بورتريه

إبراهيم مبارك .. كائن مسكون بضجر طائر العصر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ولد القاص إبراهيم مبارك عام 1952 في قرية أم سقيم في منطقة جميرا في دبي، وتأثرت نشأته بمعطيات الواقع في تلك القرية التي يعيش أهلها على البحر والصيد، وأصبحت حياته تدور حول البحر والنخل تماما مثل معظم أهالي القرية الكادحين الذين يعانون في صمت من أجل لقمة العيش، ورغم الظروف الصعبة التي يعيشونها من قلة الموارد وشظف العيش إلا أنهم كانوا مترابطين تسود بينهم الألفة والمحبة، ولولا الطفرة النفطية التي حدثت على أثرها تغيرات كبيرة في المجتمع لكان إبراهيم مبارك وأقرانه مازالوا يعملون في الصيد، ويعيشون تلك الحياة الصعبة التي لا مفر منها ومواجهتها بالصبر.

وفي السبعينات عندما هبت رياح التغيير بسبب تحسن الظروف الاقتصادية، تكونت داخل إبراهيم مبارك قناعات جعلته أشد إصرارا على الاتجاه إلى التعليم حتى يغير من واقعه الذي يعيشه، ومن ثم تغيير نمط الحياة في المجتمع ككل، وسار في طريق العلم ولم يكتف بالدبلوم العالي للمدرسين بل نال بكالوريوس في علم النفس ودراسات عليا في التربية من جامعة الإمارات. وكانت أولى محاولات إبراهيم مبارك القصصية في عام 1974، عندما كتب «ضربات المضارب» ذات الموضوع الاجتماعي والتي تتحدث عن «قهر المرأة» فالأرضية الأولى التي انطلقت منها قصصه هي أرضية قومية عربية كانت أكثر شمولا وأصبحت «أم سقيم» قريته الصغيرة تتسع لأسئلة العالم كافة فأخذ يكتب نصا إنسانيا أكثر رحابة وأوسع أفقا مع تمسكه بخصوصيته البيئية والمكانية.

بدايته مع الكتابة كانت عندما كان طالبا في الثانوية وقتها كان الهم الاجتماعي هو الطاغي وانعكس ذلك على مجموعة من الشباب وحينها انضم الى «نادي النصر» في دبي وشكلوا اللجنة الثقافية فيه والتي أخذت على عاتقها التوعية الاجتماعية فأصدروا نشرات وزعوها على أعضاء النادي أو من يستطيع أن يصل إليه وتنوعت قراءاته في تلك الفترة، ما بين العلم والمعرفة والأدب، عززتها مكتبة النادي، إلا أن تلك القراءات تحولت الى اهتمام شخصي وخاص ثم ارتبطت بالكتابة لا سيما بعد دخوله الى الجامعة.

ودائما يشيد إبراهيم مبارك بمدرسيه القدامى الذين أتوا من مصر والذين تأثر بهم كثيرا، وكان لهم دور كبير في ترسيخ معنى العلم والنهوض بالمجتمع، فلم يكن هدفهم المادة في ذلك الوقت بمقدار اهتمامهم بالإنسان العربي ومشروع القومية العربية، خاصة في الستينات حيث كانت الإمارات مازالت تحت الاحتلال الانجليزي، وكان هدفهم الأسمى هو النهوض بأبناء الأمة العربية.

التحول من القصيدة إلى القصة

مدينته «جميرا» البحرية التي يسكنها الصيادون والبحارة كانت مرجعيته الأولى للكتابة القصصية. يقول «ليس بين بيتنا وبين البحر سوى بضعة أمتار وعندما يولد طفل أو طفلة في هذه القرية فإن أول ما يسمعه هو صوت البحر».

من هناك بدأ إبراهيم اختزان أصوات البحر وألوانه وأشيائه وخصوصياته فهذا المشهد البحري الممتلئ بالوقائع والصور والأصوات والبيئة المائية الزرقاء جميع هذه المشاهد تدفع به إلى «القصيدة» وليس إلى «القصة». وكنقلة في حياته فقد التقى في جامعة الإمارات كلا من: احمد راشد ثاني وخالد بدر وآخرين ليتجه بصورة أعمق وأعمق إلى القصة القصيرة.

