إبراهيم علان من «اللص الظريف» إلى غوركي

إبراهيم علان من «اللص الظريف» إلى غوركي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرفه الساحة الثقافية حق المعرفة كعلامة بارزة حاضرة بقوة في معظم المنتديات الثقافية، ويعرفه الجمهور بنبرة صوته المميزة وعباراته التي اشتهر بها في برامجه التلفزيونية، أستاذا جامعيا وباحثا وكاتبا، قدم الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية أشهرها برنامج المسابقات «حروف» له العديد من المؤلفات الفكرية والأدبية، وناشط في المؤسسات الثقافية وله مساهماته في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

إبراهيم علان، موسوعة ثقافية أدبية متحركة، يستمد معلوماته من مكتبة قيمة زاخرة بالعناوين المختلفة، يقضي أوقات فراغه متجولا بين الشعر والقصة وكتب التراث، عشق الكتاب منذ بلغ العاشرة من عمره، والتصق به حتى وقتنا الحاضر، تدرج في قراءاته إلى ان تعمق فيها. وهو في العشرين من عمره، باغتتنا اقتناءاته الموسوعية النادرة، وأبهرتنا مكتبته بتنسيقها اللافت للنظر، فكل كتاب في مكانه حسب الأصول، وهو تصنيف احتفظ إبراهيم علان بسره لنفسه، الشعر.. قديمه وجديده في زاوية خاصة، القصة والرواية في زاوية أخرى، الموسوعات بجوار بعضها البعض، الإصدارات الأجنبية في جناح خاص.

النظام والدقة عنوان آخر لشهرة علان في وجه الآخرين، غير مسموح لأحد ان يقترب من مكتبته، ولا أن يزحزح كتاباً من مكانه، هي عشقه الخاص وملهمة أفكاره، ومصدر معلومات لكتاباته البحثية، فكيف أنشأ علان مكتبته الخاصة؟

يعود إبراهيم علان بذاكرته إلى طفولة مبكرة، حين كان شقيقه الأكبر مولعا بقراءة الروايات والقصص البوليسية المترجمة، والتقط علان هواية القراءة من شقيقه، وكان ينهي قراءة القصة في يوم واحد حتى لا تزيد عليه قيمة استعارة الكتاب من المكتبة التجارية.

وأدخلته روايات اللص الظريف ارسين لوبين إلى عالم القراءة، واستئجار الكتب جعله يلتهمها بسرعة فائقة، ونما لديه حب الاطلاع، لكنه تدرج بعد ذلك وغاص في كتابات أدجار ألان بو، ثم في قصص «مكسيم غوركي» .

وعن بدايات قراءاته للكتب المترجمة يقول علان: أخي كان السبب وراء هذه الميول، فقد كان يقرأ القصص المترجمة، والآن أعتبر نفسي محظوظا لأني بدأت بهذه القراءات فلقد أصبح لدي حس في اختيار كتابي المفضل، ونمت عندي الميول النقدية في فترة مبكرة، واتضح ذلك بعد ان اتجهت إلى قراءة المنتوج الأدبي العربي.

وينفي علان ان تكون هوايته قد أثرت على مسيرته الدراسية، بل العكس هو الصحيح، فقد مدته بكم من المعلومات وساعدته على فهم المنهج الدراسي بشكل ميسر، غير ان اهتماماته انصبت على الإنتاج الشعري، واتجه لقراءة الدواوين الشعرية العريقة.

وعن هذه الفترة يقول إبراهيم علان: شدتني قراءة الشعر وكتب التراث بشكل عام، إذ استقيت منها أخبار الأولين وقدرتهم على التعاطي مع القراءة والكتابة في ذلك الزمان رغم نقص الأدوات.

وكان هذا يثير إعجابي واندهاشي كثيراً، كون هؤلاء، أمثال الجاحظ والأصفهاني يسوقون هذه المعارف في مصنفات أدبية يتعدى الواحد منها عشرة أجزاء، إنه إعجاز لا شك يثير الاهتمام والإعجاب بهم، ولذلك فإن أقرب كتاب إلى قلبي أعود إليه كثيراً هو ديوان الشعر، المتنبي من العصر القديم، وأحمد شوقي والجواهري من العصر الحديث، فأنا أشعر أنهم يتحدثون باسمي في كل أشعارهم.

