حالات خاصة

الرعاية العائلية تساعد أطفال التوحد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى نصل إلى تشخيص حالة الطفل المصاب بالتوحد لابد من رؤية العالم من خلال عيون ذلك الطفل. ولتحقيق فهم واضح لهذا الطفل أيضاً نحتاج إلى رسم إطار أو هيكل. الذي أثبتت أهميته العديد من الأدلة التي تشير إلى أهمية ذلك الإطار أو الهيكل. فالإطار الخاص لبيئة الطفل وحياته في المنزل أمر غاية في الأهمية بالرغم من وجود الكثير من القيود والجمود في هذه البيئة.

والواقع أن عبارة «طفلك مصاب بالتوحد» لا يود سماعها أي أب أو أم مع أن هناك الملايين من أولياء الأمور في أنحاء العالم، لا شك أنهم سمعوا تلك العبارة وأصغوا إليها جيداً. والحقيقة أن الطفل المصاب بالتوحد يعاني من جملة مشكلات في نواح معينة مثل التفاعل الاجتماعي وجوانب التواصل المختلفة اللفظية وغير اللفظية ومرونة التفكير وكذلك مشكلات واضطرابات السلوك.

لابد من تطوير استراتيجيات تؤهل الطفل على التعامل مع تلك المشكلات. وفي كل الأحوال فإن حدة الإصابة بالتوحد تتراوح في مستوى الصعوبات التي يعاني منها الطفل وتؤثر في طريقة تكيفه اليومية. والحقيقة أن توفير بيئة منظمة لا يؤثر على تدريب الطفل على الاستقلالية وإنما يقلل من القلق والإحباط اللذين غالباً ما يظهران كنتيجة للتعامل مع أفراد العائلة وكذلك يساعدان الطفل في الفهم والتنبؤ بما يمكن أن يحدث.

والحقيقة التالية أن معظم الآباء والأمهات يجدون صعوبة في تنظيم بيوتهم، ولكن من الضروري للوالدين القيام بذلك، حتى وإن خاض الوالدان تجربة الصح والخطأ. وفي بعض الأحيان قد يؤدي إنشاء تنظيم عالي المستوى إلى إثارة قلق الطفل ولكن مع ذلك فإنه من المهم للغاية أن نبدأ بإحاطة حياة الطفل بتنظيم من نوع ما.

وهناك في الأساس أساليب مختلفة لبناء تنظيم خاص في البيت يخصص لطفلك. لكن الواضح أن الكثير من بيوتنا تزدحم على نحو فوضوي بأشياء كثيرة ليست ضرورية وغير مفيدة وتعرقل فهم الطفل لما هو مطلوب في حياته اليومية.

ولذلك ينصح بالتخلص قدر المستطاع من تلك الأشياء التي تشتت الطفل وتسبب له الحيرة والإرباك، وهي تعترض طريقه على نحو ملموس. لذلك من المهم إزالة كل ما من شأنه أن يعرض الطفل للمخاطر وكذلك الحيلولة دون الوصول إليها. ولعل الأم تواصل مثل تلك الاحتياطات الاحترازية وتضيف إليها أيضاً احتياطات أخرى بالنسبة للطفل، إذا كان مصاباً بالتوحد. ويلاحظ أن بعض الأطفال يجدون متعة في الإصغاء إلى صوت تحطم الزجاج.

ولذلك يفضل أخذ الاحتياط بنقص قطعة من الفلين الاصطناعي الأبيض وتثبيته على زجاج غرفة الطفل، وهو إجراء بسيط يوفر الكثير من الضرر خاصة إذا كان احتمال كسر الطفل لزجاج النافذة قائما. كما يمكن استبدال الألواح الزجاجية في النوافذ بصور تحتوي على مواد بلاستيكية غير قابلة للكسر. وذلك تحاشياً لحوادث قد تجر على الطفل عواقب وخيمة.

وينبغي على الوالدين أيضاً إزالة كل ما من شأنه أن يعرض الطفل للخطر والأذى خاصة تلك الأشياء الملفتة والجاذبة التي يمكن أن توقع الطفل في أوضاع تثير لديه روح التحدي. ولعل أقرب مثال على ذلك خطورة أن يختنق الطفل إذا ما وضع رأسه داخل الخيوط المتشابكة لستارة النافذة. ولضمان عدم تعرض الطفل المصاب بالتوحد لخطورة الاختناق يفضل تقصير حبال الستارة خاصة بالنسبة للأطفال الذين يمعنون في التحدي ومواصلة السلوك مهما كانت النتائج خطرة.

