الفنون الشرقية..حبكة تماهي الســـــــــــــمة الاستعمالية بالجمالية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يتميز الفن الشرقي عموماً، والفن الإسلامي خصوصاً، بسمته الاستعماليّة الاستخداميّة. فهو فن موضوع في خدمة الحياة اليومية للإنسان، على تنوعها وثرائها وتعددها. لذا دخل الميادين كافة، كالعمارة الخارجيّة، والعمارة الداخليّة (الديكور) والحِرف والصناعات والمشغولات والأدوات، بفضل مجموعة جماليات محددة يشتمل عليها، تغازل البصر والبصيرة في آنٍ معاً.

من أجل هذا، ولتماهي الفن الشرقي والإسلامي، بالحياة اليوميّة للإنسان، يطالعنا في بيوت السكن، ودور العبادة، والشوارع، والمحال التجاريّة، والأسواق، والمشغولات اليدويّة، والأثاث، والثياب، ووسائل النقل، وغالبية الأشياء والأدوات التي تسعف الإنسان في ممارسة حياته اليوميّة، بيسر وسهولة وإمتاع بصري وروحي.

 

خارج العمارة وداخلها

لقد التصق الفن الشرقي، منذ البداية، بوظائف ومهام لها علاقة مباشرة، بخدمة الحياة اليوميّة للإنسان. أي لا يوجد فيه فن لمجرد الفن كما ظهر في الفنون الغربية.

مع ذلك، ورغم بروز وسطوة القيم الاستعمالية فيه، حافظ على قيم فنيّة وجماليّة مجردة، سبقت في حداثتها وقيمها الرفيعة ما توصل إليه الفن الأوروبي بعد ولادة الاتجاهات الحديثة فيه، وتملصه من سطوة الفن الإغريقي ـ الروماني، وانفتاحه على فنون الشعوب الأخرى التي كان الغرب الأوروبي ينظر إليها نظرة دونيّة، حتى قام مثقفوه وفنانوه، بتغيير هذا الانطباع، عندما اعتمدوا تراث هذه الشعوب، منصة رئيسة للانطلاق نحو الحداثة والمعاصرة.

طاولت عملية تماهي القيم الاستعماليّة والجماليّة في الفن الشرقي، العمارة من الخارج والداخل.

فهي موجودة في كتلة البناء الخارجيّة وعناصرها الشاقوليّة والأفقيّة، والفراغات التي تتخللها، والحركة العامة التي تحققها في الفراغ، وتوافقها مع ما يحيط بها من كتل معماريّة أخرى، أو فراغات، مشغولة بالأشجار والنباتات ومساحات العشب.

ونجد هذا التماهي أيضاً في الزخارف والتزيينات التي ترصع بعض مرافق العمارة الخارجيّة، ومساحات محددة من كتلها الناهضة في الفراغ. تأتي هذه العناصر من المادة التي تم إنجاز العمارة فيها (رخام، حجر، اسمنت) أو من مواد وخامات مضافة (فسيفساء، خزف، قاشاني، رخام ملون، معدن). وقد تأتي على هيئة إضاءة مدروسة (طبيعيّة أو اصطناعيّة).

 

في الأثاث

ونجد خاصية الجمع الموفق بين القيم الاستعماليّة والجماليّة، في العمارة الشرقية الداخلية والتي شاعت اليوم باصطلاح (الديكور). نجدها في الأثاث والأبواب والنوافذ والمنابر والمقرنصات والأقواس ومساند القرآن الكريم ووسائل الإضاءة (قناديل، فوانيس) وفي الحرف والمشغولات اليدويّة المختلفة، المتعددة الاستخدام في الحياة اليوميّة، كالأباريق، والكؤوس، وصناديق الحلي، وقوارير العطر، والمزهريات، والشمعدانات، والمباخر والصواني، والصحون.

ونجدها في البحريات التزيينيّة والفسقيات ومناهل المياه المتعددة المهام، والمقاعد، والأسرة، والطاولات، والكراسي، والخزن، والرفوف، والحواجز التزيينيّة، وفي الخط العربي، والسيوف، والخناجر، والأقنعة، وسروج الخيل، وزينة الجمال، والبسط، والسجاجيد، والأقمشة المنسوجة ... وغير ذلك الكثير. حيث تصر ذائقة الإنسان الشرقي عموماً، والعربي خصوصاً، على زخرفتها وتزويقها وتزيينها وتجميلها، بهدف إرضاء الجانب الآخر في نفسه المعادل للجانب المادي ـ الاستخدامي، هو الجانب الروحي.

