ملامح

صلاح شيرزاد... من تأصيل الحرف إلى إبداعه

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ارتبطت سيرة الفنان الدكتور صلاح شيرزاد، بفن الخط العربي، وعرف بإسهاماته في تعميق وتطوير هذا الفن في دولة الإمارات منذ استقراره فيها وحتى هذه اللحظة.

لم يدّخر جهدا، ولم يترك تظاهرة إلا وكان من القائمين عليها أو المشاركين بها. وهو من الخطاطين البارزين ومن الأسماء المعروفة في عالم الخط العربي، حاصل على الدكتوراه في تاريخ الفن الإسلامي وعضو مؤسس في جمعية الخطاطين العراقيين والعديد من الجمعيات الأخرى. تتلمذ على كبار الخطاطين كما تتلمذ على يديه العديد من المواهب التي برزت فيما بعد. للتعرف على بعض ملامح تجربته في التأسيس وإنتاج اللوحة الخطية، ودوره في تكريس هذا الفن آثرنا أن نلتقيه عبر هذا الحوار الذي استهله ببداياته الأولى:

أول جمعية عربية للخط: درست في جامعة بغداد (الدراسات الإسلامية العربية) كلية الآداب. و كنت مهتماً بتعلم الخط منذ المرحلة الإعدادية، حيث تتلمذت على يد كل من: د. عبد الغني العاني وهاشم البغدادي. وأسهمت في تأسيس جمعية الخطاطين العراقيين التي تعد أول جمعية عربية للخط عام 1975، حيث أخذت الجمعية بتنظيم المعارض الداخلية والخارجية وهذا ما أسهم بإبراز بعض الخطاطين وشكل دافعا لإنتاج أعمال خطية. في تلك المرحلة توسعت اهتماماتي المعرفية في المسرح والسينما والأدب، فقد كنت أعتبر أن الخط جزء من عموم الفنون، وهذا يتطلب الإلمام ببقية أنواع الفنون، لكي يتم رصد التطورات التي حصلت، فقد كنا نعاني من قولبة الخط على مسائل تقليدية، وهذا ما جعلنا نكثر من الاطلاع، كي نرى على أية أرض نقف، ونصبح على تماس مع الفنون بمعناها المعاصر.

عام 1987 ذهبت إلى تركيا لدراسة تاريخ الفن في جامعة اسطنبول، وبسبب الحرب العراقية الإيرانية ذلك الوقت، غادرت تركيا إلى الإمارات وتابعت دراستي من هنا، ورغم أنه كان لدي قبول لمتابعة دراستي الجامعية في انجلترا إلا أنني فضلت الدراسة في تركيا لاهتمامها بالخط، فتراث الخط متطور وغني في تركيا. هناك استفدت من حامد الآمدي رغم أنه كان في أواخر حياته، كما استفدت من أشياء متعلقة بالخط كالآبرو والزخرفة. وقد كان اهتمامي بالزخرفة، كونها غير شائعة في العراق وكان همي أن أساهم في بعث هذه الفنون من جديد، لأن الزخرفة كانت تمارس من قبل قلة، تعلمت هذه الأشياء ولم أستطع العودة إلى العراق بسبب الأوضاع، لكني استفدت على المستوى الشخصي.

أفضل الخطاطين من الأتراك

وعن مستوى الخطاطين الأتراك يقول: إلى الآن أفضل الخطاطين من الأتراك، رغم أنهم تركوا الكتابة بالحرف العربي، لكن ما زال هناك محبون للخط إلا أنهم تقليديون خارج التجريب والتطوير، والتجديد عندهم غير مقبول، لذلك بقوا ملتزمين بالتقليد حتى الآن. وقد كنت أحد المساهمين في عقد لقاءات دورية للخطاطين، فقد كنت محملا بتجربة جمعية الخطاطين في العراق واستطعت أن أنقل اللقاءات بين الخطاطين بشكل منظم بين الأفراد وطورت منظمة أرسيكا هذه التجربة فيما بعد على مستوى أوسع.

وحال وصولي إلى الإمارات حاولت أن أشكل مجموعة ، وبالفعل شكلنا جماعة الخط تحت مظلة جمعية الإمارات للفنون التشكيلية مع محمد علان، سيف سر الختم، محمد مندي، حسين السري، جنة عدنان، وكنا نعقد لقاءاتنا في المجمع الثقافي. وبعد انتقال عملي إلى الشارقة واصلت عقد اللقاءات وخصصت في منزلي لقاءات كل يوم أربعاء، وأحياناً تعقد اللقاءات في أماكن أخرى كمقر جمعية الإمارات للفنون، وقد تمخض عن هذه اللقاءات نشرة بعنوان(الخطاط) أصدرنا عددين منها على أمل أن نصدر مجلة تخصصية بعد ذلك.

