فلاح درعا في بلاط القيصر

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «المنتخب» لولاية جديدة، يؤكد على نزاهتها، فيما يعتقد معارضوه أنها انتخابات على طريقة أنظمة الطغاة العرب.. بدا أمس بدموعه بعيداً جداً عن تلك الصورة القاسية التي رسمها لنفسه عبر وسائل الإعلام طيلة السنوات الماضية.

بوتين الذي شاهدناه يصارع نمور الغابة، ويمتطي الخيل عاري الصدر كمحارب لم تستمهله أفكاره الخشنة في ارتداء قميص، وكـ«مناضل» أنقذ البلاد من إرث الشيوعية المحتضرة وضمن لها استقراراً، ولو نسبيا ، مقارنة بهزات وزلازل ما بعد وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي.

ملامحه الدقيقة، بياضه الممتزج مع اشقرار، ودموع الفرح التي انهمرت، أعادت إلى صورة القسوة شيئا من إنسانيتها، وإن بدت صورته أقرب إلى فتاة أعلمت للتو بانتخابها ملكة للجمال، وليس لرئيس سيجثم على صدر معارضيه في الداخل ومن سماهم «أعداءه» في الخارج مدة ست سنوات جديدة.

في عالمنا- القرية الكونية، تعنينا مثل هذه الانتخابات، في إيران أو الصين أو فنزويلا، وبالطبع في أميركا، لأننا، كأناس بسطاء، «عمال وفلاحين وطلبة»، ندفع فواتيرها، أو ضرائبها، من معيشتنا وحاضرنا ومستقبلنا، ومصيرنا. المزارع البائس في قرية في درعا، يرتبط بعلاقة تبدو أوثق مما نعتقد بقيصر الكرملين بوتين.

وفيما يحاول الأول أن يطرد من حقله خفافيش الموت التي أغارت على زهر الحياة فيه، يمضي الثاني بالمساعدة على إطلاق تلك الخفافيش ورعايتها.

نحن هنا، كما في القصص القديم، إزاء سيرة فلاح حكيم، من بلاد الشرق المباركة، يقرر أن يرتحل على حماره إلى بلاد صقيعية بعيدة، لكي يسأل قيصرها من أن يتوقف عن دعم الخفافيش. سيقف في وجهه، ويكون هذا باكيا دموع الفرح لولايته الجديدة، ويقول:« يا قيصر، تبكي فرحا للحظة، وتمد يد العون لمن يجعلنا نبكي قهرا لدهر»!

أتخيّل القصة تصلح لكتاب للأطفال بعنوان:« فلاح درعا في بلاط القيصر»، وحوار بين المقتول وداعم القاتل. إذا ما ثبتت روايات تم تناقلها في الفترة الأخيرة، فإن موقف بوتين من القتل في سوريا، لا يقتصر على دعمه عبر الفيتو، بل تقديم خدمات لوجستية وتقنية جليلة.

رحلة الفلاح على حماره تحتاج ربما لوقت طويل، لكن ست ســــنوات جديدة.. ألا تكفي؟

Email