حياتنا

حصوة كادت تقتلني!

ت + ت - الحجم الطبيعي

كاد يغشى علي من الألم وأنا أتوسل الطبيب أن يخلصني من ألم انحباس البول الذي ألم بي ولم يذقني طعم النوم. وأحمد الله بالطبع أن العلاج سيتم على حساب التأمين لأنني لا أمتلك شروى نقير، ولو ترك الأمر للميزانية، كنت لفظت أنفاسي الأخيرة. استسلمت للطبيب (الاختصاصي في المسالك البولية) في كل الأحوال، الذي يعمل لدى أحد المستشفيات، الذي توجهت للعلاج فيه.

وفي تلك اللحظات الحرجة والمؤلمة وجدته يطلب مني التوجه إلى غرفة طبيبة أطفال لتشخيص الحالة هناك. وقال لعل الحالة من البروستاتا وأخذ يفتش عنها وبادرني القول إن البروستاتا متضخمة وعقب ذلك طلب مني تحليل الدم والبول. وريثما تظهر النتائج طلب مني التوجه إلى الطابق السفلي حيث أجهزة الأشعة الحديثة بكل مواصفاتها. وبعد تشخيص الأشعة تبين أن الحصوة تحتل مجرى البول المار بالبروستاتا.

وقال لي الاستشاري إن هناك طريقة يمكن بواسطتها التخلص من الحصوة وقد استخدمت في بلاده ونسبة النجاح فيها تبلغ 04 في المئة، أي أن الحصوة يمكن أن تنزل بسهولة لوحدها ولا تحتاج إلى عملية. وقام بحقن مادة جيلاتينية في العضو التناسلي، وشعرت بها وهي تنسل إلى الداخل، وقال عندما أذهب إلى البيت على تناول كمية كبيرة من الماء.

الحق أقول إن تراكم الماء أدى إلى انتفاخ شديد في المثانة وفي البيت شعرت أن هذا الأسلوب في العلاج يكاد ينجح. فقمت بالتبول مرتين دون أية عوائق، لكنني في المرة الثالثة شعرت وكأن شيئا هبط واستقر في المثانة، وهنا توقف نزول البول وشعرت بألم لا يطاق. واتصلت بالطبيب الذي أرشدني إلى عيادته الخاصة قائلا إنه سيحاول القيام هناك بفحص أكثر دقة. وبالفعل فقد توجهت إلى عيادته في حي الجميرا الراقي والحافل بالعيادات الطبية المترامية على قارعتي الطريق.

وهناك صعدت إلى غرفة التشخيص وبدأ يفحص البروستاتا مستخدما تارة الوسيلة العادية في فحص البروستاتا وتارة أخرى يفحص منطقة المثانة مستخدما جهاز الموجات فوق الصوتية. وهنا بادرني قائلا إن الحصوة قد صعدت إلى المثانة. وطلب مني أن أسبقه إلى المستشفى، وهناك لاحظت أن الطبيب قد سبقني وعدت من جديد لعمليات الفحص الروتينية السابقة وبدأت هناك الاستشارات والمشاورات.

فجأة انبرى الاستشاري قائلا: «لا بد من إجراء عملية لتفتيت الحصوة، لكن لا بد من استشارة اختصاصي أمراض القلب، لأنك تتناول البلافيكس والأسبرين، وكلاهما مميعان للدم، وللأسف فالطريقة التي نود استخدامها لتفتيت الحصوة هي بموجة الصدمة، حيث تنطلق الصدمة كالرصاصة وتقوم بتفتيت الحصوة التي تتناثر في كل الاتجاهات كالأنصال، وفي حال حدوث جروح فإن نزف الدم قد لا يتوقف.