ـ لابد من توفير تلميحات بصرية (معينات بصرية) تذكر الطفل وتفهمه بما يجب عليه فعله تالياً أين يجب أن يتجه وكيف، مما يؤدي لحل الكثير من المشكلات وتفادي الصعوبات كنتيجة لتنظيم البيئة المنزلية.

ـ أحياناً لا نملك المساحات اللازمة لعمل أماكن خاصة بأنشطة معينة من باب التنظيم، ولكننا نستطيع ربط نشاط معين بمكان معين بالبيت، فمثلاً تخصيص مكان للعب يجعل من طفلك محضرا بشكل مسبق لوقت اللعب فمثلاً اختيار سجادة حمراء واستخدامها في كل مرة يتم فيها لعب نفس اللعبة يجعل الطفل قادرا على الربط بين المكان والنشاط.

منزل المصاب بالتوحد

ينبغي أن يتم ترتيب المنزل الذي يعيش فيه الطفل المتوحد بصورة تتناسب مع حالته المرضية. ولذلك عندما يذهب الوالدان لشراء الأثاث ينبغي الأخذ في الاعتبار دراسة تلك القطع التي يسهل تنظيفها وأن تكون بمستوى طول الطفل. فالأسرة المرتفعة وقطع الأثاث الأخرى التي تدفع الطفل للقيام بألعاب بهلوانية ليست بالفكرة الصائبة التي تناسب الطفل المصاب بالتوحد.

كما أن الأرفف التي يمكن استخدامها كعتبات لتسلقها، خاصة إذا كانت في مواقع خطرة ينبغي إزالتها أو إضفاء طابع الأمان عليها. كما أن وضع ضوابط أمان من الأمور المهمة جداً بالنسبة لهيكل البيت الذي يعيش فيه الطفل. وعلى سبيل المثال ينبغي إبعاد الأسلاك الكهربائية المكشوفة عن متناول يد الطفل وكذلك المواد السامة والسجائر والكحول أو الصناديق التي تضع فيها القطط فضلاتها والمهم أيضاً إبعاد أية أداة حادة عن يد الطفل أيضاً.

ويفضل أيضاً توفير نماذج يمكن للطفل أن يراها وتساعده على فهم الأشياء التي يتوقع القيام بها، وكذلك الأماكن التي يفترض أن يذهب إليها وكيف يفترض أنه سينظم نفسه. والحقيقة أن معظم بيوتنا لا تمتلك مناطق منفصلة للقيام بأنشطة منفصلة. ويشار إلى ربط نشاط خاص بنطاق معين في المنزل هي الوسيلة المثالية لبناء هيكل بيئة منزلية مناسبة.

ويلفت إلى أن وجود زاوية أو مكان للعب في المنزل يجعل الطفل مستعدا للوقت المخصص للعب لأنه يعرف أن تلك الزاوية هي المكان الذي خصص له للعب فيه. ويمكن استخدام سجادة حمراء عندما يحين وقت لعبه، فهي تصبح مؤشراً إلى أن وقت اللعب قد حان.

وبصورة مشابهة يمكن إنشاء مكان للعمل المكتبي، ولعل المكان المثالي لذلك هو أن يواجه الطفل جداراً خالياً من كل شيء يجنبه مصادر التشتت. ويمكن استخدام الأشرطة اللاصقة لوضع حدود لمكان العمل في البيت. كما ان تسمية الأشياء المحيطة الموجودة في بيئة الطفل هي طريقة لهيكلة في التنظيم.

ويمكن وضع صور أو كلمات أو رموز على الخزائن وأماكن الأرفف والثلاجة، ولا شك أن مثل تلك الاستراتيجيات ستفيد طفلك في معرفة الأشياء التي سيقصدها. كما ان استخدام الصور للتعبير بين الأنشطة التي تحتاج إلى مستدل معين من مثل استخدام الحمام وتفريش الأسنان والاستحمام هو طريقة مساعدة للطفل.

