عن تختخ ولوزة و.. شكلوفسكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحيّرني فعلاً بعض الكتابات الشعرية التي يطلق عليها كاتبوها «شعراً حديثاً» وينشرونها، في كتيبات صغيرة الحجم، تشبه بمقاساتها «ألغاز المغامرين الخمسة» التي كنت أقرأها في الصغر.

ومكمن حيرتي هو ذلك التخطف في الخيال والأفكار، الذي لا ينُم عن خبرة، ولا يسمن عن جوع، ولا يستحضر الانتشاء أو الالتماعة أو الفكرة أو أي إحساس آخر من تلك الأحاسيس التي يفترض بالإبداع أن يولدها.

 ولا أفهم كيف يكون شعراً هذياناً من قبيل: «أتى الصباح، خرجت للعمل، هل أنت تعمل؟..». ثم؟ ثم ماذا؟ نعم تلك كانت القصيدة كاملة، وثمة بياض هائل متروك في أسفلها، ربما لكي يملأه قارئ مثلي بتعليقاته السوداء على واقع وتردي حال الإبداع العربي!

ولست من مريدي الوضوح، رغم أنني أميل إلى تجلياته. فأنا تجذبني لوحة تشكيلية، وفيلم تجريبي، وقصيدة حداثية، ولكن شرط أن يكون المبدع من وراء تلك الأعمال يعي تماماً حجم الجهد الذي يجب أن يضعه فيها لكي يضمن العملية الجمالية التي يحاور بها المتلقي.

ثمة كاتب وناقد روسي اسمه فيكتور شكلوفسكي، قدّم قبل ما يزيد على 150 عاماً شرحاً وافياً لهذه المعضلة. قال إن الفن يجب أن يكون مختلفاً عن الواقع الذي نعيشه، فلا يقدم لنا الأشياء كما نألفها. واعتبر أن لحظة الانتشاء والسعادة التي يشعر بها المتلقي تكمن في تلك العملية التي يستخدم فيها إدراكه لكي يفك «شيفرة» العمل الإبداعي. فعملية الإدراك في جوهرها هي ذات غاية جمالية، لذلك أوصى المبدعين أن يطيلوا هذه العملية لكي ينثروا جمالاً أكثر.

بتبسيط: واجب المبدع أن يبذل جهداً شاقاً، مرتكزاً على حس متين وفكر عال وإحساس متوغل، في لوحة التشكيل وقصيدة الشعر وفيلم السينما، كي يمكننا، في الأساس، اعتبار عمله «فناً» يليق بأن يحاول المتلقي إدراكه. أما الاستسهال، بادعاء التجريب والاختلاف، فهذا لا ينُم عن سوى فقر صاحبه، وليس عن نقصان في وعي الجمهور، كما يسعى المبدعون «الملغزون» في الغالب للترويج، هرباً من مسؤولياتهم.

«تختخ» و«لوزة»، كانا من شخصياتي المفضلة في «المغامرون الخمسة»، وهما لا يزالان يمتعاني إلى اليوم أكثر بكثير مما تفعل مئات من كتيبات.. «تخطفات الشعر الحديث»!

Email