الأدب الكلاسيكي إبداع لا يشيخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما هو الأدب الكلاسيكي؟ وما هي مقوماته؟ وما الذي يميزه؟ أسئلة تناولها الأدباء والنقاد على مر العصور، وتعددت الآراء في تعريفه بين المحتوى والكم أو الاثنين معا، إضافة إلى دوره الريادي في المجتمع.

 

الأدب الكلاسيكي مصطلح يطلق بصورة عامة، على الأعمال التي لا تزال تقرأ على الرغم من مضي زمن طويل على صدورها، ابتداء من الحضارة الإغريقية والرومانية والصينية وحتى القرن العشرين. كما يشمل الأعمال التي تقرأ من قبل مختلف الثقافات، أي التي يتواصل ويتفاعل معها القراء في كل زمان ومكان، ومن مختلف المراحل العمرية.

ليس هذا فحسب، فالأعمال الكلاسيكية تفتح للقارئ نافذة يرى من خلالها جانبا من حياته وحياة الآخرين، لتضيف إلى معرفته وتوسع آفاق تفكيره، والتي تدفعه إلى التأمل والتعاطف والارتقاء بوعيه، وفي بعض الأحيان إضاءة جانب معتم من عالمه وبالتالي الكشف عما كان خافيا عليه في منظومة الحياة والمجتمع.

كما يستنهض هذا النوع من الأدب، المشاعر النبيلة في الإنسان التي تجلو الروح وتحررها من شوائب الحياة اليومية، والمفاهيم المادية الاستهلاكية التي تغرب الإنسان عن نفسه ومحيطه، كما تساعده على فهم ثقافات الشعوب والأخرى والتعرف على منظومة تفكيرها ونمط حياتها.

وعلى المستوى الفردي يطلق بعض النقاد والأكاديميين، مصطلح الأدب الكلاسيكي على الأعمال التي يعود إليها القارئ مرات ومرات، إما ليستشهد بها أو ليلوذ بعالمها بحثا عن السكينة وربما المزيد من الفهم، ليستمد من قراءاته لها شحنة جديدة من الطاقة التي تساعده على التجدد والإقبال على الحياة بتفاؤل، وفي بعض الأحيان قراءتها برؤية ودلالات جديدة بمراحل عمرية مختلفة.

كان الأدب الكلاسيكي في القرن الثاني الميلادي يعني الكتابة الأرستقراطية الرفيعة الموجهة للصفوة من المجتمع الأوربي، ثم انسحب على الأدب الجيد ذي الأسلوب الرفيع الذي يدرس في المدارس في القرن السادس عشر الميلادي. وغاب مجدداً بعد مضي ثلاثة قرون، ليخبو في القرن التاسع عشر خاصة مع بروز الأدب الرومانسي.

وفي العصور الحديثة أصبح مداره الأدب الذي يبرز المثل الإنسانية المتمثلة في الخير والشر والحق والجمال. وهذه المثل لا تتغير باختلاف الزمان أو المكان أو الطبقة الاجتماعية.

 

مقومات الأدب الكلاسيكي

يتميز الأدب الكلاسيكي بعدة محاور جوهرية مثل اللازمنية، والمضمون الذي يتناول التجارب الإنسانية والتفاعل مع ثقافات مختلفة.

 

اللازمنية

يصنف العمل الأدبي الجيد باللازمنية، حينما يقدم المتعة للقراء جيل بعد آخر. ومثال على ذلك الملاحم والأساطير التي تحكي عن الشجاعة والمغامرة والبطولة والحب والحروب، كملحمة (جلجامش) التي تعتبر أقدم نص أدبي من الحضارة السومرية التي بدأت منذ الألف العاشر قبل الميلاد، وتشير الألواح الطيبنية المكتوبة باللغة الأكادية والموجودة حالياً في المتحف البريطاني، من التوقيع أسفلها لاسم شين ئيقي ئونيني الذي يتصور البعض أنه كاتبها.

 

في كلاسيك الغرب

من حضارة الإغريق الإلياذة والأوديسة للشاعر هوميروس 4 من القرن الثامن قبل الميلاد، وترويان قصة حصار مدينة طروادة عام 1200ق.م، وتدور حول الإرادة الحرة للإنسان. وتبدأ أحداث قصة الأدويسة بعد نهاية الإلياذة، وعودة البطل أوليس ملك إيثاكا وصاحب فكرة حصان طروادة، إلى وطنه وزوجته بينلوب.

والإنيادة للأديب والشاعر الروماني بوبيلوس فيرجيلوس مارو المعروف باسم فيرجيل (70 ق م 19 ق م) التي أنجزها في القرن التاسع عشر قبل الميلاد.

 وقد عمد فيرجيل في الحقبة الأخيرة من عمره إلى كتابة الإينيادة التي خطط لها أن تكون النسخة الرومانية من الإلياذة والأدويسة الإغريقية. ولتحقيق ذلك جمعهما في ملحمته مع العديد من الأساطير الأخرى والخيال إلى جانب التحوير والابتكار. ومع كل حدث في ملحمته تتفرع أسطورة أخرى أغلبها عن الصراع السائد بين الآلهة التي تتضامن كل منها مع إحدى شخصيات العمل.

