بورتريه

علي حميد .. شيخ المعلقين التلفزيونيين

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

من بين جيل العمالقة شق طريقه بخطى ثابتة ليصبح في فترة وجيزة واحدا من أكفأ المعلقين الرياضيين على الساحة العربية؛ وأسند إليه اتحاد الإذاعات العربية التعليق على مباريات عالمية في وجود معلقين كبار من مختلف الأقطار العربية؛ فهو صاحب صوت مميز ولديه أرشيفه المعلوماتي الرياضي الخاص يغرف منه في الوقت المناسب أثناء التعليق على المباريات ليتحف المشاهد بمعلومة جديدة؛ علي حميد معلق استثنائي بدأ مشواره في عام 1973 معلقا إذاعيا على مباراة الأهلي والوصل.

وكان قد سبقه بأشهر قليلة في التعليق عبد الرحمن توكل الذي لم يكمل مسيرته؛وبذلك يستحق علي حميد لقب شيخ المعلقين الإماراتيين؛وما يزيد هذا اللقب أحقية وجدارة انه الوحيد على المستوى العربي الذي حاز على وسامين في التعليق،الأول كان في تونس عام 1996 والثاني كان في القاهرة عام 1997؛ إضافة إلى انه اتخذ من حياده التام جواز مرور إلى قلوب الجماهير على اختلاف انتماءاتها للأندية؛ وبعيدا عن التعليق فان مسيرة علي حميد تحتاج إلى فصول لكي نلملم خلاصة تجربته الحياتية والمهنية والاجتماعية؛ ومعه نقلب صفحات تجربته لنقترب أكثر من شخصيته الثرية.

ولد علي حميد في نهاية الخمسينات بمنطقة فريج الراس على شاطئ بحر أم القيوين؛ هو الأكبر بين أخوته فهيأه والده من الصغر لتحمل المسؤولية فتعلم منه الاعتماد على النفس وأخذ من صفاته قوة الشخصية والصبر والروح الطيبة؛ ذكريات كثيرة في مرحلتي الطفولة والشباب يقول عنهما علي حميد: مع أنني نشأت وترعرعت علي شاطئ البحر لعبا ولهوا إلا أنني أيضاً ابن البيئة البرية كما كان والدي؛فقد كان من أشهر صائدي الصقور وكان يحب القنص؛ كما انه كان صيادا كحال معظم الناس في ذلك الوقت.

وهكذا وجدت نفسي اعشق البحر والبر ولدي ذكريات عنهما؛ فقد مارست جميع الألعاب البحرية بدءا من السباحة والصيد بالخيوط وسباقات المراكب الصغيرة التي كنا نصنعها بأنفسنا؛ لكن في فترة لاحقة استحوذت كرة القدم على اهتمام شريحة كبيرة من الأطفال والشباب إلى أن أصبحت الهواية الأولى؛ أما العلاقات الاجتماعية بين الكبار والصغار فقد كانت تحكمها صلة القرابة بالدرجة الأولى؛ فأم القيوين مدينة صغيرة كما هو معروف؛ الأمر الذي جعل الناس يعيشون مع بعضهم البعض كعائلة كبيرة يحترم فيها الصغير الكبير؛ والاهم في هذه العلاقة انتفاء مشاعر الغيرة بين الناس؛ فالظروف المعيشية كانت بسيطة وتلقي بظلالها على الجميع؛ وبالتالي لم تكن هناك فوارق بين الأسر.

وهذا أدى بدوره إلى خلق حالة فريدة من التكافل الاجتماعي ومشاركة الجميع في الأفراح والأتراح بروح العائلة الواحدة؛و هذا ليس مجرد كلام إنشائي أو حنين إلى الماضي بقدر ما هو تقدير واحترام لفترة في غاية الأهمية عاشها شعب الإمارات؛ ذلك لان المتغيرات الاقتصادية صاحبتها متغيرات اجتماعية أثرت على المنهج التكافلي بين الأفراد.