وعمل مبارك في بداية حياته المهنية مدرسا ومشرفا إداريا ووكيلا لمدرسة، ثم رئيسا بقسم الشؤون التعليمية في منطقة دبي التعليمية، وبعد ذلك رئيسا لقسم التربية الرياضية بإدارة التربية الرياضية في وزارة التربية والتعليم والشباب، كما شغل منصب مدير لإدارة الأنشطة الثقافية والفنية في وزارة التربية والتعليم. فضلا عن كونه يتمتع بالعضوية في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وفي ندوة الثقافة والعلوم، وجمعية كشافة الإمارات، وجمعية المعلمين، وبالإضافة لذلك فهو كاتب في جريدة الاتحاد وجريدة البيان سابقا ومجلة أحوال.

له العديد من المؤلفات والدراسات والمشاركات ومن إبداعاته الأدبية أربع مجموعات قصصية هي:

ـ «الطحلب، وعصفور الثلج، وخان الصادر، وضجر طائر الليل، وقبر الولي»، وله العديد من الكتب مثل كتاب «الحركة الكشفية في الإمارات»، كتاب «الكشافة في الإمارات»، كتاب «نواقيس - قراءة في الأنشطة الثقافية والفنون»، كتاب «سواحل البحر».

ـ كتاب «صدى المسرح» فضلا عن ذلك، فقد تميز بمساهمات في مجال المناهج فعمل على تدريس قصة (سيف والجر جور) في مناهج التربية للصف الأول الإعدادي لأكثر من 7 سنوات، ودرّس قصة (مناقير) في مناهج التربية لنفس المرحلة. كما كان له كذلك مساهمات في مجال التربية الكشفية والأنشطة حيث حضر مؤتمرات عالمية ومعسكرات في سويسرا، جنوب أفريقيا، تايلاند، أوسلو، النرويج، كوريا الجنوبية وفرنسا. بالإضافة للمؤتمرات العربية والمعسكرات في المغرب، تونس، ليبيا، سلطنة عمان، اليمن، الإمارات ومصر.

قراءة المكان بعين الناقد

ويقول عنه الأديب عزت عمر: تعرّفت الصديق إبراهيم مبارك منذ مجيئي إلى هذه البلاد الطيبة، وكان يومها بصدد إصدار مجموعته القصصية الثانية، وكان مجتمع اتحاد الكتّاب في الشارقة يمتلئ حراكاً ورغبات في اقتحام دروب العالم المختلفة لتأكيد الذات واحتلال موطئ قدم في المشهد الثقافي العربي، الأمر الذي خلق شكلاً جميلاً من أشكال الوحدة العربية.

أو وحدة الموقف على الأقل إزاء كثير من القضايا التي كانت مطروحة، وإلى ذلك فإنني كتبت عن مجمل أعمال إبراهيم مبارك في الصحافة الثقافية أو من خلال كتابي «مرايا البحر» منوّهاً إلى أهم أطروحاته الفكرية وإنجازاته التقنية.

واليوم إذ نتحدّث عن إبراهيم مبارك مجدداً فلابدّ من التنويه إلى مجموعته الجديدة التي صدرت عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات: «ضجر طائر الليل» الذي أكّد من خلاله اهتمامه بوطنه، فجعل من المكان القصصي شخصية أساسية من شخصياته النابضة بالقلق والتساؤل عن المآل الذي ستكون عليه الإمارات أو دبي أو غيرها من مدن الدولة أو مدن الجوار، فنراه يقرأ المكان بعين الناقد المستشرف للمستقبل.

ويقول كلمته معتبراً أن مسؤولية المثقف تجاه وطنه فوق كلّ اعتبار، وعليه في سبيل ذلك ألا يجامل أو يتحامل، وبذلك فإن القصّ لديه يواظب على تبيان علاقة الإنسان بالمكان كما في كتابه المهم شواطئ البحر، أو في قصصه الأخرى بكلّ ما في هذه العلاقة من جذب ونبذ، مركّزاً في الوقت نفسه على الجانب الإنساني لدى شخصياته من خلال جعلهم يعبرون بين زمنين.

