احتياطات العالم منه آخذة بالنضوب

تجربة رائدة لمواجهة أزمة الفوسفات بمعالجة مبتكرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر الفوسفور عنصراً أساسيا للحياة البشرية وأهم عنصر مكونات الأسمدة الزراعية. لكن الخبراء يحذرون من أن احتياطات العالم من الفوسفور في طريقها إلى النضوب، ويؤكدون على ضرورة تكثيف البحث عن بدائل من الآن تفادياً لحدوث أزمة خطيرة في المستقبل.

وفي هذا السياق برز أخيراً اتجاه مهم في الأوساط العلمية والصناعية على حد سواء يركز على انتهاج أسلوب إعادة تدوير الفضلات البشرية للحصول على الفوسفور اللازم لسد احتياجات العالم المستقبلية من هذا العنصر الحيوي.

ومن المراكز الرائدة في هذا المجال معمل افتتح أخيراً في مدينة ليوبن النمساوية، يقوم بتحويل فضلات الصرف الصحي إلى رماد ناعم، نظيف، لا رائحة له وثمين أيضاً، حيث تبلغ نسبة الفوسفات فيه 16 بالمئة، علماً أن سعر هذه المادة الأساسية للأسمدة المعدنية يبلغ الآن حوالي 335 دولاراً للطن الواحد. وهو ما دفع شركة «آش ديك» التي تدير المعمل إلى تسمية برنامجها هذا «صنع المال من الرماد».

لكن هذا الأسلوب غير التقليدي لاستخراج الفوسفات قد يكون مهماً جداً لجميع البشرية وليس فقط لشركة «آش ديك»، في ظل اتجاه احتياطيات الفوسفات العالمية إلى النضوب، طبقاً لتحذيرات العديد من الخبراء في أنحاء العالم.

وتقول دانا كورديل، من معهد الموارد المستقبلية المستدامة في سيدني «من الواضح من الآن أن جودة احتياطيات صخور الفوسفات المتبقية في تراجع مستمر وان الأسمدة الرخيصة ستكون شيئاً من الماضي، والمسألة مسألة وقت فقط.» ويحذر العلماء ان أزمة الفوسفات لن تكون أقل خطورة من أزمة النفط.

وربما تكون حتى أخطر منها. ففي حين أنه يمكن للعالم الاستعاضة عن النفط بمصادر طاقة أخرى ؟ سواء الطاقة النووية أو الشمسية أو طاقة الرياح ؟ فإنه ليس هناك إلى الآن أي بديل للفوسفور، الذي يمثل عنصر الحياة الأساسي، وبدونه لا يمكن أن يبقى الإنسان والحيوان والنبات على قيد الحياة.

يسعى عنصر الفوسفور إلى الاتحاد مع الأكسجين، وهنا يكمن سر كونه ضرورياً للحياة وقاتلاً في الوقت نفسه. فنظراً لاتحاده بسهولة مع ذرات الأكسجين، يتمتع الفوسفور بقابلية عالية للاشتعال، ولذلك فهو يستخدم في صنع القنابل الحارقة. ومن ناحية أخرى فهو يمثل جزءاً أساسيا من الجزيئات الحيوية.

والمركب الكيميائي المعروف باسم الفوسفات، والذي يتألف من ذرة فوسفور محاطة بطوق أمان من ذرات الأكسجين، يعتبر من وحدات البناء الأساسية للحياة نفسها. فأسناننا وعظامنا تدين بقوتها ومتانتها إلى الفوسفات، وكذلك فإن الخلايا العصبية والعضلات تعتمد أيضاً عليه. وحتى جزيئات الحمض النووي الوراثي «دي إن إيه»، تتماسك مع بعضها البعض بفضل الفوسفات.

ولقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في الطلب على الأسمدة لإنماء محاصيل الأعلاف الحيوانية كنتيجة لإقبال البلدان الثرية بنهم على استهلاك الحوم. والآن يسهم أيضاً الازدهار في الصين واستخدام النباتات في إنتاج الوقود الحيوي في زيادة الطلب أكثر، وهو ما يغذي المضاربات في الأسواق العالمية. وقبل عامين فقط، ارتفع سعر الفوسفات بنسبة 700 % لينخفض قليلاً بعد ذلك. ولا تزال الأسواق في حالة توتر إلى الآن.

والجدير بالذكر أن أربعة بلدان فقط ؟ المغرب، الصين، جنوب افريقيا والأردن ؟ تتحكم بـ 80 بالمئة من احتياطيات الفوسفات الصالحة للاستخدام في العالم. وبالمقابل فأن أوروبا، مثلاً، لا تكاد تملك اية احتياطيات وتعتمد على الاستيراد لسد 90 بالمئة من احتياجاتها. ومن هنا يعتبر الفوسفات «قنبلة جيوستراتيجية موقوتة»، كما يحذر البروفيسور ديفي فاكارين استاذ الهندسة البيئية في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في نيوجيرسي.

وفي محطات معالجة الصرف الصحية الحالية، ينتهي المطاف بالفوسفات إلى نقطة تجميع الفضلات، التي يتم تسخينها في معامل ضخمة لتدفن بعد ذلك، على الأغلب، على شكل رماد في مدافن الفضلات أو لتشوى مع الإسمنت وهي وما فيها من عنصر الفوسفات الثمين.

لكن هذا كله على وشك أن يتغير الآن كما يبدو من برنامج معمل ليوبين الذي يقوم بمعالجة رماد الفضلات بمادة كيميائية لتخليصه من المعادن الثقيلة مثل الكوديوم، قبل أن يرسله إلى أفران دوارة هائلة تصل حرارتها إلى 1000 درجة مئوية.

وبعد نصف ساعة في الفرن الدوار، يكون الرماد قد اجتاز مرحلتي تنقية، وتصل نسبة الفوسفات فيه إلى 16 بالمئة. ويتم بعد ذلك تعزيزه بمواد أخرى مغذية للنباتات، مثل البوتاسيوم والنيتروجين، ليتحول بذلك إلى سماد من النوع الممتاز، أنقى من معظم الأسمدة التقليدية.

حلم يتحقق

تعرف الكاتب الفرنسي فيكتور هيجو، مبكرا على مشكلة تضاؤل احتياطي الفوسفور وندرة وجوده في العالم، حيث أفرد صفحات عدة من روايته الشهيرة «البؤساء» لفكرة نارية في ذلك العصر تؤيد استخدام البراز البشري كسماد طبيعي.

والآن ربما يكون حلم ذلك الروائي قد تحقق على أرض الواقع أخيراً. فالصناعة التي تسمى «التعدين المدني»، التي تشمل إعادة تدوير المعادن والزجاج والبلاستيك، يبدو أنها متجهة لتوسيع نشاطها في المستقبل القريب ليشمل تحويل الصرف الصحي إلى مناجم للأسمدة العضوية، حيث تراكم محطات الصرف الصحي ما يعادل كيلوغرام فوسفات بالسنة لكل شخص.

إعداد ـ علي محمد

Email