المعلق الصغير

في تلك الفترة كان التعليم تحت إشراف البعثة القطرية في أم القيوين؛ والتحقت بمدرسة قطر وأنهيت فيها المرحلة الابتدائية؛ كان أصدقاء الفريج هم أنفسهم زملاء الدراسة في الفصل فلم اشعر بالخوف أو الرهبة من أجواء المدرسة؛ والتغيير الوحيد كان في انتهاء حياة العبث والانخراط في شكل نظامي جديد علينا؛ مواعيد دخول وخروج وواجبات وإصغاء للمدرسين؛ وبالتالي أصبحت لدينا أوقات محددة للعب.

كذلك أصبح لدينا اهتمام كبير بالتحصيل الدراسي وبالتعليم بشكل عام لنبني مستقبلا مهنيا أفضل؛ وأستطيع القول بأنني كنت تلميذا جيدا في التحصيل الدراسي؛ أحب مادة التاريخ وتأثرت بشخصية مدرسها؛ لكنني كنت كارها لمادة الجبر وكانت ثقيلة على نفسي؛ وقد كانت المدرسة ساحة لممارسة الأنشطة الطلابية المختلفة؛ غير أن مشاركاتي تركزت في كرة القدم والإذاعة المدرسية؛ ونضجت مشاركاتي في هذين المجالين عندما التحقت بمدرسة الأمير التي درست فيها مرحلتي المتوسط والثانوية.

وكرة القدم كنا نمارسها في النادي العربي بنفس المجموعة التي تلعب في المدرسة؛كنت أقف في حراسة المرمى؛ وكانت المنافسات محصورة في دوري الفصول ودوري المدارس الذي كانت تشارك فيه فرق من دبي والشارقة وعجمان إضافة إلى مدارس أم القيوين؛ أما خارج المدرسة فكنا نلعب باسم النادي العربي في الدورات الرمضانية.

ونقيم مباريات مع فرق من عجمان والشارقة؛ ولان الخدمة الهاتفية لم تكن متوفرة بالشكل المطلوب؛ فقد كان على المخول له بالاتفاق أن يذهب بالسيارة ليأتي بموافقة الفرق؛ ومادمنا بصدد الحديث عن النادي العربي فقد بدأ بمقر كان مدرسة وتابع للبعثة القطرية؛ وعندما زار المغفور له الشيخ زايد أم القيوين أمر ببناء النادي على نفقته كما أهدى النادي سيارة أيضاً؛ وكان ذلك في نهاية الستينات؛ الطريف انه عندما نذهب للعب في عجمان أو الشارقة كنا نتكدس جميعا في سيارة واحدة.

أما حكاية ومسيرة التعليق فقد بدأت في مرحلة الثانوية ومع مرحلة التعليم النظامي التابع لوزارة التربية؛ كنت في الصف الأول الثانوي عندما علقت في «الإذاعة المدرسية» على مباريات دوري الفصول بتشجيع من أساتذتي؛ كنت وقتها متابعا جيدا لمباريات الدوري الكويتي وتأثرت بخالد الحربان ونور تويني في التعليق وانبهرت بهما.

واستمريت في هذه التجربة إلى أن أنهيت المرحلة الثانوية؛ وقتها التحقت للعمل في وزارة الصحة لكني لم استمر فيها أكثر من أربعة أشهر؛ وفي تلك الأثناء طلبني عبد النور السيد مدير إذاعة دبي للتعليق «إذاعيا» على مباراة بين الأهلي والوصل؛ اذكر وقتها انني جلست بين الجمهور وانتابتني حالة من الخوف لم تنته إلا مع بداية الشوط الثاني.

شعرت بثقة كبيرة في نفسي وأديت بصورة أعجبت المتابعين؛ وبعد خبرة عامين في التعليق الإذاعي ذهبت إلى تونس في عام 1975 ممثلا للإمارات في مؤتمر المعلقين العرب؛ كنت اصغر مندوب بين عمالقة التعليق المشهورين أمثال محمد لطيف وفهمي عمر ومحمد المعاودة سفير البحرين لدى الإمارات الآن؛ ومؤيد البدري من العراق وياسر نحلاوي من سوريا ومحمد جميل من الأردن وغيرهم.

