الأكف المفتوحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثمة مشهد مؤثر في فيلم مصري هو "الباب المفتوح" لهنري بركات (1963).

 المشهد الأخير، حيث البطلة، فاتن حمامة، تركض على رصيف القطار، مصممة على مغادرة خوفها إلى الأبد. الخوف من سلطة الأب والمجتمع والتقاليد التي تجبر المرأة، في كثير من الأحيان، على الارتماء في أفخاخ لا تجلب لها إلا التعاسة طوال حياتها.

في لحظة مفاجئة، مضيئة، تكسر نوال حاجز الخوف الذي تربت عليه، مدفوعة بشحنة من الغضب والأسى تفجّر مكنونات قلبها، حين ترى مشهد العائلات المكلومة العائدة من "بور سعيد"، بعد تعرضها لقصف طائرات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، في ما عرف بـ"العدوان الثلاثي" على مصر عام 1956.

من جهة أخرى، محطة القطار مليئة بالمتطوعين، الجنود والنساء اللواتي يذهبن ليكنّ ممرضات على الجبهة، أو للتبرع بالدم وتقديم أي نوع من أنواع الدعم. تسلّم خاتم خطوبتها، لأستاذها القاسي المتحجر، الذي يؤمن بأفكار رجعية عن المرأة بوصفها كائنا "يجب أن يبقى تحت الرجلين" (كما يرد في الفيلم الذي كتبه يوسف عيسى)، تعطيه الخاتم، طوق عبوديتها الذي كاد يخنقها، بحذر، ثم جرأة، تدير ظهرها، وتتقدم، وخلفها يقف الخطيب والأب والأم وملامح الدهشة على وجوههم.

اللقطة الآسرة في المشهد، هي تلك الأكف الممدودة من نوافذ القطار، تنادي نوال لكي تحلق بقطار حياتها قبل أن يغادرها.

ثمة "باب مفتوح" أمام كل امرأة في عالمنا العربي، أو رجل أو شيخ أو طفل مقهور.. ثمة أياد مفتوحة تنتظر في الخارج، وقطارات تطلق صفاراتها الخفيّة، التي علينا أن ننصت جيدا لكي نلتقطها، في زحمة الأصوات المشتتة، القامعة، الغاضبة والمؤذية.

تأتي القطارات وتغادر في مواعيد سريّة، لا يمكن تلقفها في بريد، أو تتبعها في موقع على "الانترنت". لا يمكنك أن تتصلي بمكتب استعلامات، لكي يخبرك عن موعد مغادرة قطار حياتك، التي تحلمين بها، رصيف المحطة. ليس هناك "كاتالوغ" بوسعك أن تلجئي إليه لكي تحددي مواصفات وأسماء وأشكال أصحاب الأكف المفتوحة.

هناك فقط قوتك، حدسك، جرأتك على كسر الطوق واكتشاف موعد.. قطار السعادة. والباب مفتوح!

Email