أخلاق الثورة: سلمى الجيوسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عجيب جدا أمر المثقفين العرب، تظنهم في مقدمة القاطرة، فإذا بجلهم في عربة خلفية يشعل فحما حجريا لا يغني ولا يسمن من.. دفء. تظنهم حراسا لحرية الكلمة، .

وصونا لأجنحتها تحلق كيفما تشاء، فإذا بهم أول من يضع الحديد حول يديها، ويلوي عنقها ويشنقها. جلّ ما قالته الشاعرة والناقدة الفلسطينية، سلمى خضراء الجيوسي، هو أنها لا «تستمتع» بقراءة نجيب محفوظ، ومن وجهة نظرها، فإن آخرين في العالم العربي يستحقون جائزة «نوبل» العالمية أكثر منه، أو ربما بموازاته.

ماذا حصل بعد ذلك؟ قامت الدنيا ولم تقعد، لعبت «الميديا» لعبتها، صدّرت عناوينها، شغّلت مطحنتها، و»هيّجت» الرأي العام «المثقف» الذي خرج بعض وجوهه لكي يصفوا سيدة تشتغل منذ أكثر من نصف قرن على رفع هامة الثقافة العربية في العالم أجمع، بأنها «بلا أخلاق». قالها حرفيا كاتب مصري شاب، لعله في عمر أصغر أبناء السيدة الجيوسي أو ابن ابنها!

«ناقد» آخر، وما أكثرهم، قرّر أن صاحبة «الشعر العربي الحديث» أرادت أن «تنتشل نفسها من النسيان» عبر هذه التصريحات، وتسلّط ضوءا إعلاميا كاشفا عليها.

تهمة جاهزة لا يليق رميها على من أفنت عمرها، بهدوء وتواضع، في دوائر البحث من أجل إنتاجات موسوعية، أغنت ثقافة العرب لأجيال مقبلة. منذ زمن بعيد ارتضت الجيوسي أن تعمل بعيدا عن الإعلام.

تعمل فقط بدأب، وشغف، وانفتاح على الآراء كافة، بكل احتراف واحترام، ومن دون «جلجقة» (على قولة أهالي الشام في دلالتهم على الكلام المجاني الرخيص). لم تطلب نيشانا ولا تكريما، وعرفت أن إنتاجها الفكري هو إرثها الوحيد في بلاد بوسع جاهل فيها أن يغلب.. دوما عالما!

ماذا قالت الجيوسي، لكي تستحق هذه السهام التي تأتي من كل صوب مدفوعة بالجهل تارة والعصبية تارة أخرى؟ وأين هي «أخلاق الثورة» التي أملنا أنها سوف تراجع، من بين ما تراجعه، عقلية تأليه المكرسات وتقديس الأيقونات؟ لماذا تستحق تجربة سياسي أو إعلامي أن تراجع وتقيّم، فيما علينا أن نترك الأدباء في أبراجهم العاجية، مكرسين للأبد أيقونات منصوبة؟.. غدا أكمل!

Email