أشهر معتقل في غوانتانامو يروى تفاصيل التعذيب

أشهر معتقل في غوانتانامو يروى تفاصيل التعذيب

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأول من مايو الماضي أفرج عن مصور الجزيرة سامي الحاج الذي اعتقل في سجن قاعدة غوانتانمو الأميركية في كوبا منذ عام 2002 حيث جرى إرساله مقيدا ومعصوب اليدين والقدمين بواسطة طائرة عسكرية أميركية إلى بلاده. وقد أخضع الحاج طوال فترة اعتقاله للتعذيب بصورة منتظمة ولنحو 200 جلسة تحقيق. وكان الحاج اتهم بأنه أجرى مقابلة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وبتهريب أسلحة لحساب إرهابيين إسلاميين، وهي الاتهامات التي لم تتوفر على دليل.

«البيان» التقت الحاج الذي كشف لها عن الكثير من الفظائع التي ارتكبت في حق المعتقلين بغوانتانامو والتي تتناقض مع أبسط قواعد حقوق الإنسان التي ترفع الولايات المتحدة شعارها. ويضيف الحاج: لا زال يقبع في سجن غوانتانمو نحو 240 معتقلا منهم أربعة سودانيين و100 يمني و13 سعوديا و10 ليبيين و4 فلسطينيين وعدد آخر من المعتقلين الجزائريين والتونسيين والأفغان. ويضيف ان مسؤولية الإفراج عن هؤلاء تقع علينا جميعا.

الصفحة لم تطو

لا يعتبر سامي الحاج الذي يعيش في العاصمة القطرية الدوحة حيث يعمل الآن رئيسا لقسم الحريات وحقوق الإنسان في قناة الجزيرة أن قصته طويت بعد الإفراج عنه فهو يسخر إمكاناته لمتابعة أوضاع المعتقلين المتبقين في معتقل غوانتانامو ويقول في هذا الصدد: هذه أمانة حملناها من إخواننا في المعسكر الذين تركناهم خلف ظهورنا وهو واجب تجاههم، سواء كنت معهم أو لم أكن معهم فواجبنا نحن كإعلاميين أن نناصر قضية المعتقلين في غوانتانامو بحكم أنها قضية عادلة.

فهم رجال أوتي بهم من شتى بقاع العالم، تم شراؤهم بأموال وزُج بهم في ذلك المكان، واعتقلوا اعتقالا تعسفيا، ولم تتح لهم أي فرصة للتواصل مع أهاليهم وذويهم، أو الحصول على محاكم عادلة، ونحن نشكك في المحاكم ونشكك أيضا في عدالة القضاء الأميركي تجاه هؤلاء في المحاكم العسكرية وغيرها، فالواجب علينا أن نفضح كل الممارسات التي حصلت في غوانتانامو.

ويكشف الحاج انه سعى لدى عدد من الدول العربية ولدى فنزويلا أن تتدخل لقبول 4 من المعتقلين الفلسطينيين في غوانتانامو الذين لم تثبت عليهم أية تهمة وترفض أية دولة استقبالهم مضيفا أن هناك 240 معتقلا في غوانتانمو 99% منهم عرب من دول عربية لم تثبت عليهم أية تهم وللأسف الشديد لا توجد رغبة من بلادهم في عودتهم وحاولنا أن نخاطب الرؤساء عبر القمة العربية حتى يقوموا بواجبهم تجاه هؤلاء المعتقلين ولكن للأسف الشديد لا حياة لمن تنادي.

قضايا جماعية

ويعبر سامي الحاج عن عدم ثقته بالقضاء الأميركي والنظام القضائي في الولايات المتحدة الأميركية، ويقول بهذا الصدد: لقد أصدرت المحكمة العليا حكما لصالحنا لكن جرى اغتصاب هذا الحق منا من قِبل الكونجرس الأميركي والرئيس الجديد للولايات المتحدة اوباما الذي جاء بشعار التغيير فرض حصانة على المحققين الذين قاموا بتعذيب المعتقلين في غوانتانامو والمعتقلين في السجون السرية.

