط العربي عبر قطوعات هندسيّة مدروسة في تداخلاتها والإيقاعات التي تحدثها من خلال حواراتها غير المتكافئة مع ليونة الحروف والتهشيرات العفويّة، حيث ظلت السطوة للأشكال الهندسيّة الصارمة، على مكونات اللوحة الأخرى.

 

منمنمات

أما الفنان حسن الكلاوي، فقد قارب في تجربته روحيّة المنمنمة الإسلاميّة. وحلق الفنان المهدي القطبي في أفق الحروفيّة، مقدماً لوحة حاشدة بأشكال الحروف، لكنها فقيرة بالدرجات اللونيّة، التي اقتصرت لديه، على السماوي والأبيض.

الفنانة فاطمة حسن، أوغلت في الاستفادة من معطيات الفنون الشعبيّة العفويّة والتزيينيّة الطابع، ما جعل لوحتها تتماهى مع فنون التطريز والنجود والرسوم الشعبيّة (الناييف) وهي لديها حاشدة بالشخوص والحيوانات والزخارف والموتيفات والرموز الموزعة على كامل المساحة، دون الإيهام بالبعد الثالث (المنظور)، وهاتان الخصيصتان (تجنب الفراغ والمنظور) من سمات الفن الإسلامي، لكن رغم ذلك تعيش لوحتها حالة مدهشة من التوافق والانسجام اللوني والشكلي.

 

فن شعبي

على نفس الخطى مضى الفنان عبد الحي الملاح الذي استعار عدة موتيفات ومفردات من الفن الشعبي العربي، ومن الفن الإسلامي، وقام بتوظيفها ضمن بنية تشكيليّة حداثيّة، ثرة بالألوان، جميلة الوقع في عين المشاهد، الأمر الذي يعكس مدى ما تتمتع به البيئة الشعبيّة من دفء وحيويّة وطراوة إنسانيّة تحتاجها الروح الانسانيّة المحاصرة والمقرورة، في زمن سطوة الميكنة حتى على عواطف الانسان!!

أما الفنان حسين الميلودي، فقد حاول مقاربة نفس الهدف، عندما جمع في لوحته، بين موتيفات استلهمها من الفنون البدائيّة (الناييف) والفنون الشعبيّة الزخرفيّة الموضوعة هي الأخرى، بتلقائيّة تتقاطع مع رسوم الأطفال وتتماهى معها. كما قام الفنان الميلودي، بتطريز الشرائط الصفراء اللون والشفافة المشكلة لسطح لوحته، بالكتابات والخطوط الناعمة، لنجد أنفسنا في النهاية، أمام عملٍ فني مُركب، ينتمي إلى أكثر من مرجعيّة بصريّة محليّة.

موتيفات متشابهة

عكس هذه الحالة، نجدها في لوحة الفنان عيسى إيكن الذي استعار موتيفات مشابهة، ولكنه قام برصفها ضمن شرائط عرضانيّة تتوسطها دائرتان زرعهما بمفردة مُكبرة. ولتحريك رتابة هذا التشكيل، قام بإضافة مربعين إلى القسم العلوي من اللوحة، زرعهما أيضاً، بمفردتين مُكبّرتين، فوق خلفية لونيّة مشابهة للدائرة، بغية الربط بينهما شكلاً ودلالة. بهذه الخصائص والحلول التشكيليّة التي عالج بها الفنان والشاعر عيسى إيكن عمله الفني، قاربه بفن الحفر المطبوع، سيما وأنه اقتصد بالألوان التي نفذها بها، وكرر مفرداته بوساطة الطباعة.

 

واقعية تعبيرية

ويذهب الفنان محمد الادريسي في لوحته، إلى الواقعيّة التعبيريّة المختزلة التفاصيل، المدروسة التكوين، المستنبطة ألوانها من تزاوج لونين هما: البني والأصفر، الأمر الذي جعلها تعيش حالة قصوى من التوافق والانسجام. نفس الخصائص تحملها لوحة الفنان حسين طلال. أما الفنانة مليكة أكزناي، فقد عالجت لوحتها بروح زخرفيّة مشحونة بالدفء والحيويّة.

وقارب الفنان عبد الكريم الوزاني، عفوية الأطفال في لوحته، واستشرف الفنان عبد الباسط بندحمان عوالم الواقعيّة التعبيريّة الناهضة على قيم الرسم الدقيق، والألوان القليلة، وعوالم فن الحفر المطبوع في آنٍ معاً.

محمد شبعة، ومصطفى حفيظ وآخرون، قاربوا في أعمالهم، الاتجاهات التجريديّة المتباينة الصياغة. فبعضهم اشتغل على التجريد الأوروبي، وبعضهم الآخر، مزج بينه وبين التجريد الإسلامي، الأمر الذي جعل من هذه التجارب، أصداء للاتجاهات الحداثيّة السائدة في التصوير الغربي المعاصر، الأمر الذي جعلها خارج إطار الخصوصيّة المحليّة، بحيث يمكن نسبها إلى لأي فن في العالم، وهذه الخصيصة تحديداً، لا تنسحب على التشكيل المغربي فحسب، وإنما تطول غالبية التجارب التشكيليّة العربيّة المعاصرة التي ولدت وترعرعت واشتد عودها بين أحضان الفن الغربي.

 

Email