سالي تضحك في «براندنبورغ»

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مثل هذه الأيام من السنة الماضية، أو بعدها بقليل، كنت في برلين، أحمل كاميرا الفيديو، وأقف خلف نافذة الفندق المطلة مباشرة على الساحة الرئيسية، حيث بوابة "براندنبورغ" وجحافل السياح، الذين يحجون إلى المكان غير مكترثين بالصقيع الذي فرش غلالة رقيقة على الأرض.

كل عمود إنارة، حوله مجموعة تناشد قضية ما، قد تبدأ من الاعتراض على نحر الكلاب في مباريات كرة القدم في بعض بلاد أوروبا الشرقية، مروراً بالمروجين لذكريات الهولوكوست التي لا تنضب في الذاكرة الجمعية الغربية، والتي تتلوّن كل يوم بحسب ما تشتهيه إسرائيل وتريد تحقيقه، عبر لعبتها الأثيرة: الابتزاز.. وصولاً إلى الاعتراض على سجن مخرج إيراني وملصقات تدعم الحراك الشعبي في طهران (آنذاك).

والذي أطلق عليه اسم "الثورة الخضراء". أشكال وألوان من طوائف مختلفة، في هذا المكان، ورجل يتنكر ويرفع أعلام الحلفاء، مذكّراً بتاريخ الحرب الباردة، وآخر يلبس شكل دجاجة، ويجول في الأرجاء والزوايا التي شغلتها أعلام سفارات الدول العظمى، وأولها أميركا.

وسط ذلك كله، لمحتها، أو التقطتها عدسة الكاميرا أولًا، قبل أن أتنبه إلى ضحكتها في الصورة التي بدت لي مألوفة. "زوم" إن، مباشرة، لكي أحدق أكثر في تفاصيل الصورة. كانت سالي زهران، الصبية المصرية التي قتلت يوم 25 يناير الماضي، بعد أن أقدم الأمن البلطجي على فج رأسها والإمعان في ضربه، حتى فقدت وعيها ولم تستعده، إذ كانت قد فقدت معه.. روحها.

في برلين، وقبل أن يعلن سقوط حكم حسني مبارك بأيام، كان أحدهم قد وثق صورة سالي زهران وعدد من الشهداء المصريين، على عمود إنارة في الساحة الرئيسية، ووضع قليلاً من الشموع قربها. تابعت متأثراً اهتمام المارة بهذا المظهر. لا أدري ما الذي حرضني آنذاك على متابعة التصوير، وتوثيق ذلك الفيلم القصير الذي يظهر درجة تجاوب رجال شقر منمشين، في صباح برليني بارد، مع صورة شهداء مصر، شهدائنا، وشموع أرواحهم المضيئة.

أمس، استمعت إلى خطاب عدد من الإعلاميين المصريين على الفضائيات، وبعض الناشطين، وقادة الرأي المؤثرين، وبدا لي هؤلاء، بعد عام على فج رأس سالي زهران ومثلها المئات، كأنهم شقر منمشون، فاترو العزيمة، يليق بهم التنكر بلباس دجاجة والتجوال في ميدان "براندنبورغ" لا ميدان التحرير!

Email