الإعارة ممنوعة في عُرف إبراهيم علان، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرّتين، الأصدقاء كثيرون، والذاكرة لا تسعف المرء كي يتذكر مَنْ منهم استعار هذا الكتاب أو ذاك، موسوعتان ناقصتان في مكتبة إبراهيم علان، ولا يعرف من الذي استعار أجزاء ولم يعدها، غير أن الإعارة مسموح بها في حالة واحدة، أن يكون لديه نسخة إضافية من الكتاب نفسه.

المكتبة في بيتي تعني الكثير بالنسبة لي «يقول علان» فهي مصدر أبحاثي الجامعية وأوراقي التي أقدمها في الندوات والمؤتمرات التي أكون ضيفاً فيها، وكانت معيناً قوياً في إعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي كنت أقدمها بكثرة، ثم انها تمثل منبعاً للمعرفة التي أحتاجها في كثير من أمور حياتي اليومية.

غير أن إيقاع العصر السريع قد أثر سلباً في قراءاتي، وأشعر أن رِتم الحياة اليومية قد سرقني من الكتاب، ومع ذلك مازلت أجد الوقت الكافي خصوصاً عندما أضطر لعمل بحث أو إعداد ورقة، فأنا في هذه الحالة أقرأ عشرات الكتب حتى يخرج البحث بشكل متكامل، إضافة إلى الإصدارات الجديدة لبعض الكتّاب الذين أعرف مستواهم الجيد، وأيضاً الكتّاب الجدد حتى أتعرف إلى كتاباتهم».

واقتناء الكتب عند إبراهيم علان يخضع لمواصفات وشروط أهمها المضمون، فهو لا يغريه العنوان ولا اسم الكاتب بقدر حرصه على ما يقدمه الكاتب والكتاب، فأحياناً يسمع عن كاتب جديد فيشتري نتاجه حتى يتعرف على نمط الكتابة عنده، وأحياناً الكتاب يتضمن موضوعاً جديداً فيستزيد منه، وفي أحيان كثيرة تهدى إليه الكتب من مؤلفيها.

وعن الكتاب الذي ندم على شرائه، يتذكر إبراهيم علان كتاباً عن الثورة الإسلامية في إيران، فقد توقع أن يجد فيه معلومات جديدة وقيّمة، لكنه وجد الكاتب منحازاً إلى الشق العاطفي الذي لا يستند إلى أفكار على أساس علمي ومنهجي، أو حتى إلى مصدر موثوق منه.

وعلى عكس الكثيرين، ليس لدى إبراهيم علان أي طقوس خاصة للقراءة أو الكتابة، فهو يقرأ في أي زمان ومكان، ولا يعنيه أن تكون هناك ضوضاء من عدمها، يقرأ في المقهى، وسط الناس، في محطات الانتظار إذا كان مسافراً، في أوقات الانتظار كيفما كانت وأينما كانت وذلك هو الاستغلال الأمثل لأوقات الفراغ.

ويتحسر علان على أحوال القراءة الآن، فالجيل الجديد لا يهتم بها، ويضرب مثالاً بطلابه في الجامعة، وبأبنائه الكبار رغم حثه لهم ودفعهم للمعرفة، أما أبناؤه الصغار فيحاول تعويدهم على القراءة بإنشاء مكتبات صغيرة في غرفهم تضم القصص القصيرة والمجلات.

ويرجع إبراهيم هذا التحوّل إلى أجهزة الإعلام التي تشغل الجيل الجديد بأخبار الفنانين، حتى الانترنت وهي الوسيلة العصرية التي يمكن أن تجذب الشباب إلى المعرفة يتم استخدامها بطرق خاطئة، إنها مصيبة ولا نعرف كيف نقاومها.

عز الدين الأسواني

Email