الموسيقى الأندلسية إبداع وحداثة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الموسيقى من أكثر الفنون تأثيراً في النفس، حيث تنقل المستمع إلى حالة من النشوة الروحية والارتقاء بالمشاعر. وما يمنح الموسيقى قوة تأثيرها، تطورها الدائم الذي يحمل دوماً بعد مرحلتها الزمنية. ويعتبر فن الموسيقى الأندلسية، فناً عربياً فريداً قائماً بحد ذاته.

 

وصف الفيلسوف والعالم العربي يعقوب بن اسحاق الكندي (800 873) الذي وضع أول سلم للموسيقى العربية بالأحرف الأبجدية الموسيقى بقوله، (تعمل الموسيقى على توسيع وتقليص وتهدئة انفعالات الروح). وأسوة بجميع الفنون والعلوم العربية التي تألقت في عصرها الذهبي، برزت الموسيقى الأندلسية .

وبدخول الإسلام إلى الأندلس عام 713 م. أقامت خلافة أموية منفصلة عن الخلافة العباسية في بغداد، خلافتها في الأندلس واتخذت من قرطبة عاصمة لها، وأنشأت في القرن التاسع الميلادي مدارس كان القصد منها التفوق على مدارس بغداد. وتـُوج إنشاء المدارس والمعاهد بتأسيس أول كلية موسيقية في سالامانك. وأصبحت قرطبة بؤرة للثقافة الموسيقية، وصدحت فيها وفي غيرها إبداعات امام الغناء العربي زرياب الذي تلقن أصول الموسيقى الفارسية والعربية على يد الموسيقار الفذ اسحق الموصلي.

 

زرياب والفارابي

في البداية توجه أبو الحسن علي بن نافع مولى المهدي الملقب بزرياب إلى مدينة قيروان بالمغرب ، بعدما أُبعد عن بغداد لانتشار صيته في الغناء وخشية معلمه اسحق الموصلي من تفوقه عليه، والتحق بخدمة بني الأغلب. وعندما غضب عليه زيادة الله الأغلبي، ركب البحر إلى الأندلس، فكان عند الأمير ابن الحكم. في الأندلس لقي حفاوة كبيرة.

واعتبر أحد أركان الغناء العربي بالأندلس، حيث كان أول من أدخل غناء المشارقة إلى المغرب، وما عُرف بألحان الموشحات الأندلسية. وسرعان ما اشتهر مذهبه في التعليم. وبدأ بتعليم تلاميذه الإيقاع أولاً لضبط حركات اللحن، ثم الغناء على الإيقاع دون ترسل، وبعدها الغناء بإيقاع وترجيع.

إضافة إلى زرياب، برز عبقري آخر هو الفيلسوف والطبيب محمد الفارابي (874 950)، حيث رويت عنه الأساطير في باب الموسيقى، فهو من اخترع الآلة الموسيقية المعروفة بالقانون إلى جانب كتابه (كتاب الموسيقى الكبير)، و(في إحصاء الإيقاع)، و(كلام في النقلة). كما ساعد على ازدهار الموسيقى الأندلسية، تعدد الآلات الموسيقية المستخدمة، كالعود ذات الخمسة أوتار بدلاً من أربعة، مع استخدام القيثارة والقانون والرباب والكمنجة والسرناي (آلة تركية)، والعديد من الآلات الجديدة.

 

تحرر الشعر

وواكب النهضة الموسيقية في الأندلس، تحرر الشعر العربي من قيود أوزان الشعر المتعارف عليها، ليبرز فن الموشح. ونظمت الموشحات بصورة تلائم التلحين والغناء، بعيداً عن علوم العروض والقافية.

وقد عرف ابن خلدون ( 1332 - المصادف 1406 ) الموشح بما يلي، (وأما أهل الأندلس فلما كثر الشعر في قطرهم ، وتهذبت مناحيه وفنونه، وبلغ التنسيق الغاية استحدث المتأخرون منهم فناً سموه الموشح ينظمونه أسماطاً أسماطاً ، أغصاناً أغصاناً ، يكثرون من أعاريضها المختلفة ، ويسمون المتعدد منها بيتاً واحداً ويلتزمون عند قوافي تلك الأغصان) .

 

ثقافة الجواري

ساهمت الجواري اللواتي حظين بمرتبة عالية من العلوم والمعرفة والأدب، في رفد الشعر الأندلسي وموسيقاه بإبداعاتهن التي كان لها تأثير كبير. وقد حظي غناء الجواري بالاهتمام الأكبر، وفي مقدمتهن العجفاء جارية الأمير عبد الرّحمن الدّاخل، وقمر جارية إبراهيم بن حجّاج، وقلم وعلم ومتعة جواري زرياب اللواتي بلغن شأنًا عظيمًا في هذه الصّناعة، وأسهمن معه في تدريب المغنّين والمغنّيات على إجادة الغناء والعزف في المعهد الموسيقيّ الّذي أسّسه في قرطبة، ومن أشهر خرّيجات هذا المعهد مصابيح جارية الكاتب أبي حفص بن قهليل.

