أخلاق الثورة (3) حسن جمّول

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس مذيعو الأخبار أصناماً، أو «ربوات» تلقنها كلاماً تقوله من دون إحساس وتفاعل. لكن تدريبات شاقة، يخضع لها هؤلاء تمكنهم من فصل تلك المشاعر عن أدائهم «على الهواء»، بالحد الأقصى. ثم يكون لكل قناة تلفزيونية سياستها الخاصة التي تتحكم بالهامش المسموح به مما يعرف بالــ«بادي لانغويج»، أو حركات الجسد، أثناء الكلام. هكذا، تميل قناة «بي بي سي»، على سبيل المثال، إلى تقنين حركات المذيع بشكل صارم، إذ يبدو وجهه هو ما يتحرك فقط أثناء عملية النطق، فيما كل ما هو أسفل العنق، جامد، إلى درجة أنك تخال المذيعين أقرب إلى أصنام تصلح للعرض في «متحف مدام توسو»!.

«العربية»، بخلاف ذلك، تترك مجالاً أرحب لمذيعيها لحركات وتحركات، قد تؤثر من شدة الإفراط بها، على تلقي الرسالة، إذ ينشغل المشاهد بها، ويتشتت عن الحديث. المذيعون اللبنانيون أمثال نجوى قاسم وطاهر بركة وطالب كنعان يندرجون في هذه الفئة، بوضوح، ربما لأن اللبناني بطبيعته «يعبّر» كثيراً. فهو إن تكلم استخدم «ميرسي» و«آي لايكت» و«ثئافة» (بالهمزة) في جملة واحدة، دلالة على ثقافته اللغوية الواسعة (!)، وان حاور، استخدم يده وشعره وكتفه ونظارته، دلالة على قدرته المبهرة (!).

ثم هناك «الجزيرة» التي يصرّح المذيعون العاملون فيها أنها لا «تسمح لهم البتة بالتعبير عن انفعالاتهم». واقع أصبح تحت المجهر في هذا التوقيت تحديداً، الذي تخوض فيه القناة معارك شرسة على جبهات السياسة والأنظمة والمخططات والثورات، ويبدو أنها غير مستعدة بأن تشوش على خططها أخطاء أو هفوات أو أمزجة مذيعين ينتمون إليها مهنياً، من دون أن ينتموا إليها، بالضرورة، فكرياً.

ربما يكون حسن جمول في هذا الخندق، و«هفوته» (لنعتبرها كذلك) في الضحك من شكل مناضلة سورية مقنعة قدمت رسالتها، ودماؤها على كفها، للقناة، التي كشفت على الهواء، أساءت إلى مشاعر كثر من المشاهدين الذين تأثروا بشجاعة المدنيين المتحولين إلى مراسلين ومخبرين لكي ينقلوا صور الاغتيالات الشرسة لمدن وأحياء وجموع، في ظل التعتيم الكامل وسياسة الحصار واستهداف الصحافيين. ضحك جمول ساخراً من ضيفته، التي تخفت بنظارة سوداء وحجاب وجاكيتة مترهلة، والتقطته الكاميرا لهنيهة (بالصدفة؟). هنيئاً الضحكة يا حسن.. و«لعله خير»!

Email