وقد استفدت بحق من هذا المؤتمر؛ لكن هذه المشاركة لم تخل من المنغصات دارت فصولها المرعبة في بيروت؛ فقد كان السفر إلى تونس يتحتم المرور ببيروت أولا ذهابا وإيابا؛ وفي الطريق إلى تونس مكثت لليلة في فندق بشارع الحمرا؛ وفجأة اندلعت الحرب الأهلية؛ أمر لم اعتده أن أحاصر في مكان تدوي فيه القنابل وينهال فيه الرصاص؛ حالة من الرعب سيطرت علي وأنا أشاهد نوافذ الفندق تتحطم أمامي؛ ليلة رهيبة قضيتها وجعلتني ارفض الخروج من المطار أثناء العودة وانتظرت داخله لمدة تسع ساعات.

1982 عام التحول

في عام 1975 استضافت الكويت تصفيات كأس العالم العسكرية؛ وضمت المجموعة إلى جانب الكويت كلا من الإمارات والبحرين والعراق؛ وفي هذه التصفيات كلفت رسميا ولأول مرة للتعليق على مستوى الدولة؛ أما التعليق التلفزيوني فقد بدأته مع كأس الخليج في قطر عام 1976؛ ومن هذه الدورة ارتبط اسمي بمنتخب الإمارات كمعلق.

ويبقى عام 76 أيضاً تاريخا لبداية عملي في القوات المسلحة التي استمريت فيها إلى أن تقاعدت؛ لكن نقطة التحول في مجال التعليق كانت في عام 1982 مع نهائيات كأس العالم؛ فقد خرج صوتي من نطاق المحلية إلى ساحة أكبر مع اتحاد الإذاعات العربية كمعلق للمشاهد العربي.

ونقطة التحول كانت بالتحديد في مباراة الأرجنتين والبرازيل؛ وتم اختياري من بين أربعة عشر معلقا من مختلف البلدان العربية؛ وإذ اعتبر نفسي محظوظا بالتواجد في دلك المحفل الرياضي العلمي؛ إلا أن مسألة اختياري للتعليق على هذه المباراة كان عن جدارة واستحقاق؛ فلم يكن هناك مجال للمجاملة على حساب جمهور كبير في الوطن العربي؛ أما المباراة النهائية في نفس البطولة.

فقد علقت عليها لتلفزيون الإمارات؛ وكانت هذه البطولة مفتاحا للتواجد في جميع نهائيات كأس العالم؛ والبطولة الوحيدة التي تخلفت عنها فهي تصفيات نهائيات كأس العالم التي أقيمت في سنغافورة وتوج فيها منتخبنا بالصعود؛وذلك لأسباب كانت خاصة بالعمل؛ وهكذا استمريت في التعليق على القنوات الأرضية إلى أن وقعت عقد احتكار مع قناة أبوظبي الرياضية عام 1996 لمدة عشر سنوات.

ثم تلقيت عدة عروض من قنوات عربية رفضتها لتعارضها مع عملي في القوات المسلحة وبقائي داخل الدولة لمباشرة الدوام؛ وهنا يجب أن أقدم الشكر للمسؤولين الذين تفهموا عملي في التعليق وقدموا الكثير من التسهيلات؛ وحاليا أنا معلق في قناة دبي الرياضية.

بكاء وضحك

افتخر بأنني عاصرت معظم الأجيال المحلية والعربية على المستوى الرياضي بشكل عام؛ وعلى مستوى التعليق بوجه خاص؛ والآن تجمعني علاقات صداقة وأخوة مع العاملين في المجال الرياضي؛ وهناك علاقة خاصة فيها الكثير من الثقة المتبادلة مع احمد الشيخ؛ وزمالة وصداقة تربطني براشد أميري ويعقوب السعدي وعبد القادر الزيتوني وصالح سلطان ومحمد نجيب وعدنان حمد وراشد عبد الرحمن وعلي سليمان واحمد الجراح وعلي سعيد واحمد سلطان واحمد الشحي وعامر عبدالله وغيرهم.