ومثالنا على ذلك: سعيد الصقّار في قصّة «ضجر طائر الليل» وهو الفتى الذي تعلّم فنون القنص ومهاراته، وعاش على الدوام في فضاء رحب ومفتوح، سوف يزجّ به في أتون التطوّر المديني المكتظ بالعمالة الأجنبية، وفي حيّز مغلق وأكثر اكتظاظاً إذ هو عبارة عن حانة ضمّت غرباء الليل، وذلك بغية الكشف عن مفاسد المدنية المتجلية في هذا النوع من اللهو من جهة، ولتبيان مدى خطئه في قبوله وامتثاله للقيم الجديدة، سيما وأنه كان دائماً يقول: «مرحباً بالحياة الجديدة، إنه زمن يستحقّ أن يقدّر وأن يعطى فرصة لفهم أسلوبه».

وبالإضافة إلى ذلك سوف يواظب إبراهيم مبارك على متابعة شخوصه من البسطاء والمهمّشين الذين عصف بهم التطوّر المديني، ومنهم العبّارون والصيّادون والمزارعون والرعاة وغيرهم من الفئات الاجتماعية التي لعب القدر لعبته الصعبة معهم فأقحمهم مدناً صعبة وقاسية لا ترحم، ويمتاز إبراهيم إلى جانب ذلك برصد علاقة الشخصيات بزمانها ومكانها، ومثالنا شخصية محمد في قصّة «رجل لا ظلّ له»، فهو على العكس من السكان لم يعمل في البحر.

وإنما أسّس لاقتصاد منزلي قام على مجموعة من الأغنام والماعز والبقر والدجاج مكتفياً ذاتياً بما تدرّه عليه من رزق، متجاهلاً في الوقت نفسه جملة التطوّرات التي أصابت المدينة، وربّما لأنه كان يدرك مسبقاً المصير الذي سيؤول إليه أمثاله فيما لو أنه انخرط في حياتها الصاخبة، والمثال على ذلك المآل الذي انتهى إليه الصقار سعيد و«الشاهين» الذي كان معه.

ومن جانب ثان، سيبقى إبراهيم مبارك وفياً لبيئته ولثنائية البحر والصحراء، فعمل في سائر قصصه على تفعيل عناصر هذه البيئة في لحظة زمانية شديدة الخصوصية، وسيعبر عنها السارد من خلال الذاكرة، أو من خلال متابعاته الشخصية لتأسيس ذاكرة المكان، وهو ما كنا لحظناه في كتابه المهم «سواحل البحر» الذي رصد من خلاله جملة من المصطلحات والعناصر البحرية بدافع إطلاع الشباب على تراثهم الماضي فربما هم لا يعرفون أو يتذكّرون ما تركه الآباء والأجداد، وبخاصّة ما يتعلّق بالبحر.

سواء كان ذلك أمكنة لها أهمية في الماضي أو الحاضر، ومن ذلك سيطّلع القارئ على جوانب مختلفة من الحياة على خور دبي، أو بعض الأحياء الشعبية وخصوصاً (الجميرا) و(أم سقيم) التي أصابها التطوّر وازدحم الناس فيها، وانعدمت الحياة الرومانسية الجميلة التي عاشها الكاتب وأقرانه فيها.

وإلى ذلك فإن إبراهيم مبارك كتب الكثير من القصص التي تعنى بالجانب الوطني، أسفرت توجّهاتها العامة عن وعي القاص بالمسألة الوطنية وهي وإن أخذت في بعض الأحيان شكل المباشرة الخطابية والشعرية الناهضة على رمزية ذات دلالة على لسان السارد أو من خلال الحوار بين الشخصيات، إلاّ أنها تعبّر في النهاية عن رؤيته الملتزمة تجاه وطنه وأمته مما يؤكّد أنه يسعى لتقديم نصّه القصصي بوعي ونضج فكري يميزانه، وفي الوقت نفسه يمكّنانه من السيطرة على بنائية نصّه في حدود مستوياته كقصّ فنّي يقدّم لنا مادة حية من صميم الواقع.

مواجهة طوفان التبدلات

ويقول الكاتب عبد الفتاح صبري إن إبراهيم مبارك يشكل العلامة الفارقة المستمرة في فن القصة، ويمثل الامتداد المستقبلي لها، رغم أن كتاباته متمهلة وغير متسرعة في المراكمة، امتلك في تجربته زمام الفن، فمن ناحية البناء الفني لديه وعي به ويحققه في معظم نتاجاته وقصصه، مضمونا يحاول اكتشاف آليات الجمال في حركة مجتمع ما قبل النفط والتحولات، ولذلك غلب على أعماله الأولى رصد هام لحركه الإنسان في المكان «في البحر خصوصا - وفي الصحراء».

