الحدائق العامة.. خضرة تطهر الروح ومتنفس يبعث الأمل في المشاعر

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ تعرف الإنسان على جماليات الطبيعة وما تكتنزه من سحر، مريح لبصره وممتع لبصيرته، يمثل فضاء ندياً لنفسه، دأب على رصدها والبحث عن أكثرها تمظهراً وتألقاً وتأثيراً، كما هي حال الحدائق العامة كي يغسل أحاسيسه بها، ومن خلالها، كلما ازدادت الحصارات حول روحه او هد التعب جسده وتكلست عواطفه، بفعل العادة والتعود والروتين اليومي القاتل.

 

اقتصر اهتمام الإنسان، في البداية، على رصد الجماليات الطبيعيّة التي كونتها الطبيعة نفسها، وهي خير المكونين وابرع الفنانين في ابتكار هذه الجماليات، ليرحل إليها كلما شعر بالاختناق. ثم نقلها إلى حيث يسكن ويعيش، ليستمتع بها في غدوه ورواحه. فأدخلها إلى بيته، من خلال النباتات والأشجار والأزاهير.

واعتنى بتنسيقها ضمن حدائق متنوعة الأشكال والصيغ والمكونات، صغيرة خاصة بمسكنه، ثم بحيه وحارته، ثم ببلدته ومدينته. فكانت الحدائق الخاصة، ثم العامة، فالوطنيّة والعالميّة.. ويسوق لنا التاريخ جملة قصص عن حدائق مشهورة، كــ«بابل المعلقة». وللإغريق باع طويل في تنظيم الحدائق التي ربطوها وزينوها بالتماثيل المتنوعة.

 

تعريف وتاريخ

يتداول مصطلح الحديقة: (Garden)، في مختلف أرجاء العالم. وهو يعني مساحة من الأرض خصصت لزراعة مجموعة متنوعة من الأشجار والنباتات والورود والأزاهير والسياجات والمتسلقات والمروج الخضراء. والاشجار التي منها الحراجي التزييني، ومنها المثمر. كما قد تضم الحديقة، بعض الخضار، وجميع هذه العناصر والأشياء، يجب أن ينظم وينسق، وفق حجومه وامتداداته العمودية أو الأفقيّة.

وقد تُضاف إلى تلك المفردات، عناصر معماريّة أو فنيّة تشكيليّة كالتماثيل والنصب التذكاريّة واللوحات الجداريّة والسواقي ومناهل المياه المختلفة والمقاعد والجلسات والمقصورات لتكريس جمالياتها، وتوفير أفضل السبل، لاستقبال الناس بين جنباتها، وتالياً استمتاعهم بمحتوياتها. وهذه العملية مجتمعة، يطلق عليها اليوم اصطلاح (فن تنسيق الحدائق) ويقوم بها في العادة، مجموعة من الأخصائيين، ومن بينهم:

المهندس، الفنان، خبير الزراعة. وينضوي هذا الفن، الذي يدعى (لاند سكيب ديزاين): Landscape Design، ضمن إطار علوم تخطيط الحدائق، التي باتت تُدرس في الأكاديميات والجامعات، انطلاقا من أهميتها البالغة، بالنسبة للبلدات والمدن، وللإنسان بشكل عام.

 

أنواع وطرز

يحدد المختصون بعلم فن الحدائق، أربعة طرز لتنسيق الحدائق: الطراز الهندسي، الذي تُستخدم فيه النباتات التزيينيّة المختلفة، ضمن أنساق هندسيّة في الحديقة، اذ يكون بعضها متناظرا محورياً وشعاعياً، ويصلح هذا الطراز عادةً، للمساحات الصغيرة.

واما الثاني، فهو الطراز الطبيعي، أي ذاك القريب الشبه، مما هو موجود في الطبيعة، والمُشكّل في الأساس من قبلها، حيث تبرز فيه طرقات ملتوية، ويضم نباتات وأشجارا مختلفة. ويتطلب هذا الطراز من الحدائق، وجود مساحات واسعة من الأرض.

