مجاديف الرواة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام وفي صالون الملتقى للسيدة أسماء صديق المطوع، وفي معرض أبوظبي الدولي للكتاب، سألتْ إحدى القارئات.. »كيف يفرض علينا رواة هذه الأيام روايات الحرب والقتل والمعارك والدماء والصراع، وكيف أن هذه الكتب تفوز بجوائز كبرى؟«.

رغم أن كل روائي وكاتب هو ابن ظروفه، والأحداث التي حلت عليه، فمن الطبيعي أن تدفعه أساليب السرد إلى تغيير مسار الرواية خلال قرن من الزمن، فقد بدأت الرواية الأوروبية في بدايات عهدها رومانسية خاصة في عشرينيات القرن العشرين، تحاكي بشاعريتها حينذاك نزعة أوروبا العصرية، لترتبط في وصف مشاهدها بالفنون الرفيعة.

وهكذا حتى تخاطب مع مرور الزمن الطبقات الوسطى والقصص الاجتماعية، ويمضي به السرد أثناء الحرب العالمية الثانية إلى نصوص مختلفة تعنى بالإنسان المتعب في تلك البلدان ومدنه المدمرة.

تقاوم الرواية وتتغير في اتجاهاتها لتناقش قضايا كبرى وأزمات الدول، تصاحبها موجات من الاضطرابات النفسية الكامنة في الشخوص المتعبة، ورغم تداخل ملامح الرواية إجمالاً، فإنها لقيت اهتماماً بالغاً مهما كان اتجاه الراوي وشخصيته، ومهما تشعبت الحكايات في أفكارها، أو ناقش ما أراد بخياله الخصب واقعية تلك التفاعلات بين سطوره، تبقى الرواية حقيقية في صدقها، فالصدق هويتها الأبقى وأصالتها، لتظل ولا تغيب.

ولأن الأصالة تكمن في الإنسان وأرضه وأنفته ونبله وأريحيته، تتبلور في الرواية فكرة الوطن الخالصة، مهما تغربت، وكمثال على ذلك، علقت قبل سنوات لجنة جائزة »البوكر مان« الإنجليزية في لندن: »لكي يفوز الروائي عليه أن يكون مواطناً«، وذلك بعد استبعادهم أحد الرواة من القائمة، لأنه نشر نواياه غير النزيهة تجاه وطنه.

لا قوانين ثابتة للرواية، ولا لوم على الروائي فيما يكتب من معمعة ونزال ومعارك ودماء، أو سعادة وإيجابية وعواطف الذات، فثمة معايير لا يستطيع الروائي السيطرة عليها، لأنه مهما مضى بخططه ومنهجه، فلا بد أن تأتي تلك المشاهد التي تأخذه إلى الفوضى، بعد أن تظهر المعاني الداخلية والخفية في النص.

والنابعة من شعوره، المدركة بمأساته أو فرحه، يغفل، ويرتبك، وتتعقد الفقرات، ولا حل أمامه إلا الخيال الذي يرسم المصائر ويخضع الأمكنة وينتصر على الزمن، ويستعيد مركز الرواية ويخمد قلقه في هيمنته على توزيع الحبكة، فيقهر كل شيء، خاصة إن لامست الحكاية صدق هذا الإنسان في أي مكان، فتبقى الرواية جاذبة وناجحة مهما كان موضوعها.

Email