بعض العائلات تحافظ على العادات القديمة

العيدية وحدها... لا تزال صامدة من رصيد التقاليد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

العيد، كلمة ذات معان ودلالات دينية واجتماعية، توارثها الآباء والأجداد عبر العصور، وهو مناسبة للتعبير عن التودد والتراحم والتكافل الاجتماعي، مناسبة تأخذ أشكالاً تختلف من بلد إلى آخر حسب طقوسه الخاصة ومفرداته التعبيرية، كل عام وانتم بخير، عيدكم مبارك، عساكم من عوادة، كل سنة وانتم سالمين وغانمين، العيد المقبل نراكم على جبل عرفات، تعددت الأشكال لكن مضمونها الاجتماعي واحد، ولكون العيد مرتبط بطقوس وعادات وتقاليد لها صلة بالموروث الشعبي للشعوب والأمم، وتبقى العيدية وزيارة الأهلة والأقارب والأرحام وتصنيع الحلوى من أهم القواسم المشتركة بين مجتمعاتنا العربية، ومهما تعددت المآسي والآلام، يبقى يوم العيد هو بسمة الأمل والفرح على شفاه الجميع.

نعود لأهم وأجمل ما في العيد، ألا وهي العيدية والتي تعتبر شرطا لازما عند الأطفال لاكتمال فرحتهم بالعيد، وإن العنوان العريض للعيد عند الأطفال هو الفرح والبهجة والسرور، ولا يكتمل هذا الفرح إلا بالحصول على العيدية،فهي فرحة الكبار وبهجة الصغار، ولكن ما أصل هذه الكلمة؟ العيدية، كلمة عربية الأصل، منسوبة إلى العيد، بمعنى العطاء والعطف والحنان، ويقول الباحثون إن أصلها يعود إلى عهود المماليك، حيث كان السلطان يقوم بصرف قيمة نقدية كراتب شهر إضافي لإتباعه من جنود وموظفين، كانت تعرف باسم «الجاماكية»، وتم تحريفها وتعريبها إلى كلمة العيدية، واستمرت في العهد العثماني حيث أخذت إشكالا مختلفة ومتعددة من هدايا مادية نقدية وهدايا معنوية، كالملابس والحلويات والمواد الغذائية، واستمرت إلى عصرنا الحاضر ومازالت متوارثة عبر الأجيال والعصور، فرحة للصغار وبهجة وحبور للكبار، تأخذ شكلا من أشكال التودد والتراحم والتواصل والتكافل الاجتماعي.

اختلاف... وتختلف العيدية من بلد لآخر، في سوريا وبلاد الشام يقال لها «الخرجية»، وفي السعودية، يخصص يومان من أيام العيد للعيدية، الأول للبنين والثاني للبنات يعرفان بيوم «الطلبة»، حيث يقوم الأطفال بطرق الأبواب والطلب من أصحاب البيوت إعطاءهم العيدية وقد تكون نقدية أو مادية، وفي الكويت يوزع «القرقعان»، وفي سلطنة عمان يخصص مكان يسمى «القلة أو العيود» لتبادل التهاني، وفي بلاد أخرى يحمل الأطفال كيسا صغيراً من القماش يجمعون فيه العيدية التي تكون عبارة عن بعض أنواع الحلويات. طقوس العيدية تبدأ من صباح اليوم الأول للعيد حيث ينتظر الأطفال الآباء والأمهات بعد صلاة العيد يقبلون الأيادي والتهاني للحصول على عيديتهم، التي بدونها لا تكتمل فرحتهم.

وكما أن العيدية هي رمز توادد وتواصل، ليست مقتصرة على الأطفال وحدهم، فهي تقد للأم والأخت والعمة والخالة والجد والجدة كعربون محبة وهي عادة جميلة ورسالة حب ووداد. وعن مدى ارتباط العيد بالعادات والتقاليد، يؤكد علماء الاجتماع أن العيدية هي جزء هام من دور الأب العربي، حيث ينظر الطفل لأبيه، انه الكبير الذي يرعاه ويحنو عليه، هو رمز الأمان ومبعث الفرح. أما عن عادات الاحتفال بمراسم العيد، لاشك أنها تطورت بإشكال مختلفة، وللآسف أصبح العيد في زمننا الحاضر مجرد مناسبة وإجازة من العمل تحت مسميات عديدة، باتت ليالي العيد مقتصرة على طقوس دينية تنتهي بانتهاء صلاة العيد، وحتى الزيارات والتهاني، قضت عليها الهواتف و«المسجات». لكن الشيء الوحيد الباقي هو العيدية ..وعيدكم مبارك وعساكم من عواده.

