قلب الخس

ت + ت - الحجم الطبيعي

قلب الخس أصفر؟ لوهلة تستغرب الأمر، ثم تهدأ: ربما، لم الدهشة، طالما أنك لا تفقه في الخضار، وتحضيرك سلطة التونة لم يكن إلا مشهداً من تلك الفورات التي تستبد بك، بين حين وآخر، فتقرر الإقدام على ما لا تمارسه في العادة: كأن «تطبخ» طبق «باستا» سمراء، مجبولة بالطماطم الصغيرة وشرائح البصل وجبنة الموزاريلا، وكثير، نعم الكثير، من زيت الزيتون، الصلة الوحيدة التي تربطك حالياً ببيئة البحر المتوسط..

فورات جريئة تستبد بك، حين تقرر أن تتغلب على الروتين، أن تساوم على قبول ما ترفضه دوما، لظنك أنك لا تنجذب إليه: فتطبخ، وتلبي دعوة مقهى «االهاردروك» وتكاد «تقترف» التواجد في حفل لرامي عيّاش وميليسا! هل تصدقون؟ كل ذلك في أسبوع واحد.. تفعل ذلك، ظنا أنك تستريح من ألم «نشرات» الأخبار، وألم «نشر» غسيل القلب الذي لطالما كان صامتاً، وألم الوقت الذي كنشرات الخشب ينسلخ عن عمرك!

ثم تقف في المطبخ، وتكتشف أن قلب الخس أصفر، وقد كنت تظن أن الأصفر للذبول، وهو يظهر على السطح، من الخارج، ورقات تسلخها وتتخلص منها، فإذا به نضر وساطع.. وفي الداخل.

الأصفر في القلب، وهذا يعني أن القلب ذابل، وأن القلب للزبالة!

ثم تستعيد «آلام الأسبوع» وتقول: مهما كان لن تكون هذه المفاجأة أسوأ من صوت المغنية، أو من تصريح الأمين العام للحزب اللبناني الذي وصف ثوار سوريا بأنهم «خونة» و«عملاء» و«مرتزقة»، ثم أعرب عن اندهاشه من أنهم رفضوا أن يقبلوا «وساطته» للحوار، نعم ثمة أسوأ بكثير، في هذه الدنيا، من أن يفاجئك الأصفر في قلب خسة.

لكنه، ولأنه أصفر مشع، كما في زهر دوار الشمس، كما في لوحات فان غوخ، كما في أفلام إمير كوستريكا، كما في رسم ماتيس لأزقة طنجة، كما في حبّات البيض العضوي الذي لم تلوثه الكيماويات، كما في «مروج الذهب».

كما «كنزة الطفولة».. لأنه من ذلك النوع الأصفر الذي تعشق تجلياته، ولأنه القلب، ولأن القلب لا يجب أن يذهب إلى الزبالة، وإلا فرغ الكون من معانيه.. لكل ذلك، حملت الخس الأصفر ورميته من شرفتي للطيور والزواحف، فالقلب لدورة الطبيعة، للحياة.. مهما كان لونه!

Email