بين الفلسفة والعماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

كتب ذات يوم في باريس، حيث درس، عن ذلك الرجل، الذي امتلك الرفاه في بستان جميل ومنزل أنيق وسيارات. وبالتالي لم ينقصه شيء سوى السرور، ليتعثر في السعادة، وتغيب بهجته. فكر بحزم في أمره، حتى قرر بعزم أن يصبح فيلسوفاً، لكن هل يستطيع هذا المادي أن يصنع فكراً بعد تأمل، وفي مدينة عصرية براقة مثل باريس؟ وهل سيقوده التنقيب في شكه، لإيجاده فكرته، تلك المختلفة؟

وبالتالي الاستماع إلى أصواته الداخلية المتناقضة؟ إلى آخر هذا السيناريو الذي تحول إلى فيلم قصير بعنوان «الفيلسوف»، ويعرض في عشرات المدن ومهرجانات السينما الشهيرة، منها دبي ونيويورك، ويفوز بجائزة مهرجان هوليوود، ويلاقى استحسان الجمهور، فبطله «جان رينو» ممثل فرنسي وهوليوودي معروف، وفكرة الفيلم فلسفية نادرة ومتميزة، خاصة في قرار استغناء البطل عن كل ما يملك ومدى صعوبة ذلك.

كاتب هذا السيناريو هو الإماراتي عبد الله الكعبي، من مواليد الفجيرة، الذي لم يكن أثناء كتابته «الفيلسوف» إلا طالباً للماجستير، فلم يكن حينها قد أكمل الـ 24 عاماً من عمره، وما حدث له أنه تم استقبال صدى عمله في المهرجانات بحب، سواء كونه مخرجاً سينمائياً أو كاتباً للسيناريو، حتى أصبح لفيلمه الثاني في ما بعد مكان في دور العرض التجارية في الدولة، الذي عُرض منذ بداية هذا الشهر أغسطس في السينما الإماراتية، بعنوان «الرجال فقط عند الدفن» هو فيلم روائي طويل وعميق أيضاً.

ولا شك في أن فكرته مختلفة تماماً عن فيلمه «الفيلسوف»، لكونه باحثاً سينمائياً أخذ ينبش أثناء قراءته وتأمله الأوضاع الاجتماعية في المنطقة، ليناقش الأفكار المحظورة، ويذهب بالزمن إلى الثمانينيات من القرن الفائت.

ويطرح ويخاطب ما هو متحجر منذ تلك الفترة، من خلال وضع المرأة والرجل وتشابه تلك الأمور الثابتة فينا منذ الأمس مع ما نعيشه الآن، فكرّس المشهد البليغ للأم العمياء التي تسقط من أعلى السطح ثم تأتي السيارة لتدهسها وتموت، وتدفن ومعها سرها، التي كانت تريد البوح به لأختها وابنتها قبل السقوط.

يتقمص فيلم «الرجال فقط عند الدفن» أفكارا كثيرة وبطريقة غير مباشرة، منها مشاكل ورسائل اجتماعية ونفسية وأسرية، يستنبطها الكعبي للمشاهد بمجرد وفاة الأم الضريرة، ليصبح العماء رمزاً للأحداث طوال الفيلم رغم رحيلها، ويبقى العماء دلالة على مجتمعات عديدة ثبتت بأسرارها العالقة، حيث يقول الكعبي: «السينما كانت فرصة لعمل فيلم يحتوي على كل تلك الأفكار»، بينما نحن نقول: إننا حيال موهبة وطنية ضرورية، لزوم نهضة إبداعية قادمة.

Email