وأنا بطبعي أحافظ على صداقاتي وعلاقاتي والإفراط فيها بسهولة؛ وخلال مسيرتي الطويلة مع التعليق يحسب لي أن تتلمذ على يدي الكثيرين كوني محاضرا للاتحاد العربي لكرة القدم والتعليق؛ كما أنني عضو في لجنة المعلقين العرب وعضو الإعلام الرياضي في الإمارات وعضو في الفريق الموحد لاتحاد الإذاعات العربية.

البكاء في طباعي صعب ونادر الحدوث؛ لكنني بكيت كثيرا عندما توفي والدي؛ وبكيت بكاء الفرح عندما فاز منتخب الإمارات على العراق في كأس أمم آسيا عام 1996؛ أما الضحك عندي فهو أسلوب حياة؛ فانا أحب جلسات السمر وأتبادل القفشات والمقالب مع أصدقائي؛ لكن يظل اليوم الذي ضحكت فيه من أعماق قلبي حين فاز منتخبنا بكأس الخليج.

أما حياتي الخاصة فأعيشها مع أولادي وأسافر معهم في إجازات الصيف؛ والسفر بحد ذاته كان محببا إلى نفسي؛ ومن كثرة السفربات والمناسبات الرياضية الخارجية أصبت بالملل؛ لا أحب التغيير باستمرار خاصة مقتنياتي الشخصية التي ابني معها علاقة خاصة مثل السيارة والهاتف؛ أحب سماع الموسيقى وأغاني الطرب والفن الجميل؛ واستمع واستمتع بأصوات محمد عبده والياس خضر وراشد الماجد.

مدرسة التعليق

يقول عدنان حمد: تعرفت على علي حميد منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما وبالتحديد عام 1982؛ وهو بحق مدرسة في التعليق الرياضي تتلمذ على يديه الكثيرون؛ واذكر أن أول مباراة علقت عليها كان متواجدا في الكابينة؛ والكلام عن علي حميد كاحدى العلامات البارزة في الوسط الرياضي يحتاج إلى وقت طويل؛ وشهادتنا فيه مجروحة تماما؛ فهو من المحترفين العمالقة والمعلمين الكبار؛ وله أسلوبه الخاص في الوصول بالمعلومة والوصف الدقيق لمجريات المباراة.

دون أن يشعر المشاهد بالملل؛ وهو على صعيد آخر إنسان خفيف الروح مبتسم دائما وكثيرا ما يفعل فينا المقالب؛ لكنه سريع الانفعال والغضب من مقالب الآخرين وخصوصا من مشاكساتي على وجه التحديد؛ ومع ذلك فهو سريع النسيان لأنه يمتلك قلبا طيبا؛ وأنا من كل قلبي أتمنى له التوفيق ودوام الصحة والنجاح.

ويقول علي سعيد الكعبي: لاشك أن علي حميد يمثل مدرسة خاصة في التعليق الرياضي خصوصا وانه من أوائل المعلقين في الإمارات.

وهو من فتح الطريق أمام الجميع ليدخلوا هذا المجال؛ وما يميز علي حميد انه وبالرغم من تقدمه في العمر مازال محافظا على تألقه وحضوره الجميل؛ ومازالت طبقات صوته على حالها وكأنه شاب في مقتبل العمر ،والجميل انه مازال على نفس حماسه القديم يحب عمله ويتفانى في أدائه بحماس شديد وكأنه في بداية مشواره؛ كما أن له محبيه ومريديه في الوطن العربي وهناك من المعلقين من تأثروا بطريقته في التعليق؛ فهو بحق رمز يحتذى به؛ تمنياتي لأبو محمد بدوام التوفيق والنجاح

عزالدين الأسواني

Email