رسالة إلى الضابط اللبناني.. عن الجنّي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يا حضرة الضابط، لا تطلق رصاصك على المواطنين، فتحت رصاص كهذا يقبع جنّي رجيم، يخرج من قمقمه ويحرق البلاد. ألا تعرف التاريخ؟ ألا تقرأ في الكتب العتيقة عن ذلك اليوم المشؤوم: 6 مارس 1975، حين انفجر الديناميت في سماء صيدا، وتراشق الرصاص سريعاً على الطرقات، فسبق المدينة والوطن والحياة إلى الخراب.

آنذاك كان معروف سعد، نصير الصيادين وعبد الناصر والمسلحين الفلسطينيين، وأحد قادة «الطائفة السنية»، وكان على الأكتاف محمولاً، يتحدى تحت المطر قرارات كميل شمعون رئيس مجلس إدارة شركة «بروتيين»، التي جاءت إلى بحر صيدا لتجرف أسماكه وتقتلع رزق الصيادين. شمعون الذي، كما يرد سمير قصير في كتابه «حرب لبنان»، لم يكن سوى «الرئيس الأسبق للجمهورية المكروه من الجماهير الإسلامية التي قاتلته في عام 1958»..

انطلق الرصاص، من بندقية ضابط آخر في الجيش، وأصابت واحدة سعد، الذي جسدت لحظة سقوطه عن الأكتاف، لحظة سقوط لوطن، سيدخل في أتون حرب أهلية، وحرب دولية على أرضه، وحفلة جنون بشري ونشوة قتل وإفناء تدوم عشرين عاماً.

ثم جلس خصوم الأمس، أمراء الحرب والطوائف، على طاولة واحدة يتقاسمون الأدوار المقبلة، والحقبات المقبلة، و«الأوطان المقبلة». لم ينس أحد، لم يتصالح أحد، لم يخرج أحد رأسه المدفون تحت التراب لكي يقر ويعترف ويتعلم من خطايا الماضي.. وهكذا سارت الأيام، يا حضرة الضابط، كنت صغيراً، فكبرت، وتدربت، وتعلمت في بلد لم يخرج يوماً من ركام الانهيار: الاقتصادي والاجتماعي، وقبل ذلك كله الأخلاقي.

صار لك شارة، ورتبة، وفرحت، وحشوت مسدسك بالرصاص، ووقفت على الحاجز، وصرخت ونهرت، وحين لم تلب، أطلقت الرصاصة باتجاه المواطن ــ الشيخ، فأرديته، وأرديت الهدوء الحذر في سماء بيروت التي جلجلت بالنيران.

 عادت إلى «جلالها» المهيب، جلال الحرب، أكثر منتج تجيده! بالأمس، كان اقتتالاً على «الحقوق»، كل يقرأها كما يريد: القضية الفلسطينية مسألة لبنانية أم لا؟ والدفاع عنها يشرّع السلاح أم لا؟ والدفاع عنها محصّن من المصالح الفئوية الصغيرة أم لا؟ أسئلة أودت إلى جنون الموت الذي أزهق مئات الآلاف من الأرواح وشتت وهجّر! اليوم، بوسعنا أن نستبدل كلمة «الفلسطينية» بـ«السورية»، لكي يحلّ فينا الهلع.. الجنّي لا يحتاج لعناوين كي يطلع، إنه قابع فينا، إنه نحن!

Email