ثم أقمنا لأول مرة في الإمارات معرضا جماعيا للخط، في النادي الأهلي وقد رافق المعرض ندوات فكرية ولاقى نجاحاً كبيراً، ثم تلاه معرض في المجمع الثقافي، بعد ذلك أصبحنا ندخل بقوة في المعارض السنوية لجمعية الإمارات للفنون التشكيلية وقتها أصبح للخط ركن خاص، وتزامن في تلك الفترة افتتاح معهد تعليمي للخط العربي وقد كنت أحد المساهمين في المعهد مع علي ندا الدوري وياسر الدويك. وقد لعب المعهد دوراً بتعريف عدد كبير من الناس بأصول الخط العربي.

هذه الأرضية ساهمت بأن تُعرف الإمارات باهتمامها بالخط، حتى أصبحت تقام معارض دورية متخصصة بفنون الخط تنظمها دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة كمعرض المرئي والمسموع الذي وصل إلى دورته التاسعة في رمضان الفضيل وملتقى الشارقة الدولي لفن الخط الذي ضم العديد من التجارب الخطية البارزة في العالم العربي والإسلامي.

حروف عربية

ويعتبر شيرزاد أن مجلة «حروف عربية» التي كان رئيس تحريرها قبل أن يتركها والتي تتبناها ندوة الثقافة والعلوم بدبي، كانت من المفاصل المهمة ، في تعميق وترسيخ الاهتمام بالخط، والتي لاقت انتشاراً واهتماماً من قبل المختصين وغيرهم من محبي ومتذوقي الخط العربي، فقد كان لحروف عربية دور في تقديم العديد من الخطاطين في إطار رؤية نقدية وقراءة جمالية أسهمت في انتشار الخط العربي وأعلامه وأساتذته.

وفي إطار الجانب النظري وبلورة آفاق ثقافية وجمالية شاملة يقول: استكمالاً لمشروعنا الجمالي والثقافي من المؤمل أن يصدر قريباً العدد الأول من مجلة (فنون إسلامية) وهي مجلة تصدر باللغتين العربية والإنجليزية وقد آثرنا إصدارها لمقاربة الفنون الإسلامية التي على الرغم من سعتها ومكانتها وأهميتها فأنه لا توجد مجلة متخصصة في هذا المجال، ولعلنا ننشد بذلك تشجيع الباحثين على مواصلة الإسهام بهذا المواضيع، وهي مجلة تشتمل على الدراسات الجمالية النظرية في العمارة الإسلامية، الخط، الزخرفة الإسلامية، المنمنمات.

تثنية

أما عن مشروعه الجمالي ورؤيته الخاصة في تشكل العمل الفني فالدكتور شيرزاد بلور تصوره في سياق تأملي معتبراً أن : الواحد أصل للاثنين. البدء واحد وبعده اثنان. الحياة تسير على نظام الانقسام، فالخلية الواحدة تنقسم إلى اثنتين، وكل واحدة تنقسم بدورها، وهكذا. هذا الاختزال للمعادلة الكونية تفسّر سلامة الفطرة حين تتجه نحو اتخاذ إله واحد، وتميل إلى احتواء اتباع أكثر من واحد لأن الأصل والقائد ، والموجه، وبالتالي الرب يكون واحداً، ولكن الفرع والرعية وكل منتج لابد أن يزيد على الواحد. ذلك أن المنتج الواحد لايبعث على الشعور بالاستقرار، إنما يعكس انطباعاً بالنقص وعدم الاكتمال، حتى إذا ثنّي أو زاد يشعر المرء بالاطمئنان والاستقرار.

ألا ترى أنك عندما تصف موصوفاً لا يحلو لك إلا بتثنية الصفة! ولنرجع إلى التعبير المثالي: باستثناء القليل جداً فإن جل الآيات القرآنية تنتهي بصفتين للموصوف الذي هو في الغالب الله تعالى شأنه. الخطاط أحد اللاعبين بـ (الثنائية). فكم يسعد عندما يجد في النص الذي يخطه زوجين من الشكل، عندئذ لا يتوانى في إظهارها بشكل ملحوظ. بهذه الكيفية ينظر شيرزاد إلى آلية تشكل صورة الخط أو المفردة البصرية التي يحيلها الفنان إلى عمل جمالي تدخل في نسيج تجربته الفنية والتي يحاول الوصول بها إلى آفاق جديدة.

إسماعيل الرفاعي

Email