ويضيف هناك جهودا مبذولة لرفع القضايا ضد هؤلاء الأشخاص ليس طلباً في التعويض، فمال الدنيا لن يعوضنا عن أيام مضت ولكن من خلال هذه القضايا التي نحن بصدد رفعها نريد أن نثبت في التاريخ الجرائم التي اقترفت كما نريد أن نرد بعض حقوق إخواننا الذين قتلوا في غوانتانامو على أيدي إدارة معسكرهم من خلال قضايا جماعية سنرفعها إلى المحاكم الأميركية بصفة خاصة وإلى المحاكم الأوروبية كذلك وإن شاء الله نحاول بكل ما أوتينا بقوة أن نقدم قضيتنا إلى كل المحافل التي نظن أننا ننال من خلالها بعض من حقوقنا.

السجين 345

اشتهر سامي الحاج باسم السجين 345 في معتقل غوانتانامو، ويقول عن ذلك للأسف الشديد في السجون يصبح الإنسان رقم ينادى، وأول رقم أطلق علي هو 35 في سجن باجرام العسكري ثم تغير في سجن قندهار إلى الرقم 484 ثم في أواخر أيامنا في قندهار تم اعطائي الرقم 345 والذي حملته أيضا في غوانتانامو وأجد لهذا الرقم وقع في نفسي.

وعن طبيعة التحقيقات التي كانت تجرى معه طوال فترة اعتقاله يقول كانت الأسئلة التي كانت تطرح على المعتقلين في غوانتانامو عبارة عن أسئلة لجمع معلومات فالولايات المتحدة الأميركية دخلت هذه الحرب وهي لا تملك معلومات سابقة عن المجتمع المسلم وأرادت من خلال الأسئلة التي تطرحها على المعتقلين جمع أكبر قدر من المعلومات ولم تكن من خلال الاستجواب تلوح بالإدانة، فكانت الأسئلة عن خلفيات المعتقلين ومجتمعاتهم وبلدانهم.

ويضيف: وبالنسبة لي كانوا يركزون أسئلتهم على مؤسستي التي أفخر بالانتماء إليها (الجزيرة) متجاهلين كل التجاهل قضيتي الشخصية أو بلادي أو مجتمعي الذي أنتمي إليه. ولم يواجه الحاج بأية اتهامات رسمية طيلة فترة اعتقاله. ويعبر عن ذلك بالقول: لم تكن هناك تهم حتى توجه لنا، ولكن حتى يكون اعتقالنا من وجهة نظرهم قانونية كان لابد أن تكون هناك محكمة عسكرية وأن تكون هناك تهم تساق إلينا ومن ثم نُصنف كمقاتلين أعداء، وأستطيع أن أجمل أن تهمتنا هي الانتماء للإسلام هذه هي كانت التهمة المباشرة.

وإزاء الضغوط التي تعرضت لها الولايات المتحدة أعدت سيناريو لإنشاء محاكم عسكرية لم تتوافر لها أدنى معايير العدالة، حيث قاموا بوضع تعريف واسع جدا يستطيع أن يضم كل هؤلاء الرجال الذين أتوا من مناطق مختلفة، يمكن أن يتم في إطاره إدراج أي شخص وعليه تم إدراج الحاج ورفاقه كمقاتلين أعداء وتصنيفهم على هذا الأساس ومن ثم بناءً على القوانين التي وضعت بعد 11 سبتمبر، قاموا بالاحتفاظ بالمعتقلين كونهم يخوضون حربا ضد ما يسمى بالإرهاب.

غوانتانمو من الداخل

يصف سامي الحاج سجن غوانتانمو فيذكر أنه يضم أكثر من 7 معسكرات كل معسكر عبارة عن سجن قد يختلف عن المعسكرات الأخرى، لكن مجملها كانت عبارة عن زنازين انفرادية بعضها يسمح بمشاهدة الغير وبعضها لا يسمح كالمعسكر الأول والثاني والثالث والرابع، وهذه المعسكرات أقرب إلى ما يشبه الحاويات، كالتي يقوم بها الناس بشحن بضائعهم من دولة إلى دولة أو داخل الدولة، ومساحة كل حاوية نحو 40 قدما ويتم تفصيله بشبك على زنزانة لا يتعدى عرضها 70 بوصة في 90 بوصة وعلى هذه الشاكلة يقسم المعسكر إلى عنابر وكل عنبر يحتوي على 48 زنزانة وبعضها يحتوي على 24 زنزانة وغيره.

