»كتاب حياتي«!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في صدارة الرفوف، تتركز صورهم ناصعة، ضاحكة، على الأغلفة تنادينا لكي نتوغل في «قصة حياتهم». أصحاب الـــ «بيوغرافيا»، يقترحون على يومياتنا مزيداً من الحكايات، المحمّلة بروائح زمنهم وأمكنة ترددوا عليها وشخصيات ترافقوا معها و«دروس» تعلّموها من تجاربهم. لم يحدث مرة أنني اشتريت كتابا لسيرة ذاتية، رغم أن مكتبتي تقتني بعضها. لماذا؟ ليس لديّ سبب واضح، لكن هذا الفن السردي ليس مفضلاً عندي، لكنّ ترجمته إلى السينما عبر فيلم مؤثر، تمرين، أهوى تلقّفه.

ما الذي يبحث عنه الناس في سيرة حياة نظرائهم، من الساسة والقادة والمشاهير؟ غالب الظن أن كتابة السيرة يحتوي على تكثيف مشوّق لحياة، هي في الواقع مفتوحة على إثارة ورتابة، ملل ولمعان، مفاصل أساسية وهدوء مسطّح. لكن، في مئتي صفحة أو أكثر، أن تكون قادراً على تكثيف حياة ممتدة على ستين سنة، بمعدل وسطي، فهذا منتج قد يستقطب الاهتمام، فعلًا.

لكن، هل التكثيف يكفي لكي تروج كل كتابات السير الذاتية؟ بالطبع لا، فهذا يتوقف على جملة عوامل. أولا، على سارد سيرته أن يمتلك تلك القوة الموجهّة التي بوسعه أن يسيطر بها عليك، كقارئ. تلك التي تتدفق في قلبك وأنت تمرر السطور والحروف، فتمتلئ بمشاعر لم تختبرها قبل إمساكك الكتاب. قوة تستمد طاقتها، ليس فقط من السطور والمتوارى خلفها، بل من طاقتك ذاتها. اذ، لا يمكن لقارئ لا يتمتع بوعي منصف لأهدافه ومعتقداته ومكامن القوة والضعف في شخصيته، أن يستمتع بسيرة قويّة. كما لا يمكن، في المقابل، لكاتب ليس لديه «القوة الموجهة» أن يؤثر في قارئ يتمتع بذلك «الوعي المكتمل».

على كتاب السرد، أيضاً، أن يوجه تيار مشاعرنا ويجعلها تتمدد وتتدفق، مستخدماً تشكيلات منوعة من أدوات الكتابة. وعليه أيضا أن يتحلى بالطاقة الايحائية القادرة على أن تفك أسر خيالنا وتحرر أحلاما مكبوتة في دواخلنا وطموحات مجمّدة. فلا يمكن لسيرة تخلو من طاقة التحرر أن تؤثر في نفوس جماهير القراء المحبوس، غالبهم، في سجن رتابة الأيام والضجر.

ربما، باحثا عن طاقة الإيحاء والخيال الابداعي تلك، لطالما فضلت السير المتخيّلة، أو الواقعية المضافة إليها جرعات الخيال، على سير الواقع، تحديداً، تلك التي لا توحي بشيء.. سوى رطانة الحروف!

Email