قزح الحكايات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كم كان يتضايق المتنبي حين يسمع زوجته وهي تحكي لابنهما حكايات بليدة، كحكايات النمل والحشرات، لمجرد أنها موروثة منذ القدم، معللة بأنها سوف تبقى هكذا، لكنه كان يصر عليها غاضبًا أن تغير مجرى حكاياتها بمخيلتها الخاصة وهي تُسمع أذن الصغير، ويظل يُفهمها بأن الحياة لن تتطور إلا بأولئك الذين يمسكون شيئًا، فيحولونه إلى شيء آخر، يحولون الرحيق إلى العسل، والكلام إلى شعر، والصوت إلى لحن، ولأن اسمه أحمد، ففي هذه الدنيا آلاف الآلاف ممن سُمي أحمد، ولكن لا أحد سواه يدعى أبو الطيب المتنبي، لأنه طموح وصانع ومُغير.

ما الحلم الأقصى لنا؟ هل هو ذات الحلم للنملة؟ في رغبتها الوصول بالطعام إلى مسكنها دون أن تداس، بينما يقول الناس الذين اعتادوا قول ما يرونه: إن النملة تعمل وتجتهد، إلا في عين المبدع، فإن النمل يبقى بلا طموح ولا أحلام، وفقط كما ذكرت هو الوصول دون أن يداس، فمن منا يستطيع أن يميز النملة عن أخرى أثناء السير؟ لا أحد، جميعهم متشابهون، لأنهم بلا جموح ولا جنون.

وكذلك في عالم الرواية، الذي سكن ضمير العالم أجمعين، رغم عمرها القصير مقابل الشعر الذي يبدو أزلياً، فمن المدهش أننا نرغب بسماع الحكايات منذ طفولتنا مهما كنا وأينما نشأنا. الحكاية سرد متخيل، وللمتنبي الحق في أن يطلب من زوجته أن تغير المعتاد حينما تروي، علينا أن نغير هذا المعتاد لنواجه حياتنا المعجونة بكل شيء، حياة لا تستطيع أن تصبح مثالية، أو تبقى كما هي، طالما الطبيعة تبدو على الدوام هادئة وثائرة، إذاً هي متناقضة، وكذلك الإنسان الذي يبدو عاقلاً ومجنونًا، فكيف يصبح السرد مثاليًا كما يريد الصعاليك؟

يقول الفيلسوف الإنجليزي كولن ويلسون في كتابه فن الرواية: «بناء الرواية قائم على الخيال والحيوية والمغزى، كي لا يتوقع القارئ ما كان يتوقعه، بل تحويله إلى ساخط ومتسائل، كي يتوسع في دراسة الفكرة والبحث عنها لأن هدف الرواية نبيل جدًا».

وبين فن الشعر وفن الرواية ثمة شراكة، أعدُّ ذلك شخصيًا أجمل ارتباط بينهما، وكي لا نتوهم بأننا جميعاً أدباء، فإن الأديب الحقيقي هو من يحول اللغة إلى تصوير، إن كانت اللغة شعراً في قصيدة أو نثراً في رواية، يصنعان لوحة تصويرية بديعة، ولقطات إنشائية تكوينية حرة، إنه الإبداع الذي لن تستطيع حتى العدسات الحديثة تسجيلها.

Email