وهناك أيضاً بعض العنابر تكون الغرف فيها من حديد، كل ما يحيط بك مغلق تماماً حيث لا ترى أمامك ولا خلفك ولا بجوارك. وأيضاً هناك معسكرات عبارة عن أكواخ انفرادية وزنازين داخل أكواخ انفرادية معزولة تماماً، وهناك سجون تم بناؤها كأبنية «زنازين من الخرسانة» لا تستطيع أن ترى أي شخص بجوارك أو أمامك أو تسمع أي صوت آخر، أما إذا كنت في المعسكر الأول أو الثاني أو الثالث فتستطيع أن ترى من بجوارك وتستطيع أن تتحدث مع الذين معك في العنبر، وهذا لا يعني أن الحديث مسموح به، ولكن هم لم يتركوا شيئاً لنا حتى نخاف عليه حيث جردونا من كل شيء، فكنا نتحدث سواء رضوا أم أبوا، رغم المضايقات التي كنا نجدها.

أما بالنسبة لوجود القيود، فطالما أنك داخل زنزانتك فلا توجد قيود على يديك أو رجليك، القيود كانت فقط في سجن باجرام في أفغانستان وفي قندهار. فهذه القيود تبقى معك دائماُ طالما أنت موجود في هذه المعتقلات. أما في غوانتانامو توضع عليك هذه القيود أثناء التنقلات من الزنزانة إلى التحقيق أو من الزنزانة إلى مكان آخر فتوضع في هذه الحالة القيود.

الإضراب عن العام

ويعرض سامي الحاج مرحلة الإضراب عن الطعام والتي خاضها خلال وجوده في معتقل واستمرت لمدة 48 يوماً، فيقول كنت مسجونا في منطقة خاصة بالمضربين وفي كل يوم في الساعة الثامنة أو التاسعة صباحا يجري إخضاعي للتغذية وهي عبارة عن أنبوب يدخل عن طريق الأنف إلى المعدة، ويتم من خلاله تغذية المضرب عن الطعام بوضع مادة فيها فيتامينات، وهي مادة سائلة يضاف إليها ماء، ثم تجري إعادتي المعتقل إلى الزنزانة والتغذية الثانية تكون الساعة الثانية أو الثالثة ظهراً ومسألة التغذية نفسها كانت أسلوبا من أساليب التعذيب.

حيث يجري أخذك من زنزانتك بوضع القيود مشدودة على اليدين وأيضاً على الأرجل وتسحب من الزنزانة، وفي الغالب كنا نرفض الخروج وكانوا يأتون بفرقة الشغب كما يسمونها، وهي عبارة عن 6 أشخاص من العسكر الذين يلبسون الخوذة واللباس الواقي مثل الذين يرتدون الملابس في أوقات الطوارئ وهكذا، فيأتون ويستعملون البخاخات المسيلة للدموع ثم يدخلون عليك في الزنزانة ويأخذونك بالقوة إلى مكان التغذية، والتغذية تتم من خلال وضعك على كرسي، والذي كنا نسميه كرسي التعذيب ويقومون بتربيطك من المعصم واليدين ومن الوسط ويضعون حزام على الرأس وحزام تحت الوجه وأنت تجلس على الكرسي وأرجلك مربوطة بالحديد من جهة وبرباط آخر على الكرسي من جهة أخرى بحيث لا تستطيع أن تحرك جسمك، ثم يأتوا بعلبة التغذية.

التعذيب في غوانتانامو

التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون في غوانتانامو كما يقول سامي الحاج نوعين تعذيب معنوي وتعذيب جسدي. فالضرب والتعليق والتجويع وهذه الأشياء كلها تزول بزوال المؤثر، فعندما يتم ضربك على سبيل المثال، بعد ربع ساعة يتلاشى أثر الضرب وتعود إلى حالتك الطبيعية، وهناك مسألة التجويع قد يجوعونا يوما أو يومين أو 6 أيام ويجعلك ذلك في حالة يقظة مستمرة ولا يسمح لك أن تنام لمدة 6 أيام لكن في اليوم السابع تنام وإذا نمت زال التعب وهكذا، ولكن التعذيب الذي مازلت أعاني منه التعذيب المعنوي أو النفسي الذي كان ينتهج في معسكر غوانتانامو، والذي يدار من قبل إدارة أطباء نفسيين.