وعند ذلك تحدث تجلطات في المثانة وهي أشد إيلاما من ألم الحصوة. فقال هل توافق على هذه العملية، قلت أنت طبيب تعرف حدود الخطر الذي يمكن التوقف عنه إذا كان مهددا للحياة، ولكن إذا كان الطريقة الوحيدة فإنني مستعد. فقال هل توقع على وثيقة تثبت أنك موافق على العمل. قلت: نعم. ولكنه عاد فقال إن طبيب التخدير غير موافق لأن طبيب الأمراض القلبية غير موافق وإن أي عملية من هذا النوع قد تتسبب في نزيف.

قال الاستشاري: «لقد طلبت من طبيب الأمراض القلبية أن يجعلك تتوقف عن البلافيكس والأسبرين ليومين أو ثلاثة ريثما تجرى العملية ومن ثم تستأنف تناول هذه الأدوية المميعة للدم». وفي هذه الأثناء، حضر طبيب أمراض

القلب وأكد لي أن العملية تشكل خطورة على حياتي. لكن الاستشاري قال يمكنك الحضور غدا لنرى ماذا سنفعل. خلال تلك الأيام كنت أحصي الثواني وحتى أنفاسي من شدة الألم الذي كان متواصلا، وكأنه عذاب من الجحيم. في صبيحة اليوم التالي، ولم أكن قد نمت قط، حضرت إلى المستشفى ورقدت في السرير استعدادا للعملية. ولم تمض ساعة حتى كان الطبيب قد حضر وبصحبته طبيب التخدير، وبادرني القول: هل أنت موافق على إجراء العملية رغم خطورتها، قلت بالطبع.

فعرض كشفاً يحتوي على الكثير من التفاصيل وفي منتصف الصفحة كتب «هاي ريسك» أي بالغ الخطورة وعدد الأسباب التي قد تهدد حياتي أثناء العملية. فقلت إنني مستعد لكل شيء طالما أنها ستخلصني من ألم انحباس البول : لأنني في تلك الأيام كنت أعاني أشد المعاناة لو حاولت إخراج نقطة بول واحدة. كما كنت أشعر بثقل شديد في منطقة المثاني، ولكن الشعور بالألم الفظيع كان يغلب كل ذلك.

خلال دخولي إلى الحمام في المرات الكثير كنت أناشد تلك الحصوة أن تخرج وأحاول إقناعها بذلك مستعطفا إياها. طالما أنني احتضنتها وربيتها كل تلك الشهور الطويلة ريثما كبرت وترعرعت وأصبحت تلح على الخروج بإيلامي. وفي بعض الأحيان كنت أستغيث بالله أن يخلصني من تلك الحالة المميتة، التي تشبه قيام أكثر من مئة شخص بطعنك طعنات متلاحقة، ولكنني كنت استدرك نفسي، لأنني كنت أذكر اسم الجلالة في المرحاض، فأتضرع إلى الله أن يغفر لي ذلك.الإثم الذي ارتكبته.وأعود إلى الصراخ ومناجات النفس، فأقول إنني لم أر مثل هذا الألم حتى في الأقبية.

ورأيت الاستشاري يخرج من الغرفة لتفقد غرفة العمليات. وخلال ذلك أسر لي اختصاصي التخدير، بعد أن رآني أتألم، وبعد أن توطدت العلاقة بيني وبينه، أن العملية مغامرة خطرة وقد تؤدي إلى التسبب في النزيف وأن ذلك سيلحق أفدح الضرر بي وسأتمنى أنني اكتفيت بالألم الحالي على الألم الذي سأعاني منه بعد العملية. وأضاف أن التجلطات ستسد المسالك البولية وسيصبح الألم مبرحا أكثر وسأعاني الأمرين. ونصحني بألا أقدم على تلك المغامرة الخطرة.

لما عاد الطبيب الاستشاري بأمراض المسالك البولية، لاحظت أن القلق يسيطر على ملامحه وأنه متضايق وقال بالنسبة لي أستطيع إجراء العملية ولكن اختصاصي أمراض القلب ألح بعدم الموافقة وكذلك طبيب التخدير وهو أمامك ويمكنك أن تسأله. وأومأ طبيب التخدير برأسه على أنه يوافق تماما على ما يقوله الاستشاري. على الرغم من كل ذلك كنت وقعت على موافقتي على العملية، على الرغم من الخطر الكبير الذي قد تجره تلك العملية علي.

