مارس

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الجميل أن تخصص دبي شهر مارس من كل عام للثقافة والفنون والمسابقات والمهرجانات، بحيث نستطيع الانتقال بأريحية في هذه الأجواء الربيعية، فلا شك أن التَّنَزّه خلال أيامه أسهل من الشهور الأخرى بين كل تلك الأنشطة المفتوحة، كمهرجان طيران الإمارات للآداب، ومعرض السكة الفني للمواهب الناشئة في حيّ الفهيدي التاريخي، و«آرت دبي» المُكرس للفن الحديث.

ومزاد «كريستيز»، وأسبوع الفن في مجمع السركال، وشهر القراءة الذي يهدف إلى ممارسة دائمة، وكأس دبي العالمي لسباق الخيل.. والكثير من الفعاليات الفعالة، هذا بعد انتخابات أعضاء الإدارة الجديدة لجمعية الصحافيين التي كانت فاتحة مارس.


تُورق الحياة في دبي وفينا خلال هذا الشهر الشمسي الذي أعده استهلالاً، فيكفي أنه يغير لون أوراق الشجر، مبشراً بتبدلٍ مرغوب، وتحوّلٍ مقصود ومشاكس، الأمر الذي يجعل الحب في الطليعة، فتستيقظ العقول والأبدان في الناس وهم يمارسون الاطلاع والرياضة، وتتم فيه حفلات الزواج، وتصبح الأفئدة أشد ذكاءً، ليصوغ مارس قلوبهم وكأنه استهلال للخير.


شهرٌ يمتاز بغنى إيقاعه الثقافي والاجتماعي، ليس فقط في حاضرنا، فمنذ الحضارات الأولى يُعد مارس شهر الحصاد، وشهر المناخ الأوسط والألطف، فالأرض تفوح برائحة طرية، ويتحول الهواء إلى عبق بعد انتظار، الأمر الذي يبدو للبعض شهراً للذاكرة مع كل تلك الفعاليات المؤثرة.


وإن ذهبنا إلى قديم الإمارات، وحين كان الناس يشهدون دخول مارس، فإنهم يقومون بالاستعداد لأسبوع من أسابيعه التي تهب فيه هُبوب "النعايات"، وهي رياح شمالية تأتي لتنعى الشتاء نهائياً، تماماً كما كان في مصر القديمة فمارس بمسماه الشهير «برمهات»، تأتي فيه الريح ولمدة أسبوع، وكأن مرده الانقلاب على المناخ وتغيير لا بد منه.


وإن عدنا لمارس بترتيبه الثالث في السنة، فلم يكن كذلك قبل الميلاد، بل كان الشهر الأول في التقويم الروماني حتى غيّره يوليوس قيصر ليصبح الأول من يناير، من أجل خوض الحروب في تلك الفترة، لعلمه بأن كوكب مارس أي المريخ هو (إله الحرب) كما في الثقافات والحضارات الوثنية الأولى، فالرصد القديم بَيَّنَ لهم مدى احتواء هذا الكوكب على جبال أعلى من جبالنا، وبراكين ووديان ممتدة فيه إلى ما لانهاية، ومع ذلك استمرت بريطانيا العظمى والباردة بتطبيق مارس أول شهور السنة حتى عام 1564م كي تبدأ به الربيع كما كان.


ومن المثير أن يطلق على هذا الشهر الربيعي شهر الذئب لدى أهل ساكسونيا، وشهر الشتاء لدى ملك الفرنجة شارل الأعظم.. أينما حصل وجرى، فمازال البعض يعتبره شهر الحظ. أما نحن في دبي فإننا منطقيون في استخدامه، لأنه شهر يلائم حياتنا ونبضنا وطبيعة مزاجنا المناخي.



 

Email