سرى الشمس

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليت بوسع أحدنا أن يمتلك تلك العصا السحرية التي تمكّنه من تحديد لحظة زمنية في التاريخ، وتحويرها.

ولو تمكنت منها لاستخدمتها مباشرة ضد المستعمر الأوروبي الذي ما فتئ طوال خمسة قرون وأكثر يمعن في برنا وبحرنا وفكرنا وأحلامنا تدميرا وإيذاء واستلابا وتجهيلا ونهبا.

ثمة محطات كثيرة شكلت نقاط تحوّل في تاريخ حضارتنا العربية والإسلامية والشرقية. تلك العصا سأشهرها على سفن المستعمر تجوب رأس الرجاء الصالح، وتغيّر وجه التاريخ إلى الأبد. قبل ذلك، قبل العام 1498، كان المحيط الهندي، على سبيل المثال، يشهد علاقات تجارية، وبالتالي حضارية، بين أبناء موانئه وجزره وشواطئه، لم تتكرر في أي زمن آخر.

يكاد المرء، وهو يشاهد مندوب الصين في الأمم المتحدة، يصوّت ضد تحرر شعب من شعوبنا، أن يسأل: ما هي الصين؟ ماذا نعرف عنها؟ عن طريقة تفكير أبنائها؟ عن حضارتها؟ في لحظة استعادة تاريخية، نتأكد من أننا فقدنا الاتصال بتلك الحضارة منذ زمن بعيد، منذ أن نجحت جهود المستعمر الأوروبي باكتشاف طريق رأس الرجاء، مما أدى بعد ذلك إلى سيطرته على النشاط التجاري بالمحيط وإنشاء المستعمرات بأرجائه، وفقد المواطنين لاستقلالهم، ثم تخلفهم عن مواكبة التقدم الحضاري.

قبلها، كان المغول قد احتلوا بغداد، وحولوا طريق التجارة البرية من الهند والصين عبر آسيا إلى المحيط، مرورا بمصر. بدءا من العام 1285 كان المحيط الهندي يعجّ بضجيج البحارة والتجار والرحالة والمستكشفين.

ذلك الضجيج الذي إن غصنا في تراثنا، في كتبنا المجهولة التي لا يتم ترويجها بالشكل اللائق، وتقديمها للأجيال، سوف نستمع إلى أصدائه الجميلة. أغوص هذه الأيام في كتاب المؤرخ والرحالة المسعودي مروج الذهب، محاولا استخلاص مآربي من تفسيراته. أجد فيه ذهبا خالصا على مستوى اللغة والمعلومة.

متحدثا عن الرحلة يقول: «.. من تقاذف الأسفار وقطع القفار تارة على متن البحر وتارة على متن البر.. عارفين خواص الأقاليم بالمعاينة كقطعنا بلاد السند والزنج والصنف والرنج والصين.. وتقحّمنا الشرق والغرب.. فسيرى في الآفاق سرى الشمس في الإشراق». كانت شمسنا تشرق، كنا نرى سرى الشمس في الإشراق، ثم غرقنا في ظلام دامس، يوم طالت سفنهم رأس رجائنا! غدا أكمل عما كتبه قدامى الصينيين عن جزيرة العرب التي سمها «تاشي»!

Email