واتخذ من البحر معادلا للحياة والمستقبل وللقيم المستقبلية وللقيم الإنسانية والمبادئ المجتمعية، ولذلك فإنه رسم بحده فائقة الملامح الإنسانية لتلك المرحلة وركز على رموزها وقيمتها، وتباكى عليها وهي تذوي أمام عينيه، تبتعد لصالح الجديد الذي لا يتسق وقيمه، وقيمته المجتمعية وقيم إنسان هذا الوطن، وهاجم تلك الأوهام الجديدة التي تؤطر لتهميش الإنسان وتغريبه.

فاتخذ من البحر ملاذا ومتكأ لنقد هذا الحاضر الجديد وهذا الوافد الأليم وواجه بقيم البحر تلك المتغيرات الكبرى في المجتمع وحين اختل الواقع الديموغرافي وجر ويلات أخرى وقيما متعارضة مع العادات والقيم الوطنية، إضافة الى قيم الآلة والأسمنت والتقنيات الحديثة التي أحدثتها انقلابا تمسك هو بالتراث

وانتبه الى الهوية، ولذلك سنجد كتاباته وترشح برموز( البحر/ النخلة/ الرمل ) كدلالات في مواجهة طوفان التبدلات التي تترصد مناحي الحياة التي كانت هادئة، ولقد بدأ ذلك في تجربته الأولى مجموعة (الطحلب) التي أفردت مساحه للبحر.

واستطاع أن يركز ذلك كقيمه تراثية وثقافية، لأن البحر بشساعته في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والحياتية شكل مع شساعه الصحراء عمقا للقيم الاجتماعية ووشائج الترابط وعمق التواصل الإنساني الشفيف رغم شظف العيش وقسوة المناخ والطبيعة والحياة لأن كليهما (البحر/ الصحراء) ساهما في تشكيل تلك القيم وسلوك الناس لما تشكلت على شاطئ البحر قيم الفرح والحزن المواكبة لقوافل الغوص حين الوداع وحين اللقاء وأثناء الغياب.

ونسجت الأمة صبرها وحده طباعها وكرم أخلاقها وخصالها من هذه الصفحة المتقلبة المنبسطة على مد الطرف في الماء وفي الصحراء.

وإبراهيم مبارك وعى ذلك وعاشه وعايشه فنسجه قصصا تروي وتبكي على هذا الذي كان ولن يعود، فأرخ للبحر وسجل تاريخه المائي المتقلب، وحكى عن أفراحه وأحزانه وآلامه.

الوطن والإنسان والتراث

وفي مجموعته الثانية (عصفور الثلج)عمق تجربته الفنية ونحا نحو شعرية اللغة والزخرفة وبحث في آلية للسرد جديدة عنه حتى وإن فاته عدم الاكتناز أو الاحتشاد أو الاقتصاد لأن اللغة فتنته، وبدأ في تلك المجموعة منشغلا بالمفردة والكلمة والصورة، واتجه الى الرمز والانفعال الحسي ولغة الجسد التي باتت ظاهره في متن السرد، وبدأ يبتعد عن الفعل الماضي مفجرا حيوية القص المطلة من الأنا الساردة النابعة من عمق النص.

ويطل علينا إبراهيم مبارك في مجموعته (خان) فاتحا نصه نحو بعد إنساني جديد، يتجه به نحو هؤلاء القادمين من الشاطئ الآخر، بحثا عن الحياة هنا، ففتحت قصصه آلام البشر المتطلعين الى الحياة المأمولة، والمخاطر التي تكتنف رحلة البحث عن إنسانيتهم وعن بشريتهم وحقهم في الحياة ولكن أيضا نبه الى خطورة هذا الوافد الذي غمر البلاد بلا ضوابط فاتحا شرورا أخرى غير تبدلات القيم.