وعلى سبيل المثال فإن وضع صور لكل خطوة من خطوات تنظيف الأسنان مهمة ويمكن وضع تشكيلة من الصور التي ترمز إلى مراحل تنظيف الأسنان (أخذ الفرشاة ووضع معجون الأسنان، وتفريش الأسنان، المضمضة وغسل الفم، غسل الفرشاة ووضعها في مكانها). ويمكن لصق تلك الصور على جدار أو مكان قريب من الحوض. ولا شك أن مثل تلك الإجراءات تساعد الطفل على اكتساب المهارات الذاتية.

كما أن الجداول البصرية التي تحتوي على صور هي طريقة أخرى ذات أهمية تدفع طفلك إلى فهم ترتيب الأشياء وما ينبغي أن يأتي أولاً وما ينبغي أن يحل تالياً. واستناداً إلى مستوى الطفل يمكن للوالدين أن يجهزا الجدول. فإذا استجاب الطفل لجدول الصور بشكل جيد فإن ذلك يعني أن جدول الصور مناسب للطفل بصورة مثالية.

وهناك بعض الأطفال يلتقطون بعض الجمل من المحطات التلفزيونية ومن الكمبيوترات والأشرطة السمعية وتصبح من ضمن مفرداتهم. لذا فإن الصور والبطاقات التعليمية والتي تحتوي على بعض نصوص معينة ووسائل التواصل الأخرى تزيد من فهم هؤلاء الأطفال إذا كما يمكن استخدام جهاز التوقيت للطفل حتى يصل إلى مفهوم الانتهاء من النشاط. ولا شك أن التنظيم اليومي الواضح قبل بدأ يوم الطفل يقلل من المعاناة والصعوبة التي قد يواجهها الطفل.

ويمكن أيضاً استخدام الترميز الملون لتحديد الأمور بسهولة. وعلى سبيل المثال فإن قطعة القماش الحمراء يمكن استخدامها للعب أما قطعة القماش الخضراء فترمز إلى تناول الطعام. ويمكن تخصيص لونين مختلفين إذا كان هناك طفلان في المنزل وبذلك يمكن للطفل أن يتعرف بسهولة على الأشياء التي تخصه.

أما الطريقة الواعدة الأخرى لتيسير الحياة على طفلك فهي تجزئة المهام أو الواجبات إلى أجزاء. ولا عجب أن يتمرد مثل هؤلاء الأطفال. كانت المهام صعبة وأجبروا عليها، فهو سيقاومون بشدة. فكلما جعلتهم يفهمون بيئتهم أكثر كلما كان شعورهم وأداؤهم أفضل إزاء أنفسهم.

وثبت أن رواية القصص الاجتماعية وتقديم الحكايات المصورة من حين لآخر هي وسيلة ممتازة لتنشيط ذاكرة الطفل وصقلها. ويمكنك تعليق صور أو نصوص مكتوبة في الأماكن التي يترددون عليها أو يرونها والنتيجة أنهم سيتعلمون كيفية استخدامها أو الدخول إليها. ومن المفيد أيضاً كتابة كلمات بجوار الصور حتى يصبح بإمكانهم تعلم ربط الصورة بالمعنى.

والحقيقة فإن الوالدين مطالبين بأن يفحصا بيئة المنزل بعناية، فإذا كانت هناك حاجة لإجراء تغييرات في تلك البيئة، مثل الأثاث والإضاءة والملابس من أجل الطفل المصاب بالتوحد فلا بأس بإجراء التغييرات. وهناك بعض الأطفال الذين يمتلكون حساسية نحو ظروف حسية معينة مثل الصوت والإضاءة واللمس البدني ... الخ، ولذلك فمن الأفضل جعل البيئة مريحة للطفل المصاب بالتوحد قدر الإمكان.

وفي الختام لابد من المتابعة المستمرة لهؤلاء الأطفال فهم يستجيبون بشكل جيد للمتابعة لأنها تنبئهم بما يمكن أن يكون في العالم الحقيقي، وبهذه الطريقة يمكن أن ينشد الوالدان خلاصاً حقيقياً من اضطراب يعاني منه طفلهما بصمت وفي هذه الحالة يضع كل مقاديره في أيدي والديه.

نفيس سلطانة

معلمة التربية الخاصة

بمركز دبي للتوحد

Email