وأكد طبيب التخدير أيضا أن العملية صعبة يوم الجمعة حيث لا يتوفر أحد من الكادر الطبي، لو حدث أي طاريء. في تلك اللحظات شعرت أنني مقدم على عملية من نتائجها المحتومة هي الموت لا محالة طالما كانت محفوفة بكل تلك المخاطر.

وبادر الاستشاري معتذرا عن القيام بالعملية وقال لك الله وكل ما استطيع القيام به هو نصحك بأن تشرب أكبر كمية من الماء «لعل الحصوة تخرج». ومضيت إلى البيت عند الظهر لا أنوي على شيء سوى إيجاد طريقة للتخلص من الألم. عندما رأت زوجتي ذاك العذاب الذي لا يطاق، عممت حالتي على الأصدقاء فأدلى كل بدلوه وتكاثرت النصائح وشربت ما شربته من الأعشاب بعد غليها، لكن مع مرور كل لحظة كان الألم يتصاعد بشدة حتى أن نقطة البول الصغيرة كان يصاحبها ألم لم أتمناه لا لصديق أو عدو.

عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل كنت شربت الكثير من الماء وكاد كيس المثانة ينفجر وأخذ الألم يسحقني سحقا وأنا أردد عبارة الاستشاري «اشرب، أشرب، لعل «البحصة تخرج وترتاح» ولكنني مع كل كوب ماء أشربه كنت أتلوى من الألم، وأخيرا توقف البول نهائيا فمن نقطة إلى لا شيء.

وهرعت في تلك اللحظات إلى مستشفى آخر ويممت وجهي إلى قسم الطوارئ. وهناك توسلت إلى الأطباء المناوبين أن يقوموا بعمل قسطرة لسحب الماء وانتظرت نصف ساعة ريثما يأتي دوري وبالطبع قضيت معظم تلك الفترة داخل الحمام حتى أن زوجتي طرقت على الباب حيث خشيت أن أكون قد فقدت الوعي وغشي علي في الحمام.

وخرجت وأنا شبه فاقد الوعي ولكن سرعان ما طمأنتني زوجتي بأن دوري قد جاء وانطلقت مسرعا إلى حجرة الإسعاف وهناك طلب مني الطبيب أن استلقي وقام بعملية قسطرة. وأعرب عن استغرابه إزاء تحملي لكل تلك المياه داخلي وقال: لقد كانت المثانة على وشك الانفجار وأحمد الله أن هداك للحضور إلى المستشفى.

في صبيحة اليوم التالي حضرت إلى المستشفى الثاني وصعدت فورا إلى حجرة اختصاصي المسالك البولية وقام على الفور بعمل مسح للحصوة ورأى أنها مستقرة في المثانة ورويت له ما حصل فقال سأجري لك عملية لتفتيت الحصوة التي بلغ حجمها سنتيميتر ونصف السنتيميتر وسأستخدم أشعة الليزر في عملية التفتيت ولن تخرج نقطة دم واحدة خلال العملية ولن أطلب منك أن توقف البلافيكس أو الأسبرين. وتمكن الطبيب من إخراج نصف ليتر من البول من المثانة على الرغم من أنني لم أتناول قطرة ماء واحدة منذ القطرة في ساعات الفجر.