وفي القرن السادس عشر، أعمال وليام شكسبير (1564 1616) التي لا تزال تحظى بشريحة واسعة من القراء حتى يومنا هذا، كأنما كتبت قبل سنوات. وتميزت مسرحياته الأولى بشكل عام بجمعه بين الكوميديا والتاريخ، ليرتقي بها إلى ذروة التعقيد والحبكة الفنية في نهاية القرن السادس عشر، ليكتب بعد ذلك المآسي حتى بدايات عام 1608. وفي مقدمتها هاملت، والملك لير، وماكبث.

 

في كلاسيكيات الشرق

نجد في ثقافات الشرق، ملحمة المهابهاراتا في الهند التي تعود ألف وخمسمئة عام قبل الميلاد، وتروي تاريخ وحكمة وأساطير البلد من خلال قصيدة طويلة تبلغ مائة ألف بيت، وتجمع العقائد ومختلف الفلسفات المتواجدة على أرضها.

ويعود تاريخ (حكاية جينجي) في اليابان إلى ما قبل ألف عام وكاتبتها موراساكي شيكيبو تنتمي إلى الطبقة المتوسطة من النبلاء، وترصد من خلالها العلاقات بين الرجال والنساء، والظروف البائسة التي كانت النساء يواجهنها.

وفي الشرق العربي تبرز المعلقات في أدب الجاهلية، و(ألف ليلة وليلة)، و(كليلة ودمنة) لابن المقفع (724 ـ 759 )، و(منطق الطير) لفريد الدين العطار النيسابوري (1155- 1230) المتصوف الفارسي الذي حظي بعظيم التقدير والمنزلة الرفيعة ويقدم دراسة مزدوجة لشخصه ومنظومة «منطق الطير» التي تشهد بإبداع صاحبها في النظم، و(البخلاء) للجاحظ (776 868) وهو كتاب أدب وعلم وفكاهة، و(الأغاني) لأبي فرج الأصفهاني (897 967)، يقال إنه جمعه في خمسين سنة، وحمله إلى سيف الدولة بن حمدان فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه.

والعقد الفريد لابن عبد ربه المتوفي سنة 328 هـ، ألفه في وقت كانت فيه قرطبة في أوج ازدهارها، وهو ذو طابع أدبي موسوعي تتسم مادته بالغزارة والتنوع ويحتوي على نصوص الشعر والنثر والخطب والوصايا والرسائل كما حوى معارف في الفقه والحديث والتاريخ والعروض واللغة والأخبار، مع وصف لمجالس اللهو والطرب التي اتسم بها أهل الأندلس وعرفوا بها بين أهل الشرق.

 

في المضمون

تركز الأعمال الكلاسيكية في مواضيعها الرئيسية على محور إنساني غير مرتبط بظرف آني أو إيديولوجيا محددة، وتتجلى هذه المعاني والمحاور من خلال شخصيات العمل. فكم من شخصيات ابتكرها الأدباء أصبحت شهرتها تنافس الأحياء مضرباً للمثل.

نجد في الأدب الغربي، شخصية جيكل وهايد التي ابتكرها عام 1886 الروائي السكوتلندي روبرت لويس ستيفنسون (1850 1894)، وترمز إلى ازدواجية الإنسان وجمعه بين المتناقضات كالخير والشر، وأقصى العنف إلى جانب العذوبة والوداعة.

وشخصية آنا كارنينا التي ابتكرها ليو تولستوي (1828 1910) في عام 1877، وترمز إلى المرأة التي تحاول العيش بقناعاتها الداخلية مدفوعة بمصداقية مشاعرها الداخلية، والتضحية بكل ما لديها تلبية لهتاف الحب الذي خذلها في صورة الحبيب والمجتمع المزيف الذي نبذها لخرقها نواميس عاداته وتقاليده.

وفي الأدب العربي تبرز شخصية (سي السيد) أو السيد أحمد عبدالجواد التي برزت في ثلاثية الروائي المصري نجيب محفوظ (1911 2006) الذي فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1988. برزت سي السيد من الثلاثية الروائية (بين القصرين) عام 1956، و(قصر الشوق) 1957، و(السكرية) 1957، التي تجسد الشخصية الإيجابية من الظاهر تبعا لرؤية المجتمع.

والسلبية من الداخل. إلى جانب تعامله مع المحيط بوجهين متناقضين فمع العالم الخارجي تجده مرحاً وبشوشا وفي عالم أسرته متجهماً ومكفهر الوجه، بعكس زنوبة التي كانت تعمل عند العالمة، وهي السلبية عند المجتمع والإيجابية من الداخل، كما أنها نموذج للذي يعيش قلبه في ثورة وعذابات، وعقله في حيرة لم تنته بعد.

 

 

 

 

Email