تعايش وانسجام

لقد احتضن الفن الشرقي والإسلامي، ببراعة وتعايش وانسجام وإدهاش، القيم الاستعماليّة والقيم الفنيّة الجماليّة، بحيث يرد في آنٍ معاً، على حاجتين إنسانيتين متأصلتين في الكائن البشري، منذ أن وجد وحتى اليوم هما: الحاجة الماديّة، والحاجة الروحيّة.

أي توازن الإنسان مادة وروحاً؟ فالقيم الاستعمالية في الفنون الجميلة والحِرف والمشغولات، تلبي متطلباته المادية اليوميّة في الأكل والشرب والنوم والاغتسال والبيع والشراء والعمل والسفر والاستراحة والتنقل، والقيم الفنيّة الجماليّة المتمثلة في تجميل هيئة المبنى من الخارج والداخل، والتصميم الأنيق للحاجات التي تسعفه على ممارسة حياته اليوميّة، أو تلك التي ينضدها فوق الرفوف، وعلى الطاولات، من تحف وصمديات ومشغولات فنيّة، أو التي تتوسد الجدران والأسقف، من لوحات، وسجاجيد، ومنسوجات، وزخارف، وكتابات، وجميعها يحرص الإنسان الشرقي، على أن تكون جميلة الشكل.

وحاضنة لزخارف وتزاويق وكتابات، لها مداليل وإشارات مرتبطة بذائقته الجماليّة، وبعاداته وتفكيره ومعتقداته وموروثه، لذلك فهي تغازل بصيرته، وتتناغم مع أحاسيسه، وتطلق روحه للتحليق في فضاءات صوفيّة، تطربها، ليسعد بعدها الجسد والروح في وقت واحد، الأمر الذي يفضي إلى توازن الإنسان واستقراره (فيزيولوجياً وسيكولوجياً).

فبقدر ما يحتاج الإنسان إل طعام للاستمرار به ومن خلاله، في الحياة، يحتاج إلى الجمال المتعدد الأشكال والصيغ والمجالات، لتحريك مساحة التخيل لديه، وجعلها فضاءً رحباً لانطلاق أحاسيسه وعواطفه ونزوعاته اللاماديّة، والفنون بشكل عام، خير وسيلة إلى تحقيق ذلك.

سواء البصريّة (عمارة، فنون تشكيليّة، مسرح، سينما، تلفاز) أو شفاهيّة (حكايا، سرديات ومرويات، شعر) أو مكتوبة (رواية، قصص، مقالات) أو سمعيّة موسيقيّة (أغان وقطع موسيقّية).

 

حاجة متناميّة

خاصية التماهي الساحر والمتوافق، بين القيم الماديّة الاستعماليّة والقيم الجماليّة التزيينيّة، في الفنون والحِرف والمشغولات الشرقيّة، تتأكد وتزداد حاجة الإنسان المعاصر إليها، يوماً بعد يوم، لا سيما بعد طغيان الميكنة وسطوتها على حياته وأحاسيسه وعواطفه، فوجود الفن في مرافق حياته اليوميّة الاستخداميّة، وفي العمل الفني الخالص (لوحة، تمثال، محفورة، تحفة، مشغولة يدويّة، أغنية، فيلم سينمائي أو تلفزيوني، موسيقا) يخفف من هذه الميكنة، ويخلل من ضغطها الشديد، المباشر وغير المباشر، على بدنه وروحه.

 

نزعة تجريديّة

 

تغلب النزعة التجريديّة على غالبيّة الفنون الشرقيّة، وهي ذات مداليل ورموز وإشارات، مرتبطة بنمط تفكير الإنسان وعاداته وتقاليده وبيئته.

 

انتشار وتوزع

 

تتوزع النزعة التجميليّة التزيينيّة لدى الإنسان الشرقي لتشمل كل ما يستخدمه في حياته اليوميّة، بدءاً من الثياب، وانتهاءً بوسيلة النقل والأكل والشرب وصمديات البيوت وزخارفها.

Email