شاعر الإمارات الراحل أحمد الكندي صاحب قصيدة (سيدي يا سيد ساداتي) الذائعة الصيت، له صورة مرسومة منشورة في الشبكات يعزف الربابة، وهذا مسجل ومسموع في تاريخ الإذاعة وهو ينشد قصائده بصوته الشجي مع عزفه ببراعة وإتقان على آلة الربابة العربية التي بحثت عنها طويلاً، لأجدها قد سافرت إلى كل العالم، مع اختلاف الناس على أصلها...

لكن وكما يقول الناقد الموسيقي النمساوي «ريتشارد والاشيك» الذي قام بمساهمات واسعة في علم الموسيقى المقارن وعلم النفس الموسيقي في القرن الـ 19م، إن البدو عزفوها في جزيرة العرب من قبل الميلاد بكثير، وإن الربابة آلة عربية بدوية تغيرت كثيراً الآن في شكلها عبر سفرها...

... ولأن الأسفار والهجرات في الدنيا بلا نهاية، سافرت آلة الربابة لِتُنسَب إلى كل أرض، وهي آلة موسيقية قديمة صنعها البدو الرحل من جلد الماعز وخشب الأشجار، كما أن الرباب في معناه المعجمي واللغوي هو سحابٌ أبيض، وبكسر الراء مجموعة من السهام أو الخيط الذي يشد السهم، خيطٌ مصنوع من ذيل الحصان، يشدون السهم على وتره الوحيد أثناء العزف، ولدت فكرتها من «النشابية» سلاح الإنسان البدائي المكون من قوس صلب مركب على قطعة خشبية يطلقون منها السهم صيداً في النهار، لتأتي الربابة بقوسها ويصنعون منها هذه المرة أنغاماً في لياليهم المقمرة.

يمر الزمن وتسافر الربابة بيزنطة وتصبح (ربابس)، وتذهب إلى بلاد فارس والهند، وإلى مصر وبلاد الرافدين لتسمى بالجوزة بعد صنعها من قشرة جوز الهند. ومن خلال المسلمين التجار رحلت إلى الشرق فاشتهرت أفغانستان بالرباب الكابولي، ثم إندونيسيا وماليزيا حيث تعد الربابة لديهما من الآلات الموسيقية التقليدية...

كما انتقلت الربابة مع العرب إلى غرب أفريقيا ثم الأندلس لتدخل أوروبا في العصور الوسطى وتصنع هناك من جلد الذئب بدلاً من جلد الماعز، وتسمى في الريف الفرنسي بـ (الرابلا)، وفي إسبانيا (رابيل)، بينما (راب)، و(ربيك) في إيطاليا، و(ربيكا) في البرازيل، وتطور هذه الآلة الوترية إلى آلات وترية مثل آلة (الكمان) و(الفيولا) و(التشيللو) لعزف السمفونيات والكونشرتو ويخرج صوت «السوبرانو» أثناء العزف، ويمتد الزمن بشاعر البادية يشدو مع ربابته التي حلقت وبرعت.