ويتكشل الطراز المزدوج (الثالث)، النوع من تماهي الطراز الهندسي والطراز الطبيعي.

واما الطراز الحديث (الرابع)، فمن أهم خصائصه، البساطة في التنظيم والزراعة، وهذا الطراز هو الغالب في أيامنا هذه، ولا سيما بعد المغالاة في التنظيم العمراني والهندسي للأبنية والمدن والبلدات، وسطوة الحس الميكانيكي على مظاهر الحياة ومرافقها، الأمر الذي دفع الناس، للبحث عن مظاهر طبيعيّة بكر، للتخفيف ما أمكن، من حفوة الميكنة التي أحكمت قبضتها على حياة الناس اليوميّة، وتالياً انعكست سلباً على أرواحهم وأجسادهم وأحاسيسهم.

وقد ساد الطراز الهندسي التناظري على غالبية الحدائق القديمة، كالفرعونيّة العائدة لنحو 3000 سنة قبل الميلاد، وعلى الحدائق المعلقة في بابل بالعراق العائدة إلى 2000 سنة قبل الميلاد، والحدائق الفارسيّة (600 قبل الميلاد)، وايضا الإغريقية والرومانيّة (100 قبل الميلاد).

وبالمقابل، ظهرت حدائق طبيعيّة في اليابان (600 سنة قبل الميلاد)، وفي الصين (140 سنة قبل الميلاد). ثم جاءت حدائق محددة التكوين والمعالم، في الفترة التي هي ما بعد ميلاد السيد المسيح، كالحدائق الشاميّة التي طُعّمت بنباتات وأشجار جديدة، كالياسمين والحمضيات والسرو والآس والنخيل والمشمش الهندي والنانرج، وكذا عدد كبير من النباتات والأزاهير المنوطة بها مهام عديدة، منها:

الشم، اللمس، المنظر. أو لاستخدامها في صنع المربيات والشراب البارد والساخن، وفي الطبابة أيضاً. ونقل أهل الشام، هذا الفن إلى اسبانيا، ومنها انتقل إلى غالبية الدول الأوروبيّة. وقد أُضيف إلى حدائق الأندلس الماء، ومن أشهرها: حدائق قصر الحمراء، وحدائق جنة العريف في غرناطة. وفي عصر النهضة، في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، عادت الحدائق الهندسيّة للظهور، ومن أشهرها:

حدائق قصر فرساي الفرنسية الشهيرة، والحدائق الإيطاليّة على سفوح الجبال. وبدءاً من أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، ظهرت الحدائق الحديثة التي ارتبطت شكلاً وتصميماً وموجودات، بالأماكن والبيئات التي نهضت فيها، وهي متباينة وفقاً للمناخ السائد في هذه البيئات، والوظيفة المنوطة بها، حيث ظهرت الحدائق العامة الكبيرة أو الصغيرة داخل المدن والبلدات، والحدائق الخاصة ضمن المنازل أو أمامها وحولها، والحدائق المتخصصة كالحدائق الصخريّة والمائيّة والجبليّة. وحدائق الورود أو الشوكيات والصباريات والدفينات والغاطسة والساحليّة.

وحدائق التنسيق الداخلي القائمة على خيال المصمم، والتي ربما يناط بها أكثر من مهمة، ومنها تغطية بعض عيوب البناء أو الموقع الموجودة فيه، أو الإيهام باتساع المكان، من خلال اعتماد أنواع معينة من الأشجار والنباتات والورود، وتوزيعها ضمن أنساق مدروسة، لتحقيق الإيهام المطلوب.

 

علم وفن ومتنفس

للخروج بتصميم حديقة، ناجح وجميل، لا بد من تعاون المهندس الإنشائي والفنان التشكيلي والمهندس الزراعي والحرفي الخبير في الزراعة وفي علم النباتات. ولا بد ايضا من مراعاة تصميمها بناء على محور جوهري هو موضوعها والهدف منها، وأن تتناسب مقاساتها مع الفراغ المحيط، وان يحرص فيها على سيادة العنصر النباتي الأخضر، وتنوعه في آنٍ معاً، والاتساع والبساطة والوحدة والترابط، الى جانب التكرار والتنويع في عناصرها. وايضا، وفي الوقت نفسه: التنافر والتوافق بينها.

