ثرثرة فوق الثورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

- «لا يمتعك هذا التكرار؟ إنهم يفعلون الشيء ذاته كل يوم يا رجل؟ يخرجون، يصيحون، يرفعون قبضاتهم وصور شهدائهم، يقصفون، يقتلون، يتحولون إلى رقم عابر في أسفل شاشة الأخبار.. تكرار!».

- «أجده ممتعاً، بمعنى عدم توقفه. أنا أختنق حين أفكر بأن شيئاً اعتدت على حدوثه سيتوقف تماماً عن الحدوث، أو هو لن يحدث مرة أخرى..».

- «هذا كلام فلسفة. ليوتار؟ أليس هو القائل: ليس هناك سوى الرعب، الرعب المتعلق بالفقدان، فقدان الضوء ورعب الظلام، فقدان الآخرين ورعب الوحدة، فقدان اللغة ورعب الصمت، فقدان الموضوعات ورعب الخواء، فقدان الحياة ورعب الموت..».

- «الصمت رهيب يا رجل. اللغة عالم شاسع من المفهوم وغير المفهوم. من الوعي واللاوعي. هذا جان لاكان، عالم النفس الفرنسي الذي أفنى حياته يدرس اللغة. علاقتها بالحياة والموت. صمتكم يقتلنا، ما أروع هذا الشعار».

- «لاكان تحدث عن التكرار أيضاً، قال إن الناس حين يقومون كل يوم بتكرار الشيء ذاته، فهذا يجسد رغبة في الحياة، لكنه قد يحمل أيضاً النقيض. التكرار يعمل مع الحياة، لكنه يعمل ضدها أيضاً..».

- «مهلاً، هل تقصد تكرار الفعل الثوري، أم تكرار العيش الخانع؟ أقصد أنك قد تكرر طيلة أربعة عشر ألفاً وستمائة يوم ما تفعله كل يوم: تخرج من سريرك مثقلاً بالهم، تتجشأ، تمدد عضلاتك، تنظر لضمور وجهك وانطفاء الألق في عينيك، تحني رقبتك وتخرج للحياة مصارعاً من أجل لقمة العيش، تصارع «أكثر الكائنات غرابة لأنه أكثر الكائنات عنفاً» (هذا هيدغر موصفاً الإنسان).. ثم تعود إلى البيت، بأمل جديد أن تكرر ما تفعله في اليوم التالي.. وقد يحدث، أنه في اليوم التالي، تقرر أن تكسر المرآة، وتخرج «منتصب القامة تمشي.. مرفوع الهامة تمشي».. وتكرر هذا الأمر مدة ثلاثمائة وتسعين يوماً.. ما الذي يمكن تسميته تكراراً بالتحديد؟ الحياة أم الموت؟»

- «كل دافع في الحياة، هو بالفعل دافع نحو الموت».

- «اسمح لي أن أختلف معك!»

- «ليس معي، مع صديقك لاكان».

- «لنذهب ونحتسي كوباً من الشاي الأخضر، ونتحضر للحفلة، نكمل في وقت لاحق.. على كل حال: كم بلغ عدد القتلى اليوم، لم أشاهد التلفاز منذ زمن!».

Email