جرس «أبو العبد»

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تزور لبنان، تعود محملاً بالكثير من علب الحلويات المعدة للسفر، وبعض الإصدارات الأولى لدور نشر، وأخبار عن الاقتتال السياسي والطائفي، و"أساطير" حياة الليل، وكثير من النكات عن "أبو العبد".

و"أبو العبد" هذا، في الحس الشعبي اللبناني، هو الشخصية التي ترمز إلى "البيروتي" الأصيل، بما أخبر عن صفاته وتصرفاته، في حكايات تخلط، على عادة القص الحكائي الشعبي، الرسائل الجادة بالهزل، والاجتماعي بالديني بالسياسي بالوطني..

وفي فورة الإنتاج التلفزيوني اللبناني في ستينيات القرن الماضي، تجسدت شخصية "أبو العبد" في دراما التلفزيون، وبات بوسع الأجيال أن تتخيّل له صورة ثابتة، بطربوش وشارب ومسبحة و"شروال"، وغيرها من اكسسوارات اللباس البيروتي التقليدي في بداية القرن المنصرم.

لكنني اكتشفت مؤخراً، في سياق تصفحي لكتاب الصحفي والناقد إبراهيم العريس عن تاريخ وواقع السينما اللبنانية، "الصورة الملتبسة"، أن المحاولات الفنية الأولى لتجسيد هذه الشخصية، تعود إلى زمن أسبق، وتحديدا في وقت السينما الصامتة.

لقد حمل ثاني فيلم في تاريخ السينما اللبنانية، وهو ثاني فيلم أيضا من أصل ثلاثة أفلام صامتة في تاريخ هذه السينما، اسم هذه الشخصية الفكاهية، إذ حقق مخرج إيطالي من أبناء الجالية التي عاشت في لبنان في العشرينيات، فيلماً بعنوان "مغامرات أبو العبد" في عام 1931. المخرج اسمه جوردانو بيدوتي، ويروي العريس أنه كان سائقاً لدى آل سرسق، وهي عائلة من أثرياء وأعيان بيروت ولبنان، وكان مفتوناً بالسينما، التي كانت قد أضاءت شاشاتها قبل ذلك بعقود في أوروبا وأميركا ومصر.

قبلها بعامين، كان المخرج ذاته قد أنجز "مغامرات الياس المبروك"، ويلاحظ الكاتب كيف أن المخرج الغريب عن المجتمع اللبناني، راعى "حساسية تنوعه"، إذ انتقى شخصية مسيحية لفيلمه الأول ومسلمة بيروتية لفيلمه الثاني، رغم أن الاثنين صامتان ولا وجود للهجة فيهما. الطريف أن فيلم "مغامرات أبو العبد" هو احتفاء بالسينما أيضا، ليس فقط بكونه يجسد شغف المخرج بهذا الفن، بل لأنه جعل بطله قادماً من عالم السينما، إذ هو "أبو العبد الجرس"، نسبة إلى وظيفته التي تقتضي أن "يقف عند باب صالة سينمائية حاملاً بيده جرساً منبهاً المارة وداعياً إياهم إلى الدخول ومشاهدة الأفلام الأميركية والأوروبية"! جرس لا يزال يدق كل دقيقة في لبنان، منبها إلى فيلم "الحساسيات".. الطويل!

Email