ثلج إدلب

ت + ت - الحجم الطبيعي

صباح السبت الماضي، استفاق أهالي مدينة إدلب السورية على الثلج يغطي سطوحهم وطرقاتهم، بعد ليلة دامية تعرّفوا فيها على أبنائهم مخزنين في ثلاجات "المشفى الوطني"، على شكل أشلاء لجثث تم تفجيرها..

للأمهات اللواتي فجعن بأبناء قتلوا مرتين، ليس بوسعنا إلا أن نناجي وندعو: "يا دالف الثلج برّد قلوب الأمهات، وسرّب نقاءه إلى عيونهن الحالكة، وافرش غلالته على الأيام الحزينة، واجعل لبياضه سطوع الشهادة، وأنوار الفجر القادم..

يا دالف الثلج، انصر الضعفاء، واجعل حطبهم زاد الحريّة، وحريتهم زاد حطبهم، وأيامهم نصرا على سافكي الدماء، وصيحاتهم خلخلة لعرش الطغاة، وميادينهم أملاً لضحكات الأطفال، ومروجهم وهجاً لفرح الأمهات..".

أفكّر في ذلك الثلج الذي لامس أرض إدلب، وصرخات أهاليها المفجوعة لم تنضب من ليلها الحالك، بعد. ثلج السماء، لعلّه، أخفّ وطأة من ثلج البرادات التي اقتنت الأشلاء. هذا ثلج قارس، قاس، خبيث ويشارك المجرم جريمته، يداري على رائحة الموت، فلا تفوح فضيحة السفّاح.. أمّا ثلج السماء، فهو دمعها الوديع البارد، دمع أمّ طيّر الهواء العاصف حجابها، وتلاعب بشيبها، وجعّد جبينها، ودسّ في ثناياه صفرة شاحبة، لكنها بقيت هناك، على الشرفة أو المصطبة، تذرف دموعها الثلجية، على من رحل ولن يعود.

أمهات إدلب، حين توافدن، قبل الثلج، إلى "البرادات"، أملاً في النظر إلى عيون أبنائهن للمرة الأخيرة، والتمسيد على جباههم للمرة الأخيرة، لم يجدن العيون ولا الجباه ولا الشفاه، بل أشلاء بأرقام. الجثث تأتي إلى ثلجها مرقّمة، موثّقة، مؤرشفة. هنا، ينام القتل الممنهج مبرّداً، بحماية الشياطين، حتى يفتح أحدهم باب الثلاجة، فيفزع الثلج ويهرب كاشفا القناع عن وجه الدم!

ثلج السماء المتساقط في الخارج، أعلن براءته من ثلج الموت المتساقط في الداخل. لا يمت بصلة إليه، لا للونه ولا لرائحته ولا لطعمه.

"يا دالف الثلج من سماء إدلب، حرّر قلوب المستضعفين من ثلج السفاحين"!

Email