أسرار الصفحة الأخيرة البيضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنها اللحظة التي تنسحب فيها من استلقائك، أو انكبابك، أو شخوصك، لتعود فيها إلى عالمك الواقعي، فيلتبس عليك الأمر، وتظن أنك تائه، لا تعرف إن كنت جزءاً من هذا العالم، أو من عالم الكاتب الذي كنت غارقاً فيه. هي اللحظة التي مرت وتمر على كل منا، حين نرتاح قليلاً من القراءة، قبل أن نسترسل، أو حين نبحر في بياض الصفحة الأخيرة، مع فكرة أو دمعة أو حلم.. هي اللحظة، التي نعترف فيها للكاتب كم هو مبدع وأخاذ، ويحق له أن يعيش نشوة الانتصار.

الكتاب ذاته.. اللحظة ذاتها.. ربما الإحساس يتغير والأيادي التي تحمل الكتاب والعيون التي تحتمي به. لا يعرف الكاتب هوية تلك العيون، ولا شيئاً مما في رؤوس وقلوب أصحابها، ولا شكل طقس القراءة الذي يتبعه القارئ: ماذا يرتدي، هل يستلقي، ماذا يضع إلى جانبه أثناء القراءة؛ قلم رصاص أم حبراً، مفكرة أم ورقة بيضاء، شاياً أخضر، فنجان قهوة، كوب عصير؟ أو لا شيء من هذا وذاك.. لا شيء؛ .. لكي يجتاحه الكتاب.

لا يعرف الكاتب من يلتقط عمله من على رف مكتبة أو طاولة معرض أو يد صديق، أو حتى حاوية أغراض مهملة.. وحين يكتب، لا يفكر، غالب الظن، بتلك اللحظة، لكنه، بعد نشر الكتاب، تراه، كالطفل المبتهج، لو صادفه قارئ يروي له حكاياته الخاصة مع لحظتين ساحرتين: لحظة التقاط الكتاب، ولحظة الفراغ من قراءته.

ليس صحيحاً أن الكتاّب لا يكترثون للطريقة التي تقرأ بها كتبهم، ولو كان الأمر كذلك، لما كتبوا، أو لما استحقوا أن يكونوا كتّاباً.

في كل مرة أفرغ فيها من قراءة كتاب، أجهّز رسالة مختصرة، ليوم لقاء متوقّع مع الكاتب؛ نصاً مضافاً على الصفحة الأخيرة، يلخّص ما إذا كان الكاتب قد ترك لي عليها أملاً أو حلماً أو دمعة. لا أسعى لاهثاً لهذا اللقاء، أتركه للصدفة، معلقاً، تماماً كما هي شرارات الأفكار التي تولدت منها أجمل الكتابات؛ شرارات الصدفة الآسرة التي تحرضك على البوح، على الكتابة، على القراءة.. على العيش.

«مهرجان طيران الإمارات للأدب» على الأبواب، لا تنسوا أن تكشفوا لكتابكم المفضلين عن مكنونات.. الصفحة الأخيرة البيضاء!

Email