شعبيات

«تعمير العسل».. خلايا النحل الجبلي ونشاط النحالين

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يرتبط أهل الجبال في الدولة بمهنة قطف وتربية العسل منذ القدم، بل ويحرص أهالي تلك المناطق على توارث هذه المهنة وتعلمها لجني أثمن ما جادت به الجبال عليهم، إذ تزخر جبال المنطقة الشرقية بأجود أنواع العسل الطبيعي على مستوى الدولة، إلى أن أصبحت هواية أو مهنة جني العسل عند سكانها إرثا ثمينا يتناقله الأبناء عن الآباء، ليحفظوا له قيمته الصحية والغذائية، بل ويعتبر البعض خلايا النحل الجبلي ثروة الطبيعية خصهم بها الله عز وجل وميزهم عن غيرهم.

وبدأ أخيراً أصحاب هذه المهنة ممارسة هوايتهم المفضلة بالبحث عن خلايا العسل الطبيعي، وذلك مع مطلع شهر أكتوبر ولغاية 20 نوفمبر من كل عام بداية الذي يُعد موسم عسل السدر أو ما يعرف محليا بعسل (اليبياب) وقد يتقدم الموسم قليلا أو يتأخر حسب ظروف الجو. تعمير العسل وتعتبر هذه الفترة هي الأفضل لقطف وحصاد العسل سواء من الخلايا الطبيعية التي تنشأ في الجبال والأشجار أو حتى من مناحل التربية في المزارع. لكون هذه الفترة «موسم تزهير» أشجار السدر والأعشاب البرية التي تنتشر وتينع في الجبال خلال هذه الفترة من السنة، حيث يبدأ معها النحل بجمع غذائه قبيل دخول موسم الأمطار على المنطقة، فتكون المناحل أو خلايا العسل زاخرة بالعسل الصافي ويطلق على هذه الفترة محليا «بموسم تعمير العسل».

ويعتمد العسالون على طرق معينة ودقيقة للكشف عن مواقع العسل الجبلي التي تتباين من شخص إلى أخر حسب خبرة النحال ومهارته، ومن الطرق المتبعة لتحديد مواقع العسل طريقة «مورد الماء» التي تقوم بوقوف النحال على مورد الماء ما بين الخمس والعشر دقائق بانتظار إحدى النحلات الباحثات عن الماء، ليقوم بتتبعها بعد ذلك، فمن طبيعة النحل السير في خطوط مستقيمة لأداء مهامها الحيوية، فإن وجدت على مورد الماء دل ذلك على رجوعها للخلية مباشرة بعد ارتوائها، الأمر الذي يكشف للنحال عن موقع خليتها عبر تتبعها إلى المكان الفعلي أو بالقرب منه.

وهناك طريقة «النقط» وهي تتبع نقاط الرحيق المتساقطة من النحلة في طريق عودتها من المرعى إلى الخلية والتي تكون متتابعة بحيث تدل على موقع الخلية وتعتمد هذه الطريقة كثيرا على مدى خبرة العسال، إذ بمهارته في البحث يستطيع تمييز ما إذا كانت الخلية قريبة أو بعيدة، قديمة أو جديدة بمجرد النظر إلى نقط الرحيق المتساقطة. والعسال الماهر من يكشف عن مدى امتلاء الخلية بالعسل من خلال رؤية نقاط الرحيق المتواجدة بالقرب من الخلية.

وبعض طرق النحالين في تتبع النحل تكون عبر خيوط أشعة الشمس التي يطلق عليها محليا (امعاشا)، وتكون بالكشف عن مواقع النحل الطائر عن طريق خطوط الشمس. فضلا عن طريقة العلامة وهي الطريقة الأكثر شيوعا واعتمادا عند القبائل وسكان الجبال خصوصا، لأنها عرف لا يقبل المساس بأملاك الغير ويحفظ حقوقهم عبر تعليم «المقطع» أو موقع الخلية قبل موسم الحصاد بحيث يصبح ملكه عبر وضع علامة دالة على اكتشافه، فتجعل له حق الرجوع إليه في كل موسم.

مخاطر تهدد المناحل الطبيعية

ويواجه إنتاج العسل الطبيعي خطورة كبيرة أمام ندرة الأمطار وشح المياه وتدمير العديد من مواطن العسل الطبيعي التي تسببت وبدرجة كبيرة إلى هجرة النحل من بعض المناطق، ودفع ندرة هذا الغذاء الثمين إلى تضخم أسعاره الحقيقية بين باعته الأصليين؛ إذ يصل سعر الكيلو الواحد من العسل غير المصفى إلى 700 درهم إماراتي في بعض الأحيان.

وفي سبيل ذلك ظهر من يؤمن بحماية هذه الثروة الوطنية وإبرازها في محافل محلية ودولية، فالنحال علي الظنحاني من منطقة دبا حرص على إنشاء أول محمية طبيعية للعسل الطبيعي وزودها بموارد ماء صناعية وغرسها بما يقارب 3000 شجرة سدر وسمر العنصر الرئيسي لإنتاج الطعم المميز للعسل الإماراتي البلدي.

ويذكر الظنحاني بأن فكرته هذه بدأت منذ سنوات طويلة وتطورت إلى أن أصبحت تنافس مصانع إنتاج العسل في دول مجاورة، إلا أنها برزت بمجهود شخصي ودعم من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة ، فمحمية الظنحاني بين جبال دبا تضم ما يقارب 700 خلية عسل «مناحل»، و400 خلية عسل طبيعي تسكن كهوف الجبال وأشجار السمر الجبلية.

ومن أسرار هذه المهنة التي باتت تشغل أبناءه وتلفت انتباههم، طريقة التعامل مع النحل بدون خوف، الأمر الذي ييسر لهم حصاد عسل الخلية بدون أن يتعرضوا للسعات النحل، فمادة الإدرنالين التي يفرزها الإنسان وقت شعوره بالخوف أو حتى محاولة إبعاد النحل عنه تكون لها نتائج عكسية تدفع بالنحل لمهاجمتهم.

الفجيرة ـ ابتسام الشاعر

Email