طائر كالذي تقتنيه!

ت + ت - الحجم الطبيعي

طائر كالذي تقتنيه. طائع، طيّع ومطواع. تخبره أن القفص جنّة فيزغرد، وأنه أجمل الطيور فيتغاوى. تصنع له من كذب الكلام ودهاء الفكر وترهل القلب مرآته البائسة، وتجعله يظن أنها مرآة مسحورة من دفاتر الحكايات الملونة: «مرآتي.. يا مرآتي.. من أكثر مني سعادة؟ من باله مطمئن أكثر من بالي، وأيامه مستقرة أكثر من أيامي وزمنه نابض أكثر من زمني؟». تمد له إصبعك فيلعقه، وتطير محلقاً وفرحاً في سماء الغابة، ملك الزمان وأسده. تمد له لسانك فيمسده بريشه، ويبث فيه ألحاناً، فتصدح وسط العشيرة والجماعة بأنك بهي الصوت، صدّاح، وأن لسانك الغنّاء ليس إلا جمالاً مضافاً على جمالك، وإمتاعاً على إمتاع، و«نوراً على نور»!

طائر كالذي تقتنيه. يفاجئك بأنه ببغاء، قد يردد سهو الكلام، ويلتقط أغنية ابن الجيران، على الشرفة المقابلة: «أنا مش إلك.. بقفص زغير، بدّك ياني كون، وأنا بدّي طير، وجناحاتي تكون، عوسع الفلك، أنا مش إلك..». يردد من دون أن يفقه، فتشتاط غضباً، وتنفجر حقداً، وتعلّقه في رأس القفص بالمقلوب، وتدسّ الكلس في مائه والشوك في حبوبه، وتكسر مرآته، وتخبره أنها في الأساس مرآة بائسة وليست ساحرة، وتقول له إنه «أبشع الطيور» وإنه «خائن» وتائه، وإنك، في المقابل، سوف تخونه مع كل طيور المدينة، فأنت مهان ومكلوم ويحق لك ما لا يحق للعشاق!

طائر كالذي تقتنيه، كان في ما مضى يبتسم للغادي والآتي، ويظن أن الابتسامة وحدها تصنع عالماً أكبر من القف، وأوسع من الفلك، وأنه لا معنى للأجنحة إذا حل البؤس واستوطنت الكآبة، فالابتسامة طيور محلقة، مباشرة، إلى القلوب. وكان، في ما مضى، يكترث لمزاجك وقصصك، العميق منها والتافه، الملحّ والعابر، ويفكر معك ويقرر لك ومن أجلك، ويظن أن لا تغريد لسواك، ولا سماء إلا سماؤك، ولا قفص إلا قفصك..

طائر كالذي تقتنيه، سيعرف أخيراً كيف يفرد أجنحته!

Email