أخلاق الثورة(2) مبروك المهدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

كتبت أمس أن أصغر جاهل في عالمنا العربي بوسعه أن يغلب اكبر عالم. وفي معرض دفاعي عن سلمى الجيوسي، وعن حرية أي كان بالتعرض إلى أيقونات منصّبة ومرهقة في عوالمنا، طالما هو يمتلك الوعي والحجة والمعرفة للمحاججة والدفاع عن رأيه، أكمل اليوم مع مشهد آخر يصب في الاتجاه ذاته. وزير الثقافة التونسي الجديد مبروك المهدي تعرض لهجوم شرس في الأيام الماضية لأنه عبر عن عزيمته إعادة البريق الأول إلى مهرجان قرطاج الغنائي حين كانت أصوات مثل أم كلثوم وفيروز وأزنافور تجلجل بين هياكله.

لعله لم يقصد أن ينتقي بشكل حصري تامر حسني وشيرين واليسا ونانسي حين أشار إلى أنها ليست الفئة المستحب تواجدها على خشبة هذا المسرح العريق. لقد أكد فقط على أسماء ذكرها محاوره في المقابلة الصحافية التي تناولت شؤونا أخرى تتعلق بخطته لبعث الأوكسجين مجددا في جثة الثقافة التي حنطها الرئيس الهارب بن علي وباعتها زوجته في كل مزادات النفاق والفساد.

 قرطاج كان جثة هامدة على مدى سنوات طوال، وإحدى ساحات مافيا عائلة بن علي، وقناع صاخب من تلك الأقنعة الكثيرة التي يطلبها الديكتاتور لكي تلهي وتشتت وترسم مشاهد للرقص والمرح، فيما سوس فساده ينخر في كل شيء، خلف تلك الصورة الراقصة. هذا ما قصده المهدي، تحديدا، هو الآتي من رحلة طويلة قضاها في بحث أحوال ضحايا الهجرات السرية إلى أوروبا، راغبا في أن تستعيد تونس قيمة الإنسان فيها، على مختلف الصعد، من دون استثناء الذوق العام.

لا أكترث كثيرا بردود الأفعال العصبية للفنانين الذين شعروا بخدش كبريائهم (المرضي غالبا) من كلام المهدي، فجلهم لا يفهم غالبا ما يقول، وكلما تهددت مصالحه لا يجد إلا نوادي الفانز (المريدين) خاصته، فيلجأ إليهم لكي يخوضوا حربا عشوائية باسمه (أليس الفانز نوعاً آخر من أنواع التشبيح في المجتمع؟). لكنني أستغرب المواقف الرسمية التي صدرت عن نقابتين للفن في مصر ولبنان هاجمت المهدي دفاعا عن الفنانين وحولت الموضوع إلى داحس والغبراء. أقول لها: حق الشعوب بالذوق السليم أولى بالدفاع عنه في زمن الحرية والثورات!

Email