«الأنواء» مغامرة لغوية ورقمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أسماء النجوم المسجلة في السماء منذ الإغريق وقبلهم، إلى قدماء الأوروبيين، الكثير من الأسماء العربية، مثل نجم الدبران، والجدي، والجبهة (الجِبا)، والنظير (نادير)، والظفرة (الدفرة) والذنب (دينيبلو) والليث (ليو) والرِجل (رجلوس)... والكثير من الأسماء العربية للنجوم، لتتضح لنا دقة قدماء العرب في مراقبة النجوم، ويبدو أنهم تمرسوا في الفلك والرصد من قدم التاريخ، فهذه الأسماء العربية للنجوم موجودة أيضاً في حضارات مصر والعراق و فارس وغيرها، لتتضح من الدراسات الحديثة ومن تتبع اللغة، أنهم ساميون وحاميون منذ مغادرتهم الجزيرة العربية، بعد الانقلاب المناخي الكبير، وتصحر المنطقة قبل 11 ألف سنة إن لم نقل أكثر، ليأخذ هؤلاء الناس أسماء النجوم معها، وكما هي لاستخدامها وتتبعها.

هذه الحقيقة تخبرنا بها أولاً اللغة العربية بملايين مفرداتها قبل المؤرخين، بأنها أسرار الضمائر التي رحلت مع طبيعة الحياة القائمة على الترحال، فكما أتى في كتاب (تاريخ علم الأنواء عند العرب) لـ د. أحمد عطية، بأن الأنواء تراث العرب المجهول في الأمطار والرياح والشِعر، خصوصاً في الأنواء والطقس.

إذن فلنمضِ لغوياً مع الأنواء، وهي من (الآن) وتعني الوقت الحالي، ومنها الأوان والأين... أما الأون تطور إلى النوء، وهي مستخدمة في الإنجليزية بـ (نَوْ) ويعني الآن، هو من معاني (النوء) عند العرب، ومن منازل السماء منذ المغرب إلى الفجر وطلوعه، كما أتى في كتاب (تاريخهم من لغتهم) للباحث والمفكر العراقي عبدالحق فاضل، بأن الأنواء هي الزمن عند العرب، فكان لديهم 28 نجماً، معروفة المطالع وفي أربعة فصول، لكل فصل 13 ليلة.

تعالوا الآن نضرب تلك الليالي في الـ 28 نجماً، لنجد أن السنة كانت تنقضي في 364 يوماً، ليحمل كل فصل من الفصول الأربعة 91 يوماً، ويأتي كل فصل مع نجم أو مطر أو ريح، وبدقة معرفية متناهية لشؤون الفلك عند قدماء قدماء العرب، بعد مراقبة ورصد لحركات النجوم ومواضعها أيام الحول في المنازل النجمية الثابتة فالكواكب السيارة أمامها.

والعجيب في الأمر، كيف تجددت لفظة (النوء)، لتذهب إلى (نو) الفارسية أي الجديد، ومنها (نوروز) أي السنة الجديدة، وفي الإغريقية نيوس، واللاتينية نوفوس، والفرنسية نوفو، وبذات المعنى منذ السومريين الذين أطلقوا على قبة الفلك (آنو)، حيث أبو الآلهة كما كان اعتقادهم...

فهل آن الأوان لتتبع اللغة بمفرداتها وضمائرها؟ لعلنا نكتشف حقائق أمام المصادر التاريخية المشوشة والملتبسة للمؤرخين.

 

Email