وعقب سحب الماء ثبت الطبيب أنبوب القسطرة وربط الكيس على ساقي قائلا تعال صباح الغد وسأجري لك العملية، وخلال الساعات التالية شعرت براحة كبيرة لأنني كنت أشرب ما يحلو لي من السوائل التي تفرغها المثانة بعد ذلك في الكيس. وقبل أن أغادر غرفة الطبيب طرحت عليه جملة أسئلة كانت تعذبني وهي لماذا لم يلجأ الاستشاري في ذلك المستشفى الحديث الذي يشبه فندقا بستة نجوم إلى إنقاذي بتفريغ المثانة عن طريق القسطرة، ولماذا لم يقل لا هو ولا غيره من الأطباء أن هناك طريقة أخرى لا تعرض حياتي للخطر مثلا استخدام أشعة الليزر لتفتيت الحصوة بدلا عن استخدام موجة الصدمة لتفتيت الحصوة التي كانت ستعرض حياتي للخطر!!

أجابني الطبي: «لا أدري، هل هو قصور وعدم توفر الخبرة اللازمة أو جهاز الليزر لديهم، !!» وتساءلت أيضا عن السبب الذي جعل استشاريا كبيرا لا يقوم بتحويلي إلى مستشفى آخر لديه تلك التقنية. لقد كان الاستشاري أمام مريض يعاني الأمرين ويكاد يلفظ أنفاسه من الألم الشديد، فلماذا لم يشر بأن هناك تقنية أخرى لا يتخلف عنها نزيف. يهدد حياتي!! لقد أوشك الطبيب الاستشاري أن يقوم بالعملية وأوشك أن يعرض حياتي للخطر، ولفرط الألم وافقت على تلك المخاطرة حتى وإن تسببت في موتي، والمهم هو أن أتخلص من الألم بصورة نهائية.

الخلاص

في صبيحة اليوم التالي، حضرت إلى المستشفى الآخر وحجزت لي غرفة. بعد ساعتين من مكوثي في الغرفة أحضرت إلى غرفة العمليات وأثناء توجهي إلى الغرفة سألت كبيرة الممرضين: هل يمكن أن تعرض هذه العملية حياتي للخطر. قالت هي عملية بسيطة ولن تشعر بشيء لأنك ستكون تحت تأثير التخدير. وفي غرفة العمليات جاءت سيدة كبيرة في السن وعلمت أنها طبيبة التخدير،

قلت لها: أشعر بوخز خفيف يصعد من بطني إلى وجهي وما أن أكملت هذه الكلمة حتى صحوت على قول ممرضة وهي تردد: إصحى، إصحى فقد نجحت العملية وأزيلت الحصوة بعد تفتيتها. ونقلت إلى غرفتي في المستشفى وهناك مكثت إلى اليوم التالي وخلالها قام الطبيب الاختصاصي بزيارتي مرات عدة للاطمئنان. وفي اليوم التالي تم سحب أنبوب القسطرة وعدت إلى منزل أكاد أطير من الفرحة لأنني أصبحت الآن أفرغ المثانة والكليتين بكل سهولة ويسر. لقد شعرت بأن ذاك الطبيب خلصني من محنة وألم لم أتخيل أنه سيكون بتلك الحدة.

ولكنني أتساءل بيني وبين نفسي اليوم لماذا عانيت كل تلك المعاناة في ذلك المستشفى: فهل هو القصور في المعدات أم في خبرة الناس العاملين فيه، والشيء الآخر الذي لا يزال يلح في ذهني هو السبب الذي منع الاستشاري من تحويلي إلى مستشفى أو عيادة أخرى لديها جهاز تفتيت الحصا بأشعة الليزر. تجربة لن أنساها ولن أنسى فضل الطبيب الذي عالجني في المستشفى الثاني وكذلك الرعاية الكبيرة التي حصلت عليها خلال اليومين اللذين قضيتهما في المستشفى.

البروستاتا

عندما قام الاستشاري بفحص البروستاتا قال إنها متضخمة ولدي بعض الشكوك ولذلك أود أن آخذ خزعة منها لفحصها وللتعرف على الحالة، ولكن نظرا لاحتمالات تعرضك للنزيف فإن الأمر مستحيل ولننتظر حتى تنتهي من تناول الأدوية المميعة للدم، وعندها تحضر ونأخذ خزعة ونقرر في ضوء نتائج الفحص ما يمكن القيام به.

Email