وقد جرى التعامل معنا بأسلوب يرتكز على العذاب النفسي فمن لحظة وصول المعتقل إلى غوانتانامو تتم مراقبته مراقبة كاملة لمدة 24 ساعة في محاولة لدراسة نقاط الضعف الخاصة به ومن خلال هذه النقاط يتم التعامل معه. وهناك نقاط بطبيعة الحال يشترك فيها الجميع مثل إهانة الدين فلا يوجد مسلم غيور على دينه يتحمل مثلاً أن يرى كتاب الله الكريم يهان أمامه.

فهذه مسألة لا يتحملها أحد، حتى أن أحد الصحافيين أجرى مقابلات مع الجنود أنفسهم الذين يدخلون هذا البرنامج وذكر أن هناك بعض الجنود الذين يعتنقون الديانة المسيحية تعرضوا أثناء هذا البرنامج إلى إهانة الإنجيل وتمزيقه وركله بالأرجل وقد أثرت فيهم هذه الأحداث، فكذلك كانوا يتعاملون معنا في غوانتانامو، حيث كانوا يمسكون المصحف ويرمونه على الأرض ويمزقونه ويرمونه في الخلاء أمامنا وكانوا أيضاً يكتبون عليه ألفاظ سيئة، وكان المحقق يقف على المصحف ويقول لك لن أنزل عن المصحف حتى تجيب على أسئلتي، وغيرها الكثير من الاهانات.

إهانة كرامة المعتقل

كما كانوا يركزون على إهانة كرامة الإنسان، فنحن كمجتمع مسلم لنا خصوصياتنا في مسألة الكرامة، فلا يوجد أحدا من المسلمين يتقبل أن يتعرى أمام الجميع أو أمام أي شخص وهذه خصلة موجودة في كل مسلم فيه الحياء، فهم من هذا الجانب عملوا على إهانة المعتقلين في غوانتانامو بتعريتهم تماماً من الملابس وإحضار العاهرات من النساء كي يعلقن على عورات المعتقلين وهن يتضاحكن.

وحول سر ودلالات الزى البرتقالي الذي يرتديه المعتقلون في غوانتانامو قال الحاج لقد تم صرف ملابس برتقالية اللون لكل المعتقلين، وكانت ذات دلالات عندهم: فهو غير مقبول للنفس، ودائماً يهيج المزاج، وهو لون واضح بحيث لو هرب المعتقل فيمكنهم تحديد مكانه، وفيما بعد تم تغيير الملابس بحيث ظل اللون البرتقالي لون كل من لا يحترم قوانين المعسكر، ومن يلتزم بقوانين المعسكر يتم إعطائه ملابس أخرى وهي اللون البيج تقريباً أما الذين يغادرون المعسكر فيعطونهم اللون الأبيض. وقد جاء اختيار هذا الزى بناء على دراسات نفسية.

دور منظمات حقوق الإنسان

وعن تقييمه للدور الذي لعبته منظمات حقوق الإنسان في قضية المعتقلين في سجن غوانتانامو قال الحاج لقد لعبت منظمات حقوق الإنسان دوراً فعالاً في قضية غوانتانامو، فقد استطاعت مع الإعلام إجبار إدارة الرئيس بوش على أن تتنازل عن كثير من الأمور. فالوضع في غوانتانامو لم يكن يسمح لهذه المنظمات أن تزورنا باستثناء الصليب الأحمر. والجهة الثانية التي كان مسموحاً لها بالالتقاء بالمعتقلين والتحدث معهم «المحامي».

ولكن أيضاً كانت تتم هذه اللقاءات في غرف فيها أجهزة تصنت كاملة وفيها كاميرا وتحت مسمع ومرأى إدارة المعتقل وأيضاً كانت هناك إجراءات أمنية كبيرة تمارس على هذه اللقاءات بحيث لا يسمح للمحامي أن ينقل أخبار المعتقل إلى الخارج وألا يتكلم بشيء تم بينه وبين المعتقل قبل أن يحصل على تصريح أو إذن من إدارة المعسكر، وكان يتم تفتيش المحامين والحصول منهم على كل الأشياء أو الأوراق التي يدونون فيها ما دار بينهم وبين المعتقلين ويراجعونها ويسمحون بالقليل ويحتفظون بالكثير منها.

الدوحة ـ أنور الخطيب

Email