الصحة أولاً

منى تخلصت من الورم وتتماثل للشفاء 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجحت عملية جراحية فريدة من نوعها تكاد تكون الثانية في الدولة تم فيها استئصال ورم سرطاني خبيث في الفص الأمامي الأيمن من الدماغ، أجرى العملية الدكتور الجراح عبد الكريم المسدي رئيس قسم جراحة الأعصاب والعمود الفقري والمدير الطبي في مستشفى الجراحة العصبية والعمود الفقري في دبي وانتهت العملية من دون حدوث أية مضاعفات للمريضة حيث كانت تتحدث وتعي ما تقول بدقة.

* هل يمكن القضاء على الخلايا السرطانية بحجب الأكسجين والغذاء عنها؟

ـ تحتاج الخلايا في عملية النمو المتواصل إلى غذاء وأكسجين، ويبدأ جزء منها بالموت إذا لم يتوفر لها الغذاء والأكسجين الضروريان. والحقيقة أن الخلايا السرطانية إذا لم تحصل على ما يكفيها من أغذية وأكسجين تبدأ بالتأثير على الخلايا المحيطة بها وتبدأ بمضاعفة الأوردة والشرايين حولها وسرعان ما تتغذى وتنتقل للقيام بالشيء ذاته في أماكن أخرى.

وهي فكرة مبسطة عن السرطان. والملاحظ أنه مهما تم منع الغذاء والأكسجين من الوصول إلى الخلية السرطانية فإنها تواصل نموها لأنها أشبه بالجنين الذي سيواصل تغذيته على جسم أمه حتى وإن لم تأكل أو تشرب وفقا للحالات الطبيعية. فسواء تناولت الأم الغذاء أو أهملته فإن الجنين سيتناول غذاءه حسب حاجة جسمه للنمو، والأمر مشابه لهذه المسألة بالنسبة للخلايا السرطانية فهي تتغذى وتنمو باستمرار.

ويتوفر الآن بحث جديد في علاج السرطان لمنع نمو وامتداد الخلايا السرطانية. فالخلايا السرطانية في العادة تحصل على حاجتها من الدم بحدود 150 مايكرون عندما تبدأ بالنمو وتحصل على الغذاء والأكسجين عن طريق الشعيرات الدموية.

والحقيقة أن الخلايا السرطانية التي يحبس عنها الغذاء والأكسجين وتتعرض للموت تبدأ بإرسال تنبيهات بإنشاء شبكة أوردة جديدة حتى تتغذى من خلالها. ونعمل الآن على محاولة منع الخلايا السرطانية من الوصول إلى غذائها وإنشاء شبكات ومنابع جديدة للغذاء، فهذه واحدة من الأشياء التي تم اكتشافها في السنوات الأخيرة.

وبالنسبة للسيدة منى فإن فرصة شفائها جيدة لأن ما حققناه في القضاء على الخلايا السرطانية كبير ولكن يبقى تأثير الاستئصال وتأثير العلاج على فعاليات المخ.

وهي متأثرة الآن من نتائج العملية لكن إمكانات التحسن كبيرة بعد العلاج الطبيعي والتقوية العضلية، ويعني ذلك إعادة تأهيل المريضة، وأحسب أن السيدة منى سيطرأ عليها تحسن كبير وستصبح حالتها مستقرة.

* ما الفرق بين الورم الخبيث والحميد؟

ـ يوصف الورم الحميد بأنه ورم غير طبيعي في الجسم. فالحمل، على سبيل المثال، ورم حميد. وكذلك الحال بالنسبة للثآليل التي تنمو في الجسم وليس لها تأثير سلبي ولا تنتشر إلى مكان آخر.

أما الورم السرطاني فهو يتكاثف وينتشر وبالتالي يقضي على المريض. وهناك أورام خبيثة تعيش مع المريض سنوات طويلة وليس الألم شرطا في الورم الخبيث ويمكن ألا تتوافر له أي أعراض ويعيش الإنسان به، من دون أن تظهر أية أعراض عليه.

؟ ما هو السرطان الذكي أو «سمارت كانسر»؟

ـ لا يمكن تسمية بعض أنواع السرطان بأنها ذكية لأننا حتى الآن لم نكتشف الكثير حول حقيقة هذا المرض ولا نفهم كيف يتكون. ولا نعرف لماذا يحصل، وما هي الأشياء التي يمكن استخدامها لوقف انتشاره أو القضاء عليه قضاء مبرما.

ولكن مع مرور الوقت سنكتشف الكثير من أدوات العلاج. والغريب أننا لو كان لدينا شخصان مصابان بالسرطان ذاته ويعانيان من الحدة ذاتها، وقدمنا العلاج لهما فقد يشفى أحدهما بينما تتدهور صحة الآخر، على الرغم أن العلاج واحد.

والمشكلة الجوهرية في الإصابة السرطانية أن هناك عوامل كثيرة تتدخل في الحالة المرضية وفي طريقة نمو السرطان وطريقة توقفه. ويمكن جدلا القول إن السرطان ذكي ولكن يعتمد في علاجه على مقدرة الطبيب على فهم الحالة.

الواضح في أيامنا هذه أن أدوات العلاج يطرأ عليها تطورات سريعة جدا، ففي كل يوم تظهر أدوية وعلاجات جديدة، ولذلك نبقى دوما متفائلين بأن أكثر العلاجات نجاعة في طريقها إلى البشرية.