ولكن لجهة الأمان والأمن، وحوادث تأخذ بلب المجتمع وتفجعه في أعز ناسه، إنه جرس التنبيه لخطر لابد من تداركه، واستمر أيضا مبارك في تجويد تجربته نحو إتقان القصة داخل القص، ويحث في قيم الإنسانية واهتم بالإنسان كبشر من حقه الحرية والحياة والحب والعيش في سلام اجتماعي ونفسي ومادي.

وإبراهيم مبارك في إجمالي تجربته، اهتم بالوطن وبالإنسان وبالتراث، وفنيا أنه مستقبل القصة شرط أن يستمر في العطاء والتأمل، كما إنه في كتاباته السردية الأخرى اهتم بالوطن والمعضلات التي تواجه صعوده نحو المجد متخذا من القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية ميدانا للبحث وإبراز المعوقات والحلول والأمنيات حاثا الجميع على التكاتف من أجل البناء والمستقبل الواعد على كل الصعد.

ضد الزيف والمصالح المكتسبة

يقول حارب الظاهري رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات:

يعتبر الصديق المبدع إبراهيم مبارك من الأدباء المثابرين على الساحة الثقافية ومن المجددين في فن القص الإماراتي بل يخرج بالكتابة الأدبية إلى حيز الساحة العربية والخليجية ليبرز كقلم إماراتي رفيع المستوى ولا غرو في ذلك فالمبدع إبراهيم مبارك من أوائل رموز القصة والكتابة الأدبية بل أغزرهم إبداعا وإنتاجا وهو عميق الفكر وشخصية ذات ملامح مميزة.

وما يعزز مكانته الأدبية يوما بعد آخر ارتباط قلمه بالتعبير عن البيئة البحرية التي عشقها لدرجة تفوق الوصف، يستنبط منها حروف إبداعاته الجميلة، يستمد من شروق البكر رؤية متجددة ومن الصباحات ذلك التحرر، وعلى ضفاف البحر وتلك السفن تتهادى إلى بوصلة القلب مدينة دبي، وكأن الغروب يبتكر للمدينة ثوبها بمقاييس الذاكرة.

هنا تتسع المخيلة لدى الكاتب لتفرز تلك الكتابة النقية والمتأصلة في روح المكان، مخترقا ذاكرة الإنسان، مختلج تلك المعاناة البشرية المختلفة وكأنه يعيشها عن قرب وهنا تأتي الكتابة سلسة وحكائية لتتأصل الفكرة أكثر كون البيئة البحرية لها تأثير كبير على أولئك الذين يرتادون السواحل فما بال الذي يجسد الفكرة نفسها حيث يشتق من تلك البيئة جماليتها وسحرها ورونقها الحاضر دائما في كل كتابات إبراهيم مبارك المتجسدة بتلك الخصوصية المتعمقة.

فهو حضاري في التعامل مع البيئة البحرية وقد امتد ذلك إلى تعامله مع البيئة الإنسانية فالتدفق من هذا المنظور جعل من إبراهيم مبارك صاحب الفكرة والقلم وصاحب الموقف.

فحين يخرج عن صمته تنقشع العشوائية وتبدو الحقيقة المراد بها. فهو ليس من الشخصيات التي تبحث عن الزيف أو المصالح المكتسبة!!

إذن الصديق المبدع إبراهيم مبارك من الشخصيات التي يعجز فعلا المرء أن يحصي كل أبعادها الإنسانية والثقافية وما يحظى به من رؤية ثاقبة في الوسط الثقافي يعد مكسبا حقيقيا لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

الأديب ناصر جبران يشبه إبراهيم مبارك بالسنديانة، فيقول هو شجرة كبيرة وعظيمة تمتد جذورها الى كل تراب الوطن، فهو كإنسان يمتاز بحسن الخلق، تغلب عليه طيبته، جاد في عمله متجذر في مواقفه، يميل الى الحق، وهو رجل صريح وواضح، وطني الى أقصى الحدود، وهو كأحد أعضاء اتحاد كتاب وأدباء الإمارات يسعى مخلصا على ترابط الأدباء القدامى والجدد، وأجمل ما يميزه أنه لا ينفرد أبدا بالرأي، بل يفضل سماع أصوات الآخرين وآرائهم، حتى اذا كانت مخالفة لرأيه فإنه يستقبلها بصدر رحب.

إيمان قنديل

Email