احتفال وتزاور

وعن العيد في الإمارات يقول سعيد الكتبي: لاشك أن العيد فرصة ننتظرها من اجل الاحتفال والتزاور، لكن نكهتها اختلفت عن أيام زمان، سيما وان الحياة الاجتماعية تطورت وفرضت علينا عادات وطقوس جديدة، أما عن ذكرياته عن عيد أيام زمان يشير إلى أن للصحراء كانت لها خصوصيتها حيث القصص والحكايات، فالعيد كان مناسبة للتزاور بين أبناء العائلات والقبائل في الصباح وكانت تقام الأفراح سيما سباقات الخيول والهجن.

وأشار سيف راشد الظاهري البالغ من العمر 80 عاما، وقد اتخذ من سوق المواشي موقعا له يتابع بيع الأضاحي بمناسبة عيد الأضحى يقول: العيد كان 3 أيام مليئة بالفرح والتواصل بين الأهل يبدأ من بعد الصلاة، حيث تبدأ عملية ذبح الأضاحي والتهادي والتزاور، وبعد صلاة العصر يقام «الهبور»، وهو عبارة عن وجبة غذائية كبيرة تجمع بين الغداء والعشاء، يلتقي خلالها الأهل وأبناء القبلية، وكانت الذبائح تذبح بالعشرات وتقام التحيات وهي احتفالات شعبية تقام خلالها الأهازيج من رقصات العياله والزفة والحربية، أما اليوم أصبحنا نشاهدها هذه الاحتفالات فقط في التلفزيونات.

وأشار جاسم راشد الظاهري إلى أن العيد اختلف في أشياء كثيرة، في مقدمتها تبادل التهاني التي أصبحت عن طريق «المسجات»، حيث كانت كلمة عساكم من عوادة تلهحج بها جميع الألسن والقلوب، ولاشك هناك بعض العائلات والقبائل لازالت تحرص على إقامة بعض الطقوس.وأضاف محمد بن سالم إلى أن من أهم العادات هو إقامة «الفوالة» وهي من الفأل الحسن صبيحة يوم العيد، وكذلك الهريس الذي يعتبر من أهم الوجبات الغذائية، وكان الأطفال يقومون بزيارة الكبار للحصول على العيدية، التي تدخل الفرحة والبهجة على قلوبهم، لاشك أن التطور المجتمعي الكبير، افقد العيد بعض مظاهرة. وبات موعدا سنويا يرتبط بطقوس دينية هي صوم رمضان والحج.

تودد

ويرى محمد عبد الله أن العيد بالنسبة إليه مناسبة مهمة، فهو موعد التلاقي والتزاور مع الأهل والأصدقاء لأن الأيام العادية لم تعد تتح لنا أن نقوم بتلك العلاقات الاجتماعية، فالعيد هو تجسيد لعلاقات التودد والتراحم بين الآباء ولأبناء والأهل. كما أشار عبيد غريب إلى تعدد الطقوس والاحتفالات التي تبدأ قبل عدة أيام من العيد من تجهيز مستلزمات العيد وفي مقدمتها الملابس الجديدة وتجهيز الفوالة لاستقبال الضيوف في الصباح بعد العودة من صلاة العيد، حيث يذهب أفراد الأسرة من آباء وأبناء لتأدية الصلاة ومن ثم يبدأ ذبح الأضاحي، وبعض الميسورين يقومون قبل العيد بتوزيع الملابس وبعض المواد الغذائية، فيما كانت النساء تهتم بترتيب البيت وإعداد الحلويات سيما المحلي والرقاق والبلاليط، فيما كانت تزدهر تجارة العطور حيث كان هناك نوع من العطور اسمه «المحلب» يصنع محليا، وكانت السيدات يدهن رؤوسهن بالسدر والحناء التثبيت التسريحة التي تسمى «العجفة»، وبشكل عام كان العيد عند البدو مناسبة للتفاخر ولا تتم فرحة العيد دون إقامة سباقات الهجن التي تتخللها الرقصات الشعبية.

وتبقى الذاكرة مليئة بقصص العيد والحكايات الشعبية، حيث يتجمع الأطفال يرددون «بكرا العيد ونعيد، ونذبح بقرة السيد، والسيد ما عنده بقره، نذبح بنته هالشقرا». ضحكات البراءة والطفولة تعلوا الوجوه والعيدية ترسم البسمة والفرح والبهجة والسرور. وتبقى رائعة أم كلثوم يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الفرح فينا، يا ليلة العيد، أغنية خالدة في الوجدان والخاطر يتردد صداها مهما جارت الأيام. وعساكم من عواده.

العين ـ داوود محمد

Email