ففي البداية كان فهم الإصابة مقتصرا على علاج الخلايا السرطانية، ولكن ما لبث الباحثون أن توصلوا إلى حقيقة أن الجينات تلعب دورا مهما في الإصابة فهناك الجينات السيئة والأخرى الجيدة، وأصبحنا نفهم أكثر دور البروتينات التي تكون الجينات وبات لموقع البروتين أهمية سواء كان في مكانه الطبيعي أو حصل له خلل.

ويمكن مستقبلا ألا نكتفي بالبروتينات بل يمكن أن تطال أبحاثنا الأحماض الأمينية، التي هي عبارة عن أشياء دقيقة يمكن أن نراها بالمجهر، وهناك دراسات حول ذلك.

أما من ناحية استكمال الخارطة الجينية فهي مسألة بالغة الأهمية ولكن يمكن أن تستغرق وقتا طويلا. وقد تمكن الإنسان بفضل بحثه الدؤوب توفير العلاج لأمراض كثيرة كانت تحصد في الماضي أرواح الملايين من البشر.

* هل لديكم مراكز أبحاث سرطان؟

ـ لدينا أبحاث كثيرة، ولكن ليس لدينا مراكز أبحاث بالمفهوم الواسع للكلمة، وهناك أبحاث فردية وأخرى تحصل على تمويل بينما هناك أبحاث غير ممولة. ولكن مع كل ذلك فإن الأبحاث المتوفرة حاليا ليست كافية. وكما نعلم فإن البحث العلمي هو الأساس في تحقيق الاكتشافات والتقدم العلمي. ولكن مع الأسف فنحن حتى الآن لم نعط الأبحاث اهتمامنا سواء في ميدان العلوم الطبية أو غيرها من العلوم والتقنيات.

والحقيقة أن عدم توفر مراكز أبحاث تحصل على ما يكفي من التمويل أدى إلى هجرة المئات من الأطباء الذين باتوا يحتلون مكانة رفيعة في الغرب. ولو توفر لهؤلاء كل ما يرغبون فيه من إمكانيات لما غادروا وطنهم، ولأسهموا في تطور هذه الأمة.

* ما هي الإصابات التي تفد إليكم للعلاج في المستشفى؟

ـ أكثر الإصابات التي تفد إلينا هي حالات سرطان الثدي. وتشكل إصابة الثدي 5 في المئة من مجمل الإصابات السرطانية ويليها سرطان القولون والمستقيم والغدد اللمفاوية وسرطان الرئة والبروستاتا وعنق الرحم. ولكن يختلف الأمر عند المقارنة بين النساء والرجال فيما يخص الحالات السرطانية ونسبها.

ولكن إذا قمنا بالمقارنة ما بين النسبة العالمية والمحلية فسنرى أننا لا نعاني من مشكلات سرطانية كبيرة. ففي الولايات المتحدة يمكن القول إن نسب الإصابة فيها عالية فبين كل 100 ألف أميركي هناك 450 إصابة وفي أوروبا تقل النسبة لتصل إلى 400 بين كل 100 ألف أوروبي. ولكن بالنسبة لنا فإن نسبة الإصابات لا تتجاوز الـ 100 أو الـ 110 بين كل 1000 ألف شخص.

وعلى الرغم من انخفاض الإصابات لدينا إلا أن الكثيرين يشعرون بالخوف والسبب أن وسائل الإعلام لا تكف عن ترديد المعلومات الخاصة به وهي في الأصل موجه في الغالب للمجتمع الغربي وأميركا على نحو خاص بسبب ارتفاع الإصابات.

وتنسب الإصابة المتدنية لدينا لعوامل عدة منها أن السرطان يفتك غالبا بالأشخاص الذين يطول بهم العمر، وفي الغرب يتجاوز معدل عمر الإنسان الثمانين عاما،وبالمقابل فإنه ليس لدينا أشخاص تقدم بهم العمر طويلا حيث يسجل أن 75 في المئة من السكان هم أقل من 35 سنة وليس لدينا حالات مرضية كثيرة.

أما الأمر الآخر فهو تلوث البيئة، كما أن أسلوب الحياة مثل تناول الكحول والتدخين والممارسات الجنسية غير الشرعية وتناول الوجبات السريعة أو المأكولات غير الصحية كلها تؤدي إلى الدفع باتجاه الإصابة بالسرطان.

ويلاحظ أن التغيرات التي طرأت على أسلوب الحياة في الإمارات ستكون لها آثار سلبية على المواطنين والمقيمين خلال السنوات المقبلة أي خلال فترة تتراوح ما بين 10 ـ 20 سنة... وهي فترة ستكشف مدى الضرر الذي تعرضت له البيئة من تلوث واكتساب عادات جديدة غير صحية لم تكن موجودة في بيئة ومجتمع الإمارات.

لقد بدأنا منذ العام 1998 في تسجيل الحالات السرطانية التي تردنا ومن خلالها أصبحنا نعرف نسبة المشكلات السرطانية في الدولة، لكن ما لم نأخذ الاحتياطات الضرورية لمنع السرطان من الحدوث أساسا أو اكتشاف المرض في مراحله المبكرة فإن أعدادا كبيرة من الناس ستعاني من مشكلات كثيرة خلال السنوات العشر المقبلة، وسنواجه مشكلة كبيرة جدا وهي تبعات تلوث البيئة الخطير».

بعد أن أجرت منى آخر مراحل العلاج في مستشفى توام قام الدكتور البلجيكي إريك بسحب الأنابيب الموصلة إلى الدماغ وإغلاق الجروح وتمت العملية بنجاح تحت تأثير المخدر الموضعي، وكانت السيدة منى الأم لأربعة أبناء خرجت من غرفة العمليات وتكلمت مع زوجها وهي الآن بحالة مستقرة حتى إعداد الحوار.

محمد نبيل سبرطلي

Email