كما يجب مراعاة التناظر والتوازن والتوزيع المدروس للظلال والأضواء التي تتشكل من عملية التنويع في ألوان وحجوم وتموضــع العناصر النباتيّة أو المعماريّة أو العنصراتيّة، بين جنبات الحديقة، سواء في النهار، بتأثير ضوء الشمس الطبيعي، أو في الليل، حيث يجب أن تُدرس الإضاءة وتوزع بشكل يبرز جمالية عناصرها ويؤكدها.

ويزيد من بهائها وتأثير هذا البهاء في عيون وأحاسيس الناس الذين يؤمونها للاستراحة من مسير طويل، أو قضاء حاجة، أو تزجية وقت الفراغ، أو للاستمتاع بظلال أشجارها، وأصوات طيورها، ومشاهد نباتاتها، وزهورها ومياهها وما تضم من جماليات أخرى، طبيعيّة وصناعيّة، اسهم في تكوينها وتأليفها: الطبيعة والمهندس والفنان والزراعي.

ولأن الحدائق رئات المدن وأبرز مظاهر جمالياتها، ورموز تحضرهـــا ورقيها، والمتنفــس الرئيس لفقرائها الذين ليس بمقدورهم امتلاك حديقة خاصة، أو الوصول إلى الأماكن التي تكتنز على الجماليات التي كونتها الطبيعة في الغابات والجبال وشواطئ الأنهار والبحار. وصارت الحدائق العامة، محط اهتمام الدولة التي أنشأت مديريات خاصة لها في مجالس المدن والبلدات، للإكثار منها ورعايتها.

حدائق دبي.. حكاية وجمال

حرصت دولة الامارات العربيــة المتحدة على جعــل هـــدف انشاء الحدائق، وتصميمها بشكل مثالي فريد على صعيد العالم، من الأولويات. وهكذا اهتمت بجعل الحدائق كجوهر واساس هدفها في توسيع المساحات الخضراء في الدولة. وهو ما انتج اكتسابها مكانة وسمعة عالمية حيوية في هذا الصدد.

واللافت هنا، بروز الحدائق في دبي كمحور عمل ورؤية استراتيجية ترمي لجعلها تشكل بأهميتها وجماليات تصاميمها ووظائفها، قوام قصيدة شعر ساحرة وجاذبة، تعزفها الحان تجديد وتطويـــر لا يخفت بريقها.

إذ يجد الزائر لدبي او المقيم في هذه المدينة الساحليـــة (الصحراوية القاحلة سابقا)، انها باتت بساطا اخضر مفروشا بأنواع الزهر والشجر ومزينا بسجادة عشب تغطي الأرض بلون بهيج في انتشارها في مناطق كثيرة. وبالتوازي، تحرص دبي، دوما، على صقل وتقوية اساليب وادوات العمل الخاصة برفد مكونات الطابع الجمالي والحضاري، لتتجسد كمثال بارز ونموذجي للمتنزهات العائلية، ذات الطابع العالمي بكل المقاييس.

ولتكون بذلك احدى مفردات المنجزات الحضارية التي تفخر بها الإمارة، والتي تقوم على اساس علمي في التصميم والوظائف، خصوصا في ظل تميزها بالرقي والنظافة والاشتمال على مرافق حيوية وترفيهية ذات جوهر ثقافي وقيمي. وطبعا، مع مراعاتها لتوفير كافة متطلبات ومستلزمات الترفيه العائلي.

ومن ابرز الحدائق الموجودة في دبي: الممزر، الخور. زعبيل، الصفا، شاطئ جميرا، مشرف.

إضافة الى عدد كبير من الحدائق الأخرى، اقل مساحة، مثل: حديقة ام سقيم وحديقة كورنيش السيف وحديقة ميدان بني ياس وحديقة الراشدية.

