رماد رمادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ستفكر أن المناديل الورقية البيضاء المعلوكة والمنسية على الطاولات وفي الزوايا، هي مشهد لا يقدم عليه إلا كبار السن، وتتساءل: ما العلاقة بين الشيخوخة والمناديل المبعثرة؟ هل، حين ترتخي قبضاتنا ويعلوها التجعيد، وتنشف الخلايا، وتتورم الأوردة، نحتاج الى مناديل نقبض عليها، على العمر الذي مضى، كسيل الإفرازات، نمسحها ونتأكد أننا لا نزال على صورتنا البهية؟

ستفكر أن رماد السيجارة المنثور على بلاطة المطبخ، هو رماد الأيام وشيبها، تهرب منها، تزرع البيت ألواناً، ترسم على الوسادات فراشات ملونة، ترمي على الكنبة غلالة بلون البرتقال، وعلى الحائط غيمة بلون الغابة..

تظن أنك بعيد عن الرمادي، وأنك نجحت في الالتزام بنبوءة العرافين والدجالين الذين نصحوك برمي الألوان الداكنة من محيط حياتك وكواكبك.. وتظن أن شرفتك قد تفيض بزهور تشبه تلك التي تعج بها مستديرات الطرق والحدائق العامة في مدينة "المليون زهرة"..

ثم تأتي هي بسيجارتها، بالرماد الرمادي، لكي يجتاح الزمن بيتك الحصين كموجة تسونامي غاضبة..

ستفكر أن الترتيب هو الوجه الآخر للوحدة. حين تكون كامل الترتيب، كامل الدقة، كامل التنميق والتأنيق، فأنت في كامل وحدتك.. ففي الفوضى حياة، وفي تغيّر موقع الأشياء وأشكالها نبض يدعم سيرتك ويدعّم نبضك، وفي ترتيب ما بعد الفوضى حياة جديدة ونفس متجددة، وأنت بحاجة إلى زوار ينشرون تلك الفوضى في بيتك، كي تتأكد كم كانت وحدتك قاسية طوال السنوات الماضية!

وتفكر أن المقاعد الخلفية في السيارة مشغولة، لأول مرة منذ زمن بعيد، ونوافذها تنفتح كي لا يعلوها الصدأ، وثمة من يغني معك ولك ومن أجلك، ومن تمد يدك لكي تناوله غرضاً أو تمسّد على ضحكته، ومن يقول لك: انتبه من السيارة الجانبية ويراقب سلامتك، ويعلّق على أغنية حزينة لمحمد عبد الوهاب تنساب من مسجل السيارة: "شكل تاني.. حبك انت شكل تاني"!

ستفكر أن "شكل تاني" للحياة مطلوب، كي لا يأكلك رماد رمادي!

Email