على صعيد الشعر والتلحين، يمكن الاطلاع على كتاب (مسالك الأبصار) لابن فضل العمريّ، الذي عني بتسجيل المقطوعات الشعرية التي غنتها هؤلاء الجواري، واشتمل أغلبها على الغزل العذريّ والمديح، والقليل منها على الشكوى والحنين. ولم يقتصر غناء الجواري على المقطوعات الشعريّة التي نظمها شعراء مشهورون أو لحنّها كبار الموسيقيين، بل اشتهرن بأغانٍ كتبن أشعارها ووضعن ألحانها، وأبرزهن جواري الحكم ( الرّبضي) اللواتي وضعن عدة ألحانًا للفوز بمسابقة عقدها الحكم، وكان الفوز بنصيب جارية اسمها (بهجة) الّتي وضعت لحناً لأحد أشعار عروة بن حزام، كما وضعت لحنًا للحكم في شعر أبي تمّام.

 

هجرة الموسيقى

بعدما سقطت الأندلس، انتقلت الألحان والآلات الموسيقية كالعود والقيثارة والطنبور مع سكانها إلى بلدان شمال افريقيا المجاورة. وطورت هذه البلدان وأبرزها المغرب وتليها الجزائر وتونس وليبيا، الموسيقى الأندلسية وأضافت إليها من خصوصية ألحانها المحلية، التي جمعت بين النغم والإيقاع. وتعتبر النوبة أهم قالب في الموسيقى الأندلسية.

وتعتبر المغرب من البلدان التي حافظت على هذا التراث الموسيقي، حيث أسست العديد من الجمعيات الفنية الخاصة بالحفاظ على هذا الفن وضمت موسيقيين وموسيقيات من مختلف الأجيال، ومن أبرز تلك الجمعيات، الجمعية الإدريسية لهواة الآلة بمدينة فاس، علماً أن أهل المغرب يطلقون اسم (الآلة) على الموسيقى الأندلسية.

 

النوبة

كانت النوبة في الأصل 24 وحدة بعدد ساعات اليوم، حيث توافق كل نوبة زمن ساعة من اليوم ولا تغنى إلا في الساعة الموافقة لها. ولسوء الحظ لم يصلنا منها سوى 11 نوبة فقط والتي اشتهرت بها المغرب. وتحمل كل نوبة اسماً خاصاً بها وهي كالتالي:

1ـــ نوبة رمل الماية.2 ــ نوبة الماية.3 ــ نوبة الرصد.

4 ــ نوبة رصد الذيل.5 ــ نوبة الحجاز الكبير.

6. نوبة الحجاز المشرقي.7. نوبة عراق العجم.

8 ــ نوبة الأصبهان.9 ــ نوبة العشاق.

10 ــ نوبة الاستهلال.11 ــ نوبة غريبة الحسين.

وتنقسم كل نوبة في الموسيقى الأندلسية إلى خمسة ميازين أو إيقاعات، وتنقسم كل النوبات إلى الميازين التالية:

1 ــ البسيط.2 ــ البطايحي.3 ــ القائم ونصف.

4 ــ القدام.5 ــ الدرج.

 

أندلسيات البلدان

برزت في مدينة الجزائر مدرسة غرناطة الموسيقية، ومدرسة إشبيلية بمدينة قسطنطينة، ومدرسة النوبة في تونس، ومدرسة مالوف في ليبيا. والمالوف هو الموروث الغنائي الأندلسي عند الليبيين، ويجمع بين النصوص الأدبية والإيقاعات، والمقامات الموسيقية، والتي تم تطويرها ليضاف إليها الزجل والدوبيت والقوما. ويقدم المالوف في المناسبات الاجتماعية والدينية

ويتجلى تأثر الغرب بهذه الموسيقى من خلال موسيقى التروبادور في فرنسا، حيث تواصلت هذه الفئة بصورة وثيقة مع الثقافات الشرقية خاصة أثناء الحرب الصليبية. كما نقل المنشدون المتجولون الذين هاجروا بعد سقوط الأندلس إلى أوروبا، هذا الفن الذي صادف هوى في نفوس عدد كبير من الشعوب الأوروبية.

وحملت الموسيقى الأوروبية في القرن الثالث عشر نكهة شرقية واضحة، خاصة فيما يتعلق بالإيقاعات، كما ساهم المحتلون العثمانيون في الحفاظ على هذا الفن نتيجة لولعهم الشديد بالموسيقى ولتدل في نسيج موسيقاهم وتصبح جزءاً من نسيجها فن الموشحات.

 

فنون الموشحات

يعتبر موشح (أيها الساقي) لأبي بكر ابن زهر، حفيد أبي مروان عبد الملك ابن زهر، من الموشحات الذائعة الصيت والبالغة الدقة والتصوير، ونموذجا للموشحات التامة. ويتغنى ابن زهر، في ظاهر موشحه بالخمرة، ويقصد بها الشعر التقليدي، كان يحلو لهم أن يبدأوا به موشحاتهم، ويقول:

أيها الساقي اليك المشتكى

قــد دعونـــاك وإن لــم تسمع

ونديــم همــت في غرتــــه

وبشرب الــراح مـــن راحته

كلما استيقظ من سكرتـــه

جـــذب الــزق اليه واتكـــى

وسقاني اربعـــاً فــي اربــع

ما لعيني عشيت بالنظــــر

أنــــكرت بعــدك ضوء القمر

وإذا ما شئت فاسمع خبري

عشيت عيني من طول البكا

وبكى بعضي على بعضي معي

وموشح جاءت معذبتي - الصمه الكشيري

جاءت معذبتي في غيهب الغسق

كأنها الكوكب الدري في الأفق

نورتني يا خير زائرة فقلت

أما خشيتي من الحراس في الطرق؟

ودمع العين يسبقها فجاوبتني

من يركب البحر لا يخشى من الغرق

 

 

Email