لماذا القمر يضحك؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقرأ في رواية الكاتب الألماني uwe timim، «مثلا أخي»، المترجمة عن «دار ميريت» بلغة هبة شريف.

فاتورة عدم قراءة كتاب بلغته الأصلية، تحديداً إن كنت تجهلها، كالألمانية، باهظة، وقد اعتدت على دفعها منذ زمن بعيد، مضافة على سعر الكتاب.

أخوض لاحقاً في عرض هذه الرواية الشيقة، لكنني أنتقي منها عبارتين تشغلان خيالي: «فوق عنف المعارك، يطفو السحاب وتنمو الأشجار والحشائش»، و«.. نحن ذاهبان إلى القمر، القمر يضحك لأن الموتى راقدون متيبسين».

العبارة الأولى اقتباس من الشاعر الأميركي ويليام كارلوس ويليامز، صدّر بها «أوفا» كتابه. أما العبارة الثانية فهي لـلروائي نفسه، ترد على لسان إحدى الشخصيات.

ثمة في السماء قمر يضحك، لأن الموتى قد ماتوا، وتيبسوا، ورقدوا وهدأت فورة غضبهم القاتلة.. لأنهم، ما زالوا بعيدين عنه، على أرضهم يتفانون في الفناء، والقمر سعيد، على شفتيه شماتة باردة صفراء: «هذا الجنس عليه أن يفنى قبل أن تدوسني أقدام جحافله الغازية».

كان القمر يضحك، وكان بوسع رجل هارب من مصحة عقلية في «الترسدورفر» أن يعرف، هو وحده، لماذا يضحك القمر: «.. سأله أخي عن الطريق إلى محطة القطار (تؤدي إلى ثكنة التجنيد للنازية)، ولكن الرجل كان يمضي من دون أن يجيب، تاركاً خلف بيوت الفلاحين والحظائر التي تنطلق منها أصوات البقر (لاحظ فاتورة الترجمة).

 في الطريق المخصص للدراجات، كان الثلج ينقسم تحت الخطوات. سأل أخي بعد فترة، إن كانا على الطريق الصحيح؟ توقف الرجل ثم استدار وقال: نعم، نحن ذاهبان إلى القمر. القمر يضحك، يضحك لأن الموتى راقدون متيبسين».

لكن القمر.. قمر الأغاني والعشاق وألوان الرسام، الشاهد الأزلي الأبدي، المتسامح الرؤوف، البهيّ الفضيّ، لا يضحك شامتاً، بل مطمئناً إلى انتهاء آلام الضحايا وعذاباتهم. يضحك رأفة بأجسادهم المنتهكة وأرواحهم المخنوقة.

ثمة في السماء قمر رؤوف، وثمة غيم يطفو، وثمة شجر ينبت وحشائش تزحف، لتغطي بستان الدم، وتهدهد عذابات من رحل في فورة غضب، استدعت فورة حقد، استدعت فورة قتل، استدعت فورة طبيعة، من قلب الأرض، يطلع الحشيش الأخضر لكي ينشّف السائل الأحمر!

Email