والبارز هو تميز الحدائق في دبي، الى جانب سمات انتشارها المدروس والكثيف، الذي يغطي مختلف انحاء ومناطق دبي، بأنها توفر اجواء عائلية نموذجية، تتيح فرصة التنزه والحصول على المتعة الكاملة لمختلف شرائح وجنسيات افراد المجتمع في الدولة، علاوة على اعتنائها بتقديم كافة ادوات ومنافذ الترفيه المثالي الهادف للأطفال.

كما يشتمل الكثير منها على مسطحات مائية خاصة، وايضا تضم الكثير من انواع الطيور، اضافة الى الأشجار والشواطئ البحرية، وغير ذلك. حاز فيلم «الحديقة الجوراسية»، للمخرج الاميركي ستيفن ألان سبيلبرغ (اربعة اجزء)، على جائزة الأوسكار، واعتبر ثورة في مجاله بعالم السينما.

وهو مقتبس من كتاب لمايكل كريشتون . وتحكي قصته عن حديقة للديناصورات المحنطة، والتي تم تفكيك شيفرتها الوراثية، ومن ثم اخذت تكون بيوضها فتوالدت الديناصورات. ونتـــج عن هذا عدة مضاعفات وقصص واحداث متنوعة في المجتمع، سمتها بالغالب، الرعب والهول والدمار.

«ياسمين نزار وحدائقه»

ارتبط نزار قباني بعطر الحديقة الدمشقية، فكانت تفوح بعطرها وتتالق ببهائها في دوحة قصائدها التي جدل فيها الفة وسحر اقتصر اهتمام الإنسان، في البداية، على رصد الجماليات الطبيعيّة التي كونتها الطبيعة نفسها، وهي خير المكونين وابرع الفنانين في ابتكار هذه الجماليات، ليرحل إليها كلما شعر بالاختناق. ثم نقلها إلى حيث يسكن ويعيش، ليستمتع بها في غدوه ورواحه.

فأدخلها إلى بيته، من خلال النباتات والأشجار والأزاهير، واعتنى بتنسيقها ضمن حدائق متنوعة الأشكال والصيغ والمكونات، صغيرة خاصة بمسكنه، ثم بحيه وحارته، ثم ببلدته ومدينته. فكانت الحدائق الخاصة، ثم العامة، فالوطنيّة والعالميّة.. ويسوق لنا التاريخ جملة قصص عن حدائق مشهورة، كــ«بابل المعلقة». وللإغـــريق باع طويل في تنظيم الحدائق التــي ربطوها وزينوها بالتماثيل المتنوعة.

 

تعريف وتاريخ

يتداول مصطلح الحديقة: (Garden)، في مختلف أرجاء العالم. وهو يعني مساحة من الأرض خصصت لزراعة مجموعة متنوعة من الأشجار والنباتات والورود والأزاهير والسياجات والمتسلقات والمروج الخضراء. والاشجار التي منها الحراجي التزييني، ومنها المثمر. كما قد تضم الحديقة، بعض الخضار، وجميع هذه العناصر والأشياء، يجب أن ينظم وينسق، وفق حجومه وامتداداته العمودية أو الأفقيّة.

 وقد تُضاف إلى تلك المفردات، عناصر معماريّة أو فنيّة تشكيليّة كالتماثيل والنصب التذكاريّة واللوحات الجداريّة والسواقي ومناهل المياه المختلفة والمقاعد والجلسات والمقصورات لتكريس جمالياتها، وتوفير أفضل السبل، لاستقبال الناس بين جنباتها، وتالياً استمتاعهم بمحتوياتها.

وهذه العملية مجتمعة، يطلق عليها اليوم اصطلاح (فن تنسيق الحدائق) ويقوم بها في العادة، مجموعة من الأخصائيين، ومن بينهم: المهندس، الفنان، خبير الزراعة. وينضوي هذا الفن، الذي يدعى (لاند سكيب ديزاين): Landscape Design، ضمن إطار علوم تخطيط الحدائق، التي باتت تُدرس في الأكاديميات والجامعات، انطلاقا من أهميتها البالغة، بالنسبة للبلدات والمدن، وللإنسان بشكل عام.

Email