«طقطقة» منتصف الليل

ت + ت - الحجم الطبيعي

الهواء يريد أن يتنفس. حين يهب، يندفع إلى الزجاج، يعود مرتدا، إلى نفسه، تعرف أنه يفعل ذلك لأنه يريد أن يتنفس. شيء منه يتسرب إلى الداخل؛ هذا ما يهرب من الأنفاس.

 بقايا أنفاس مقطوعة ربما، أو هي تبحث عن رئة مختلفة غير رئة الهواء. في تسربها تحرك باب الشبك، فتصدر صوت "طقطقة". تلك تنخر في الرأس، حين تكون نائما، وحين يزداد هبوب الهواء في الخارج، وهبوب الأحلام أو الكوابيس في الداخل.. داخل الدماغ، أو القلب، أو الروح أو.. أنت لا تعرف بعد في أي "داخل" تصنع الأحلام العجيبة.

لكن "الطقطقة" في حلم، هي غيرها في كابوس. في الحلم، هي أنامل جميلة تلامس أوتار القيثارة، تشدها، ترتب "عزيمتها"، "تطقطقها" قبل أن يبدأ العزف.

كل موسيقى تبدأ بـ"طقطقة"، وربما يكون شكل "الطقطوقة" في الموسيقى الشرقية يعني موسيقى غير مكتملة، أو معزوفة تراوح عند الانطلاق من دون أن تنضج.

في الحلم، قد ينساب صرير الهواء المتقطع، لكي ينصهر في مشهد جميل، فيكون صرير باب ينفتح على حديقة، نورها من زهر وزهرها من نور. تتفتح الأبواب، واحدا تلو الآخر، على ابتسامات ناصعة، بيضاء، لأطفال ونساء وشيوخ.

يدسون أصابعهم في قلوبهم، يخرجون منها "شحما" مشعا، يمرغونه على الأبواب، كي لا يأكلها الصدأ، ويعجزها التحلل، وكي لا يقتل صريرها معزوفة عصافير القيثارة. الشهداء، الذين يموتون سحلا وجلدا وسلخا، حين يذهبون إلى حدائقهم النورانية، لا يرضون بطقطقة الصرير..

في الكابوس، تنفذ "الطقطقة" في مشاهد عدوانية: جرس مدرسة في صباح بارد يبدأ بامتحان مادة الرياضيات، طرق ملحّ من كائن له هيئة دراكولا، على نافذة سيارتك التي يصدف أنها في منطقة موحشة نائية ومحركها لا يعمل، طرق السجّان على حائط الزنزانة يعذب السجين طوال الليل ويمنع عنه النوم..

هذه "طقطقة" تعذّب، وتجعلك راغبا في أن تنهي مسيرة النوم، وتعود إلى الوعي، تفتح عينيك للحظات، تطرد خوفك، تستوعب ما يجري، تلعن مجهزي البيت الذين لم ينتبهوا إلى حشو أطراف الأبواب ومنع تسرب الهواء منها، تبحث عن قطعة كرتون صغيرة تدعّم بها الباب. تصرخ في الهواء: "تنفّس بعيدا عن رئة مناماتي"!

Email